إذا أردت أن تجري اختيارا ميدانيا لعشوائية الأعمال الخيرية فما عليك سوى لبس ثياب رثة وإعفاء اللحية والذهاب لأحد أبواب الجميعة الخيرية بتقرير طبي مزور، أو حتى بدون تقرير لتأخذ إعانة أو مساندة.
لا تتوقف هنا بل ربما تحصل المزيد من الإعانات في يوم واحد أو يومين وذلك بطرق أبواب جمعيات أخرى في نفس المدينة، وسوف تحصل على مبتغاك دون أن يسألك أحد من أين جئت وهل ذهبت لجمعية أخرى.
لم أبالغ فيما أقول فهذه هي الحقيقة المرة في ظل عشوائية العمل في الجمعيات الخيرية، وضعف التنسيق بينها وعدم وجود استراتجية تنظم العمل وتوزع المهام إلا عند بعض الجمعيات. وتزداد العشوائية في شهر رمضان حيث تكثر الصدقات والإقبال من المحتاجين وغير المحتاجين على الجميعات الخيرية طلبا للمساعدة المادية والعينية.
قد يرى البعض أن المشكلة ليست كبيرة ولا تحتاج لتسليط الضوء عليها لكن حين نعلم أن الجمعيات الخيرية تسد ثغرة كبيرة في محاربة الفقر وإعانة الفقراء وأن هذه العشوائية تؤدي لذهاب الأموال لأناس غير مستحقين لها أو أنها تعطي الفئة التي تطرق الأبواب وتهمل فئة أخرى ممن ذكرهم القرآن «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف» وهم في حقيقة الأمر فقراء بحاجة لمن يسأل عنهم ويتفقد أحوالهم تطبيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي الذي نادى به الشرع.
السؤال الذي يطرح لماذا لم تستطع 614 جمعية خيرية وفق آخر إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية تصل موازنتها إلى ما يقرب من 900 مليون ريال سعودي حسب ماصرح به رئيس لجنة التنمية الاجتماعية في المنسك محمد العاطفي أن تساهم في الحد من تنامي نسب الفقر والحاجة في المملكة والتي يصل عدد سكانها لـ27 مليون نسمة منهم 18 مليون سعودي في آخر تعداد للسكان؟!.
إذا علمنا أن نسبة الفقر تصل إلى 22 في المائة من عدد السكان وهو ما أكده التقرير السنوي لوزارة الشؤون الاجتماعية عن ارتفاع عدد حالات الأسر الفقيرة وغير المنتجة التي يشملها الضمان الاجتماعي في المعاشات والمساعدات والتي تم مناقشته في مجلس الشورى، وعلق أحد الأعضاء حينها قائلا «بالاستناد إلى إحصاءات السكان لوزارة الاقتصاد والتخطيط والتي قدرت متوسط أفراد الأسرة السعودية بنحو 5.7 فرد، فإن ذلك يعني أن إجمالي المواطنين الذين يشملهم الضمان الاجتماعي في تلك الأسر ــ الواردة في التقرير ــ يصل إلى نحو 3.8 مليون نسمة. وبينما تشير الإحصاءات إلى أن سكان المملكة من السعوديين قد وصل إلى نحو 17 مليون نسمة في عام التقرير 1428هـ، فإن ذلك يعني أن قرابة 22 في المائة أو أقل بقليل من ربع السكان السعوديين هم تحت خط الفقر وغير منتجين». وبغض النظر عن تحديد حجم نسبة الفقر بدقة في ظل افتقادنا للدراسات والأبحاث حيالها، حيث تعتمد أغلب التعليقات على الفقر في السعودية على دراسة لأستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور راشد بن سعد الباز، أجراها عام 2005، وحدد خلالها الحد الفاصل للوصول لمستوى الكفاف للمواطن بنحو 1660 ريالا شهريا، فيما يبلغ خط الفقر 1120 ريالا، بدون حساب تكلفة السكن. وهنا يعلق أستاذ الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله الفوزان، على الفقر في السعودية، منتقدا في البداية عدم وجود دراسات وإحصائيات مبنية على أسس علمية، وعدم وجود خط فقر نستطيع القياس عليه في السعودية.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة لحل مشكلة الفقر فإنها لا تزال قائمة، وما زال الضعفاء يبحثون عن المأوى والخدمات البلدية، التعليمية والصحية، فيما يبدو أن هناك خللا ما في أسلوب تطبيق استراتيجية مكافحة الفقر والتي تعتبر الجمعيات الخيرية شريكا فاعلا وأساسيا فيها. هذا إذا اخذنا في الاعتبار أن ثروة أغنى 30 سعوديا تصل إلى 161.58 مليار دولار تكفي لسد حاجات كل فقراء المملكة.
لكن الجمعيات الخيرية لا تتحمل وحدها حل مشكلة الفقر والحاجة في المملكة لكن لها دور رئيس ومهم ويتعاظم الدور إذا ذهبت الأموال المخصصة للفقراء للمستحقين وهذا لن يكون إلا بالقضاء على عشوائية الأعمال الخيرية فيها.
«عكـاظ» فتحت ملف عشوائية الأعمال الخيرية متسائلة عن سبب هذه العشوائية والحلول للقضاء عليها ودور وزارة الشؤون الاجتماعية في الحد منها مستعرضة آراء العاملين في الجمعيات الخيرية ومدرائها ومجلس الشورى والشرعيين في سياق التحقيق التالي:
بداية، يؤكد محمد بخش (أحد العاملين السابقين في الجمعيات الخيرية) عن وجود عشوائية في العمل الخيري حيث تسود المزاجية وبعض المحسوبيات في دفع الأموال، مشددا على أن التنسيق بين الجمعيات ضعيف وهو مايجعل بعض المحتاجين وغير المحتاجين يتحايل في بعض الأحيان في ظل الشعوائية وضعف التنسيق. لكن بخش أشار إلى أن الجمعيات رغم مايكتنف عملها من بعض العشوائية إلا أنها تسد ثغرة كبيرة من خلال رعاية الأيتام وإعانة الفقراء، ومساعدة الأرامل والمطلقات، ودعم طلبة العلم وغيرها من الأعمال التي يستفيد منها المجتمع.
ودعا بخش للقضاء على العشوائية باحترام التخصصات بحيث تخصص كل جمعية لعمل خيري معين مثل أن تخصص إحدى الجمعيات لرعاية الأيتام، والأخرى للفقراء والمحتاجين، وثالثة للدعوة وطلبة العلم مما يجعل هناك تنظيما أكثر والفائدة تعم الجميع، وشدد بخش على أهمية تكثيف الرقابة وعمل اجتماعات دورية بين مديري الجمعيات لتلافي السلبيات ودعم الإيجابيات، مؤكدا على أهمية أن تطور الجمعيات الخيرية أدوات عملها مستفيدة من التقنية للقضاء على العشوائية.
تنسيق مفقود
ويشير أحد العاملين في الجمعيات الخيرية (فضل عدم ذكر اسمه) أن عملها يكتنفه العشوائية خصوصا في المواسم كرمضان والحج، واستدل على ذلك باكتشافه شخصيا لمحتالين أخذوا أموالا من جمعيته رغم عدم حاجتهم للمال بل أن بعضهم يملك عددا من السيارات والبيوت، لافتا إلى أن بعض المحتاجين يأخذ من عدة جمعيات خيرية في وقت واحد، مؤكدا على أنه لو وجد تنظيم وتنسيق بين الجمعيات لما حدثت هذه التجاوزات وذهبت الأموال لمن يستحقها.
وأشار إلى أهمية وجود لجان لدراسة الحالات قبل أن يتم منحها المساعدة التي تستحقها، مفيدا أن جمعيته تدرس الحالات لكنها بحاجة لتكثيف هذه الدراسات وشموليتها بحيت تأخذ كافة النواحي الأسرية والاجتماعية والتعليمية للأسرة.
وكشف عن وجود نية لدى بعض القائمين على الجمعيات الخيرية بعمل اجتماعات لتنسيق العمل فيما بينها لكن هذه المحاولات وئدت ولم تكتمل، مطالبا وزارة الشؤون الاجتماعية بضرورة التنسيق للقضاء على العشوائية.
واتفقت آراء المشرفين على الجمعيات الخيرية مع العاملين فيها حيث أكدوا أن هناك عشوائية في العمل الخيري، وأن محاولة التنسيق والتنظيم هي خطوات ارتجالية من قبل الجمعيات نفسها، وليس للشؤون الاجتماعية دور في ذلك، وهو ما أشار إليه الأمين العام المساعد للندوة العالمية للشباب الإسلامي الدكتور محمد بادحدح، مطالبا بأن يكون لوزارة الشؤون الاجتماعية التي تتبع لها كل الجمعيات الخيرية دور تأهيلي وتنموي مع ضرورة وضع استراتيجية للتحرك.
قضية اجتماعية
ورأى بادحدح أن مشكلة عشوائية الجمعيات الخيرية هي قضية اجتماعية يجب أن يتصدى لها القطاعان الرسمي والشعبي، مشيرا إلى أن دور وزارة الشؤون الاجتماعية يقتصر على صرف المخصصات السنوية وفي آخر عام يتم الاستفسار عن مصارف هذه الأموال، مؤكدا على أن الدور الرقابي للوزارة غير كاف، مبينا أن الدور الإشرافي يشمل بناء قدرات الجمعيات مثل تنمية لجنة غرفة الاستثمار. وشدد بادحدح على ضرورة تحرك الشؤون الاجتماعية لتوعية المجتمع بعمل الجمعيات عبر كافة وسائل الإعلام مع تطوير عمل الجمعيات والتنسيق بينها وتقاسم المهام حتى لا تتداخل وبالتالي تضيع الجهود. وقال بادحدح «روح المبادر لدى الوزارة ضعيفة ونحن ندور في حلقة مفرغة إذا لم يتم تنسيق العمل الخيري فالمسألة متروكة للاجتهادات الفردية للجمعيات ذات الإمكانيات المتواضعة»، ورأى بادحدح أننا نفتقد المراكز البحثية التي يمكن أن تدرس واقع العمل الخيري وتطوره. وعن دور الندوة العالمية للشباب الإسلامي قال «نحن منظمة عالمية لدينا نشاط داخل وخارج المملكة ونساهم في الفكر والمال، ومستعدون لنقل تجاربنا وخبراتنا ليستفيد منها الآخرون خصوصا أن كثيرا من المؤسسات الخيرية في العالم تستفيد منا».وخلص بادحدح إلى أنه لو أحسن توزيع الأموال التي تصل للجمعيات الخيرية لكان لها دور في الحد من تنامي الفقر، مؤكدا أن ذلك لا ياتي إلا بالتخطيط السليم والتنفيذ الصحيح.
دور الإمارة
ولم يختلف رأي مدير مكتب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في مكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي الدكتور أحمد بن نافع المورعي عن رأي بادحدح في وجود بعض العشوائية وسوء تنسيق بين الجمعيات الخيرية.
لكن المورعي يشير إلى أن هناك تنظيما لعمل الجمعيات في الآونة الأخيرة من قبل إمارات المناطق، مستدلا على مايحدث في إفطار الصائمين في رمضان في الحرم المكي، وتوزيع السلال الغذائية على المحتاجين وغيرها.
وبين المورعي أنهم كجميعات خيرية داخل مكة المكرمة ينسقون العمل فيما بينهم بجهود فردية ذاتية مثلما يحدث في قضية كفالة الأيتام عندما يتبادلون المعلومات، وحمل الشؤون الاجتماعية مسؤولية التنسيق ووضع الخطط لمنع عشوائية العمل الخيري بحيث لا يستفيد شخص من عدة جمعيات بينما يحرم آخرون من ذلك.
لكن عضو مجلس إدارة جمعية البر في الرياض الدكتور علي المرشد يرى أن درجة التنسيق بين الجمعيات تختلف من مدينة لأخرى، مؤكدا على قوة التنسيق بين جمعيات الرياض، وشدد على أهمية التنسيق في الأعمال الخيرية لإبراز مفهوم العمل الخيري ودوره في المجتمع، مع توثيق العلاقة بين الجمعيات الخيرية وتحقيق الجودة الشاملة في أعمال البر والأعمال الطيبة في مختلف تخصصاتها وأهدافها المفيدة، مضيفا أن العمل الخيري الذي ينبثق من جمعية البر بالرياض وأعمال البر الأخرى في مختلف الجمعيات المنتشرة في منطقة الرياض وغيرها بسبب التنسيق فيما بينها، قد أصبح أثرها محمودا وخيرا في المساهمة في التخفيف من آلام وهموم المحتاجين والضعفاء والمساكين والأيتام، مشيرا إلى أن الجمعيات الخيرية في منطقة الرياض تدعم وبإشراف من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وسمو نائبه الأمير سطام بن عبدالعزيز، وذلك بتنفيذ أنشطة نافعة وأعمال اجتماعية خيرة في مختلف المجالات التي يحتاج إليها كثير من الناس، ذاكرا أن «ندوة تنسيق العمل الخيري» التي عقدت في الرياض حققت كثيرة من الأغراض النبيلة، إلى جانب تسليط الأضواء على الأعمال التي تعملها الجمعيات.
تنظيم العمل
وأكد المشرف على المكتب التنفيذي للمجلس التنسيقي الأعلى للجمعيات الخيرية في منطقة الرياض الدكتور عبدالله آل بشر على كلام المرشد بأن هذه الندوات تؤسس لتنظيم العمل الخيري في المملكة وتعتبر أنموذجا يحتذى، مثمنا رعاية الأمير سلمان بن عبدالعزيز لأعمال الندوة التي تمثل امتدادا لجهوده وتوجيهاته، والتي كان لها أكبر الأثر في تكوين المجلس التنسيقي الأعلى للجمعيات الخيرية في منطقة الرياض، ليكون مظلة لتنسيق جهود الجمعيات الخيرية، وتفعيلها في خدمة المجتمع في مجالات العمل الخيري والتطوعي كافة، موضحا أن الندوة هدفت إلى إبراز مفاهيم وتنسيق العمل الخيري وقيمته في المجتمع، إلى جانب توثيق العلاقة بين الجمعيات الخيرية والحفاظ على مكتسبات العمل الخيري، وكذلك تحقيق مفهوم الجودة الشاملة في مؤسسات العمل الخيري، بالإضافة إلى تشجيع الباحثين المختصين في مجال العمل الخيري لتقديم أطروحات وأفكار متطورة لتفعيل إسهامات العمل الخيري.
ويختلف مدير مؤسسة مكة الخيرية الأكاديمي الدكتور سعد الشهراني مع رأي المرشد وآل البشر في أن هناك تنسيقا وتنظيما في عمل الجمعيات الخيرية، مشيرا إلى أن هناك غيابا للتنسيق بين العاملين في المؤسسات في العمل الخيري. لكن الشهراني طالب بوجود مجلس تنسيقي بين هذه المؤسسات الخيرية بحيث يتم تبادل المعلومات وقاعدة البيانات بين هذه المؤسسات تماما مثلما يحدث في الرياض.
جهود ذاتية
وأشار الشهراني إلى أنهم في مؤسسة مكة الخيرية بادروا مع المؤسسات التي تكفل الأيتام ورفعوا أسماء الأيتام المكفولين في المؤسسة على سي دي وأعطوها لكافة الجمعيات حتى لا تكون هناك ازدواجية في العمل. وبين الشهراني أن هناك أسرا محرومة لا تصلها مساعدات بسبب عشوائية الأعمال الخيرية وعدم التنسيق، ولكن الشهراني يرى أن «التنسيق يتطلب نفسيات مرنة وصدورا منشرحة، وألا يكون وصاية من مؤسسة أو جمعية على مؤسسة أخرى ويكون هناك اقتناع لدى الجهات بالتعاون والتواصل على البر والتقوى، وإن لم توجد قناعة لدى العاملين فإن التنسيق سيظل ضعيفا والتكامل يظل بعيدا». وذهب الشهراني إلى أبعد من ذلك فهو يرى أن عدد الجمعيات الخيرية غير كاف مقارنة بعدد المؤسسات الخيرية في دول أخرى خصوصا في ظل وجود الميسورين والخيرين من أبناء هذه البلاد. ورفض الشهراني أن يحمل وزارة الشؤون الاجتماعية وحدها دور التنسيق بين الشؤون الاجتماعية، مشيرا إلى أن هناك مؤسسات أخرى لا تتبع للشؤون الاجتماعية مثل الندوة العالمية وهيئة الإغاثة وغيرها، لكن الشهراني أكد على أهمية أن يتعاون الجميع دون وصاية من أحد، لأن الوصاية والضغط يؤدي للتنافر وعدم الألفة والتعاون، داعيا لنشر ثقافة التكامل والتنوع في العمل الخيري وعدم سيطرة مؤسسة أو استحوذها على العمل الخيري لقوله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى»، وقوله تعالى «إنما المؤمنون أخوة»، مؤكدا أن الأخوة تبتغي التناصح والتعاون والتكامل وفي ذلك يمكن القضاء على العشوائية التي تفسد العمل الخيري.
ظاهرة ملموسة
وفي الوقت الذي يرى بعض القائمين على العمل الخيري أن هناك عشوائية لكنها محدودة في أداء الجمعيات يشير مدير عام المستودع الخيري في جدة فيصل بن عبدالرحمن الحميد أن العشوائية موجودة وقد تصل في بعض المناطق لحد الظاهرة، واستدرك بقوله «لكن مع تزايد الوعي بأهمية تنظيم العمل الخيري فقد بات من الممكن القضاء عليها بشيء من التنظيم وتظافر الجهود مابين الجمعيات والجهات الرسمية والمتبرعين وميسوري الحال».
لكن الحميد حمل الأفراد والمتبرعين مسؤولية العشوائية وليس الجمعيات بقوله «قد يكون المسؤول الأول عن العشوائية في كثير من الأحيان الأفراد المتبرعين والذين يعتقدون أنه لابد وأن يقوموا بإخراج زكواتهم وصدقاتهم بأنفسهم، وأن ذلك في الكثر من الأجر والإحسان، مما يؤدي لوصول الزكوات لغير مستحقيها لعدم درايتهم بالمستحقين وأماكن تواجدهم، وظروفهم المعيشية واحتياجاتهم».
وعن دورهم كمستودع خيري للحد من ظاهرة العشوائية في التوزيع والحرص على إيصال الصدقات للمستحقين، بين الحميد أنهم أقاموا خمسة مراكز للبحث متفرقة في داخل مدينة جدة، ومن خلال هذه المراكز يقوم الباحثون بزيارة الأسر المحتاجة ورصد احتياجاتهم من خلال استمارة أعدت بشكل علمي مدروس، ومن ثم يتم إدخال هذه البيانات في برنامج حاسوبي خاص بالأسر المستفيدة، مع أهمية تحديث هذه البيانات بشكل سنوي مما يحقق للمستودع التعرف على الفقراء المحتاجين والأكثر احتياجا. مما أثمر امتلاك المستودع لقاعدة بيانات لأكثر من 30.000 فرد في مدينة جدة فقط. وأوضح الحميد «أخذ المستودع الخيري على عاتقه العمل تحت شعار (بالتقنية نرصد الاحتياج.. ونحفظ كرامة المحتاج) فكان من أوائل الجمعيات الخيرية في جدة التي تنفذ كافة برامجها ومشاريعها باستخدام أحدث التقنيات، فتم تصميم العديد من البرامج الحاسوبية لكل مشاريع المستودع، بالإضافة لاستخدام تقنية GPS لتحديد مواقع المحتاجين والمستفيدين بدقة. وصرف المعونات الشهرية للأسر المستفيدة عبر بطاقات ممغنطة يتم بوجبها صرف احتياجات الأسرة شهريا من أحد المراكز التموينية الكبيرة، مما يحفظ كرامتهم ويسد حاجتهم».
علاقات تكاملية
أما فيما يتعلق بالتنسيق مع الجمعيات الأخرى فأفاد الحميد أنه أمر واقع وهام لضمان تقديم أفضل الخدمات للمستحقين، فهم يرتبطون مع الجمعيات والهيئات الأخرى بعلاقة عملية تكاملية من خلال الزيارات وتبادل الخبرات، وتحديد الخدمات الخاصة بكل جمعية منعا للتداخل، واستدل على ذلك بماحدث من تنسيق متكامل بين الجمعيات في أحداث سيول جدة الأخيرة. وخلص الحميد إلى أن هناك جملة من التوصيات للقضاء على عشوائية العمل الخيري منها أن يحرص الجميع على تجويد أداء العمل الخيري، وأن تكون كافة المشاريع والخدمات المقدمة مبنية على دراسات علمية بما يكفل تحقيق أفضل النتائج، والنهوض بمستوى أفراد المجتمع، ودعا إلى ضرورة توفير عدد من البرامج التدريبية والتأهيلية لأبناء وأفراد الأسر الفقيرة لإخراجهم من دائرة الفقر والعوز إلى رحاب الاكتفاء الذاتي والإنتاجية والإيجابية.
نظام الجمعيات
وفي الوقت الذي دعا القائمون على الجمعيات الخيرية بضرورة إيجاد نظام لتنظيم العمل الخيري وللحد من العشوائية بين عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السويلم أن المجلس سبق وكلفه بدراسة مشروع نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية وقد خرج النظام من الشورى لهيئة الخبراء في مجلس الوزراء ومازال الجميع في انتظاره، مؤكدا على أن النظام سيحد من عشوائية العمل الخيري وينظمه بشكل كبير. وبين السويلم أن مشروع «نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية» طرح في مجلس الشورى في شهر ربيع الأول 1427هـ، ونوقش هذا النظام (القانون) وارتأى المجلس تشكيل لجنة «خاصة» ومتخصصة، لمراجعته وتنقيحه، ومن ثم إعادة طرحه على المجلس. وأوضح السويلم أن المجلس في عهد رئاسة الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد أغلق مداولاته بشأن ما تبقى من مواد مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، حيث صوت المجلس حينها على المواد التي حذفتها اللجنة من مشروع النظام الوارد من الحكومة.
وأكد السويلم على أن اللجنة المعنية كانت لديها رغبة أكيدة في جمع أكبر قدر من المرئيات والملحوظات التي تطرح لتتم دراستها والاستفادة منها في صياغة النظام الذي يعد من أهم الأنظمة التي ناقشها مجلس الشورى. وأفاد أن المجلس ناقش حينها نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بشكل مفصل لكل ما تضمنه من فصول ومواد بلغت 51 مادة جاءت مقسمة على سبعة فصول تناولت الأهداف والتعريفات والتصنيفات، إضافة إلى إنشاء الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية وما يتعلق بمهامها وتنظيمها الإداري، وإنشاء الجمعيات الأهلية، كما أفرد النظام فصلا لكل ما يتعلق بمنح صفة النفع العام لإضفاء هذه الصفة على الجمعيات التي تطابق الشروط بحيث تعطي بحصولها على الصفة عددا من الامتيازات، كما ضم النظام مواد أساسية تتمثل في صورة أحكام عامة تتعلق بحل المؤسسة ودمجها والاستئناف أمام القضاء والتصرف بأموالها ومستنداتها والضوابط المحددة لذلك، كما خصص فصل يتناول الاتحادات النوعية للجمعيات والمؤسسات، ويجيز للجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النشاط المتشابه تأسيس اتحاد فيما بينها بهدف إيجاد آلية أهلية لتنظيم وتطوير العمل الأهلي ورفع كفاءته، وتخضع تلك الاتحادات لهذا النظام وأحكامه، مبينا أن النظام يمثل أساسا تنظيميا لعمل المؤسسات والجمعيات الأهلية. وشدد السويلم على أن النظام شمل مواد تحد من العشوائية وتطور العمل الخيري ومن ذلك قصر إعطاء التراخيص للجمعيات الخيرية لوزارة واحدة، وتعزيز التعاون بين الجمعيات المتشابه للتتكامل وغيرها من البنود، وتمنى السويلم أن يتم الإسراع في إقرار المشروع ليساهم في الارتقاء بالعمل الخيري في المملكة.