احتفل العالم يوم السبت الماضي بالذكرى 63 على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948. تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثلاثين مادة ولتلافي بعض النواقص الأساسية فيه، خصوصا ما يتعلق منها بالحقوق الاقتصادية/ السياسية/ الاجتماعية، جرى استكمال ذلك عبر وثيقتي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سنة 1966. وتشكل الوثائق الثلاثة معا ما يسمى «لائحة الحقوق الدولية». يحظى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والبروتوكولات المرفقة في الوقت الحاضر من الناحية الرسمية أو النظرية بتصديق الغالبية الساحقة من البلدان (مع وجود تحفظات لدى البعض إزاء بعض البنود) في العالم بما في ذلك بعض البلدان العربية والإسلامية التي تتمتع بعضوية منظمة الأمم المتحدة، لكن البون كان شاسعا إلى درجة مريعة، ولا يزال بالنسبة للعشرات منها، وغالبيتها من الدول العربية والإسلامية، بين التصديق الرسمي (الشكلي) على تلك الاتفاقيات والعهود وبين التطبيق العملي لها على أرض الواقع. صحيح أن الدول الديمقراطية والمتقدمة تمتلك دساتير وقوانين صارمة تضمن الحريات العامة ومجتمعات مدنية قوية غير أن تطبيقها اقتصر في داخل بلدانها، ونستذكر هنا ما جرى في حقبة الاستعمار الأوروبي المباشر من مجازر ونهب للخيرات وسحق لكرامة وحرية الشعوب المستعمرة، ثم إبان الهيمنة الإمبريالية الغربية ودعمها غير المحدود للأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية، وإطاحتها بالأنظمة الوطنية المنتخبة، التي شملت الغالبية الساحقة من بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، خصوصا في ظل الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بزعامة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي (ذي النظم الشمولية) بزعامة الاتحاد السوفيتي السابق. صحيح أن أوروبا (القارة العجوز) استطاعت أن تتجاوز إلى حد كبير إرثها وماضيها الاستعماري القامع للشعوب، لكن سياسات وممارسات الغرب، خصوصا الولايات المتحدة بوجه عام، لا تزال وعلى نحو مراوغ تمثل امتدادا لتلك السياسات القديمة. نستحضر هنا الموقف الأمريكي والغربي المتعنت مؤخرا من طلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة (مثل اليونسكو) وكذلك إزاء الحقوق الشرعية والعادلة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وهو ما كان محل استنكار وتنديد من الشعوب، باعتبارها تمثل انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والشعوب. إزاء اندلاع ثورات وانتفاضات العالم العربي التي فاجأت العالم لم يكن أمام الولايات المتحدة والغرب من أجل الحفاظ على مصالحه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه سوى ركوب الموجة وإظهار التعاطف مع المطالب والشعارات الثورية التي طرحتها الشعوب العربية، ومن بينها إسقاط الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي التي كانت تحظى بدعم وحماية الغرب والولايات المتحدة بالتحديد على مدى عقود من الزمن. هذا التعاطف العلني جاء مترافقا مع مناورات وتحركات مشبوهة مع مكونات الأنظمة القديمة، التي حافظت على مكانتها ونفوذها، رغم سقوط الرئيس (الرمز) وذلك بهدف الالتفاف على الحراك الشعبي وإفراغه من مضامينه الحقيقية. وفي هذا الإطار لم يكن للغرب أي مانع من إعادة تأهيل الحركات الأصولية، التي تصادمت مع الغرب والأنظمة العربية الموالية له في السنوات الماضية (دون نسيان تحالفاتها أو توافقاتها القديمة معهم) وذلك بهدف ملء الفراغ وحماية مصالحها ونفوذها في المنطقة العربية.
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة