تناولت صحف ومواقع أوروبية وأمريكية نشاطهم، وتابع بعض مواطني تلك البلدان أخبارهم أولا بأول، وهناك من مواطني تلك الدول من لازم منزله لتلقي إشاراتهم والاستماع إليهم، وهناك من تفرغ لتسجيل منجزهم على مواقع الإنترنت.. هكذا احتفى بهم العالم بينما تجاهلنا خطوتهم سواء على مستوى الإعلام أو المؤسسات والشركات وغيرها من القطاعات التي مدوا لها أياديهم طلبا للدعم والمساندة، وكان حصادهم الخيبة والإحباط.. فمن هم وما هدفهم؟
إنهم شبابن من أبناء هذا البلد تحمسوا لهدف وطني تمثل في التنشيط السياحي ورفع مستوى التوصيف العالمي لجزر من جزر هذا البلد جزر «جبل الليث» والتي تحتل القاع وفق التصنيف العالمي، واعتبارها جزر ميتة، ومن هنا جاء هؤلاء الشباب لكي يصعدوا بتلك الجزر للمستوى الأعلى من التصنيف، والنهوض بدورهم من خلال هوايتهم المحببة «ملكة الهوايات» كما يقال عنها، وأقصد هنا (هواية اللاسلكي).
«عكـاظ» التقت هؤلاء الشبان في جزر «جبل الليث»، فماذا قالوا عن عملهم؟! دعونا نرى:
تقرير الآيوتا
وسط البحر الهائج، وفي القارب الذي قطع بنا المسافة إلى جزر جبل الليث على مدى ساعة ونصف الساعة، أوضح عبد الحفيظ إبراهيم قشقري من جدة أن «بداية الفكرة كانت عند إطلاعي على تقرير منظمة (الآيوتا IOTA) أي (جزر على الهواء) والتابعة للمنظمة البريطانية لهيئة الاتصالات اللاسلكية، والذي صنف جزر المملكة في أسفل القائمة واعتبرها جزرا ميتة لا تملك أية أنشطة، فقررت مع بعض زملائي من هواة اللاسلكي، أن ننتشل الجزر من هذا المستوى إلى مستوى أعلى في التقرير، عبر تنظيم أول اتصال لاسلكي بهواة العالم من تلك الجزر، إلى جانب التنشيط السياحي عبر استحداث المرافق السياحية فيها إن أمكن، ويضيف: توقعنا أن يجد مشروعنا هذا الدعم والمساندة، فخاطبنا عددا من القطاعات المختلفة، ومن قبله خاطبنا هيئة الاتصالات ووزارة الداخلية ممثلة في سلاح الحدود، والحقيقة أن هذين القطاعين قدما لنا الكثير من التسهيلات وبالذات الإدارة العامة لسلاح الحدود الذي سهل مهمتنا، وبالمقابل لم نجد أي دعم مادي أو معنوي من الشركات أو المؤسسات، حيث قوبل طلبنا بالتجاهل التام، وأمام مثل هذا الموقف المحبط بصورة عامة أدركنا أنه لا بد من الاعتماد على أنفسنا في تنفيذ هذا الدور، فوجدنا أن تكلفة الوصول إلى هذه الجزر والنقل والمعيشة لمدة تسعة أيام قد تصل نحو 65 ألف ريال، وهذا بخلاف قيمة الأجهزة، وهذا المبلغ تم تأمينه من المجموعة وعددهم 13 هاويا، ساهم كل عنصر قدر المستطاع فيما اقترض البعض الآخر لتوفير المبلغ، وكما ترى فإن المعدات والأجهزة جميعها شخصية».
مهمتنا وطنية
ويتداخل ظاهر سعد الأسمري من (بللسمر) في الحديث: «عددنا 13 هاويا من مناطق المملكة المختلفة من جدة، مكة المكرمة، الرياض، الباحة، بللسمر، حائل، المدينة المنورة، ثادق وخميس مشيط، فالجميع قدم من تلك المناطق، بعد أن تحصل الموظفين منهم والعاملين على إجازات من مقار أعمالهم، ومنا من لم يتحصل على الإجازة، وبالتالي تعذر عليهم الحضور والمشاركة في هذه المهمة الوطنية، منهم الهاوي عبد الله عبد الوالي السلمي من مكة المكرمة، سحيمان الشهري من حائل، الهاوي فراس الصقير من الرياض، وإبراهيم المطوع من خميس مشيط». وأضاف: «تحمس الشباب الهواة للفكرة وبادروا بالمشاركة ماديا وبأجهزتهم الخاصة من أجل تسجيل هذا المنجز للوطن عبر إجراء أول اتصال لاسلكي للهواة من هذه الجزيرة، وبعد موافقة هيئة الاتصالات ووزارة الداخلية على النداء الموحد لهذه الفعالية (7Z7AA) صممنا موقعنا على الإنترنت، وفوجئنا بالحماسة والمتابعة الرائعة من الصحافة الإيطالية تحديدا ثم البريطانية والأمريكية، بل والمتابعة من الهواة في هذه البلدان، لدرجة أن الكثير منهم سجل عبر الموقع أنه أخذ إجازة من أجل أن يرصد أول اتصال لاسلكي لنا عندما نقوم به من هذه الجزر، وفعلا تم رصد الاتصال في مختلف دول العالم وعبر خمس محطات، أي خمسة أجهزة فرغنا واحدا منها للاتصال بإشارة (مورس)، حيث أجرى الشباب الهواة خلال اليوم الأول أكثر من 3 آلاف اتصال توزعت بين دول آسيا، أفريقيا، أمريكا، ومعظم الدول الأوربية، إضافة لأستراليا ونيوزلندا، فيما تبرع بعض المهتمين في أوروبا تحديدا بمهمة المتابعة لنشاطنا وتزويدنا ومن خلال الموقع الإلكتروني، بكل ما ينشر في الصحافة هناك، إضافة إلى التفاعل الكبير عبر الموقع الإلكتروني.
موقف إيجابي
يقاطعه علي محمد الشمراني (من حائل) بالقول: «صراحة، عندما طرحنا الفكرة وتنفيذ هذه المهمة، كنا نتوقع أننا سنجد الدعم المادي والمعنوي، وخصوصا في ظل أن هذا الدور هو دور وطني يتعلق بجزء غالٍ من تراب وطننا، وهي جزر جبل الليث، لكن وللأسف الشديد، اتضح لنا في النهاية أننا يجب أن ننهض بهذه المهمة بجهد ذاتي، وبطرحنا الفكرة على الموقع الإلكتروني وجدنا التفاعل الكبير من قبل الهواة في مختلف القارات، زاد من حماسنا وأزال حالة الإحباط نتيجة التجاهل المحلي، عدا الموقف الإيجابي من هيئة الاتصالات ووزارة الداخلية في قطاع سلاح الحدود».
تواصل عالمي
وهنا قال الهاوي سليمان سعد الجديعي، والقادم من ثادق: «بادرت بالاستجابة بمجرد طرح الفكرة، فحملت أجهزتي والمشاركة في هذه الرحلة الاستكشافية التي تمثل هدفا وطنيا في الدرجة الأولى، ولهذه الأسباب قد يعمل أحدنا على جهاز الإرسال مدة 18 ساعة حتى يسجل أكبر عدد من الاتصالات بدول العالم، ونود أن نغطي مدة إقامتنا في هذه الجزر والمحددة بتسعة أيام كافة بقاع الأرض دون استثناء».
معاناتنا على الجزيرة
وتناول الهاوي عبد الرحمن غلاب الشهراني (من خميس مشيط)، صعوبة الإقامة في الجزر النائية، وقال: «كما تلاحظ إن فكرة الإقامة في هذه الجزر لتسعة أيام متواصلة يشكل في حد ذاته تحديا كبيرا، ويحمل الكثير من المشقة، ولكن في سبيل الإنجاز الوطني تهون كل هذه الصعوبات، فتوزيع المياه يتم وفق تقنين معين، ومقاومة التيار الهوائية الشديدة لها حساب خصوصا في تثبيت هوائيات الإرسال، ففي ثاني يوم من وصولنا تعرضنا لرياح قوية أطاحت ببعض الهوائيات وهشمت البعض منها، ما جعلنا غير قادرين على عملية الإرسال ولهذا السبب لم نسجل سوى 2000 اتصال تقريبا، وبقينا طيلة الليلة الثالثة نحاول إصلاح المشكلة والسعي لحلها وتطلب الأمر سفر زميل لنا لكي يحضر البديل من منزله في جدة وهذه مشقة أخرى، لأن عملية العودة للشاطئ مع وجود حركة للرياح تصبح مهمة انتحارية، كما أننا نحاول أن نجنب صاحب القارب المخاطرة، خصوصا أنه يخدمنا كثيرا وقرر البقاء معنا حتى ننجز مهمتنا».
تجاهل إعلامي
وانتقد هاني أحمد الزهراني الهاوي من الباحة تجاهل وسائل الإعلام المحلي لمهمتهم، ويضيف: «في الوقت الذي يغيب فيه وسائل الإعلام المحلية عن تغطية الحدث سواء المقروء منها والمرئي، نجد الشباب أكثر حماسا واندفاعا، وكما ذكر زميلي عبد الرحمن، فإن الحماس يصل إلى أعلى مستوياته، حتى نضطر أحيانا إلى نزع جهاز الإرسال من بعض الزملاء بالقوة، حتى يتناولوا الغداء أو الإفطار، بل إن الكثير منا يتناول قطعة خبز كإفطار وهو جالس أمام جهاز الإرسال، ولا توجد لدينا وجبة عشاء حيث نتناول الغداء والعشاء في وجبة واحدة لكسب الوقت، عدا الصلاة، والتي نؤديها جمع تأخير، حتى أن فكرة تقسيم الأدوار وتشكيل المجموعات لم نستحسنها ولهذا حتى ساعات النوم تم تقليصها لدى البعض بحدود ساعتين أو ثلاثة فقط، رغبة منا في تسجيل أكبر عدد من الاتصال والمراسلة مع دول العالم».
تكفلنا بالرحلة
وقال محمد إبراهيم الديقاني والقادم كهاوي لاسلكي من الرياض: «الاعتماد على الذات في تنفيذ الفكرة، أوقعنا في مشكلة توفير التيار الكهربائي لكل هذه الأجهزة، وخصوصا أن بعض أجهزة الإرسال تحتاج لتيار كهربائي منتظم وضخم، ما يعني أننا بحاجة لمولد كهربائي كبير جدا، وهذا لا يمكن توفيره بسبب تعقيدات النقل من شاطئ الليث للجزيرة عبر القارب لثقل وزنه، فقررنا مباشرة تغذية كل جهاز إرسال عبر مولد صغيرة خاص، ما أجبرنا الوضع على حصر عدد أجهزة الإرسال في خمس محطات، وكان أملنا تشغيل 13 محطة بحسب عد الشباب وبالتالي تسجيل أكبر عدد من الاتصال اللاسلكية، خصوصا أن الميزانية (القطة) لا تتحمل شراء 13 مولدا، فاكتفينا بأربعة وهذا ما يقلص عدد الاتصالات الخارجية».
رقم قياسي
ويتدخل علي محمد الشمري قائلا: «عوضا عن هذا العجز القسري في توفير الـ 13 مولدا، اضطررنا إلى ملازمة الجلوس أمام الأجهزة الخمسة فترة زمنية تجاوزت الثماني عشرة ساعة، فالبعض من الزملاء لا ينام سوى ساعتين في اليوم تقريبا كوننا في سباق مع الوقت، ونريد استثمار التسعة أيام ومن خلال هذا المجهود أكملنا الهدف وهو التواصل مع كافة دول العالم المسجلة في الاتحاد العالمي لهواة اللاسلكي، وتمكنا في مدة إقامتنا تلك تسجيل الرقم القياسي في عدد الاتصالات اللاسلكية من جزر (جبل الليث) وهي مهمة صعبة حسمها الشباب بحماسهم وتفاعلهم».
معوق الاتصال الهاتفي
وأرجع فهد مصلح الرويثي (من المدينة المنورة)، قلة عدد المشاركين في البرنامج، إلى تجاهل الإعلام وعدم التعريف بمهمتهم «رغم مخاطبتنا كافة الوسائل الإعلامية في وقت مبكر، فضلا إلى التزام الكثير من الهواة بالدوام الوظيفي فضلا عن الارتباطات الأخرى التي تسببت في عدم مشاركتهم في المشروع الوطني، ولكننا نتلقى منهم الكثير من مكالمات التشجيع عبر الهاتف أو عبر صفحة الويب، وهناك مشكلة أخرى تتمثل في تعذر إجراء الاتصالات الهاتفية لعدم وصول شبكة الاتصال إلى هذه الجزر، ورغم أن أحد زملائنا أحضر هاتفا يعمل بالقمر الصناعي ولكنه لا يستقبل الإشارة أحيانا».
«الآيوتا» السبب
وذكر الهاوي عبد الحفيظ قشقري أن «جميع الشباب المشاركين في المهمة يمارسون وظائف مختلفة، حيث تقدموا بطلبات إجازاتهم من عملهم، و تركوا أسرهم و بقية ارتباطاتهم، وقدموا يحملون كل ما يمكنهم حمله أو كل ما يمكن أن يتوفر لديهم من لوازم، فقط بدافع إحساسهم بأهمية هذا الدور وهو الارتقاء بالمستوى التصنيفي لهذه الجزر في تقرير (الآيوتا) والمساهمة في التنشيط السياحي، ومنذ طرح الفكرة فوجئت بالتفاعل القوي من إيطاليا، لدرجة أن أحد مصممي المواقع الإلكترونية تبرع بتصميم موقع لنا مجانا، إضافة إلى الاهتمام الإعلامي هناك، بعدها توالت الاتصالات من بعض الدول الأوروبية، لكن حالما وصلنا جزر (جبل الليث) توقفت تلك الاتصالات نتيجة لعدم وجود شبكة وتعثر إجراء الاتصالات بالهاتف الذي يعمل بواسطة القمر الصناعي، لذا تحولت كل تلك الاتصالات إلى الموقع الإلكتروني الخاص بنا، والتي لا نستطيع متابعتها إلا عندما يتوجه أحدنا لشاطئ الليث، حيث يقوم بتحميلها ثم يعود بها لاستعراضها». وأضاف: «الواقع إنني لم أضع في حساباتي عند ميلاد هذه الفكرة أننا سنواجه كل هذه المعاناة وهذه الصعاب، وكنت أتوقع تذليل هذه العقبات بالدعم والمساعدات المحلية، ولكن بعد ما صدمنا بالواقع تولد لدينا شعورا آخر خلاف الإحباط ، وهو ضرورة تنفيذ الفكرة ومواجهة الظروف بروح التحدي، وهذا ما تراه ماثلا أمامك سواء في تثبيت خيامنا أو نصب هذه (الهوائيات) الخاصة بالإرسال اللاسلكي أمام التيار الهوائي القوي، أو في بقاء الشباب أمام الأجهزة طيلة الليل أو النهار ورغبتهم في البقاء حتى تنفيذ المهمة بعيدا عن الأهل والمسؤوليات الحياتية الأخرى». وخلص إلى القول: «كنت أتمنى وبقية زملائي الهواة، أن كل تلك الحفاوة، وكل ذلك التفاعل الذي أعطانا مزيدا من الاستمرار وبث فينا روح التحدي أن يكون مصدره الداخل بدلا من أن يأتي من الهواة والمهتمين من الخارج».