أثار خطاب خادم الحرمين الشريفين أمام مجلس الشورى ظهر يوم الأحد الماضي اهتمام قطاعات واسعة من أبناء الشعب السعودي، خاصة من النساء اللاتي تباهين بإعلان الملك عبد الله بالسماح لهن في الجلوس تحت قبة مجلس الشورى، والسماح لهن بالترشح والانتخاب في المجالس البلدية. والحقيقة أن هذه المسيرة التي بدأها المغفور له الملك فيصل حين افتتح أول مدرسة ابتدائية للبنات في المملكة تعد خطوة هامة من خطوات بناء المؤسسات السياسية وتطوير النظام السياسي في المملكة. وحين اتخذت القيادة السعودية هذا القرار، فإنها شعرت أنه لا يمكن تهميش تسعة ملايين ومائة وثمانين ألف امرأة يعشن في هذا البلد ويمثلن 49% من مجموع السكان من المواطنين. كما شعرت بأن الثقل التراكمي للمتعلمات منذ أن سمح لهن بالانخراط في صفوف التعليم الأولى قبل نصف قرن، قد أصبح يمثل كتلة سكانية مهمة غالبيتها مثقفة ويمكن أن تساهم مساهمة إيجابية في بناء البلاد وتحديثها بشكل يدفع العمل التنموي إلى الأمام حتى تصبح بلادنا في مقدمة صفوف الدول المتقدمة. في الوقت الحاضر، تشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامة، إلى أن العاملات من الإناث تصل نسبتهن إلى 13.2% مقابل 86.9% من الرجال، أما العاطلات عن العمل فيمثلن 44.7% من نسبة العاطلين عن العمل. وتبلغ نسبة الإناث من اللاتي حصلن على الثانوية العامة 98.5% من قوة العمل السعودية، بينما تصل نسبة الجامعيات منهن إلى 67%، أو ضعف نسبة الذكور في القوة العاملة ممن أكملوا دراستهم الجامعية. ويعني ذلك أن الوطن يصرف الكثير على تعليم النساء، غير أنه لا يشغل إلا 13.2% منهن، وهذا يعني أن السماح بدخول المرأة إلى المجال السياسي سيضيف أبعاداً جديدة إلى المجالات المحدودة التي تعمل بها المرأة في الوقت الحاضر، وهي التعليم والصحة. وسيسمح للنساء من هذه المنابر الوطنية بالمطالبة بتحسين أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية خاصة في القطاع الخاص، الذي لا يزال يتراخى في تشغيل الموظفين السعوديين بشكل عام، والموظفات السعوديات بشكل خاص. والحقيقة أن وقوف خادم الحرمين الشريفين سنوياً أمام مجلس الشورى ليلقي خطاب الحكومة ينطوي على رمزية هامة، وهي أن أعلى سلطة سياسية في البلاد تقدم للسلطة التشريعية تقريراً سنوياً عن أهم إنجازاتها وتصوراً مستقبلياً لخططها التنموية اجتماعياً واقتصادياً، مما من شأنه أن ينهض بمستوى معيشة المواطن، ويرفع من شأن الوطن. وقد انطوى هذا التقرير السنوي للملك أمام المجلس عن خطط المملكة وسياساتها الداخلية، وكذلك عن أهم ملامح سياستها الخارجية، وظهر في الخطاب إصرار الحكومة السعودية على استقرار الوطن وتعزيز الوحدة الوطنية وتأمين حياة المواطنين، وتوفير سبل العيش الكريم لهم. كما جاء في الخطاب الملكي اهتمام المملكة بأمن الخليج واستقراره حيث يعتبر جزءاً من الأمن الوطني للمملكة، وحرص المملكة على تجنيب المنطقة العربية ويلات الحروب والصراعات الأهلية، مع احترام حق الشعوب العربية في الحرية وعدم السماح لأي تدخل خارجي في القضايا العربية. وحث خادم الحرمين الشريفين زعماء اليمن على ضبط النفس وتحكيم العقل وعدم الانزلاق إلى مزالق العنف والاقتتال. كما دعا الملك إلى نشر الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة التي نصت عليها القوانين الدولية، وكذلك على حرص المملكة على جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. ولا شك أن الاهتمام الكبير لخادم الحرمين الشريفين بشؤون المرأة وتمكينها يعكس رؤية ثاقبة مستقبلية للقيادة السياسية في هذه البلاد.