-A +A
حاوره: فهيم الحامد (هاتفيا ــ تونس)
أكد رئيس الوزراء التونسي حماد الجبالي على أهمية الدور البارز الذي يضطلع به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وأفاد الجبالي لـ«عكاظ» في أول حوار لصحيفة سعودية «نحن نثني على الآراء والأفكار الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين في مختلف القضايا المطروحة على الساحات». مؤكدا حرصه على العمل مع الملك عبدالله لتعزيز ثقافة الحوار والتعايش السلمي ونبذ العنف. وقال إن زيارته للمملكة ستساهم في تعزيز مجالات الشراكة التونسية السعودية، وستكون فرصة لمناقشة تطورات الأوضاع في المنطقة مع خادم الحرمين الشريفين وبحث سبل تنمية العلاقات في جميع جوانبها السياسية والاقتصادية. ونفى الجبالي أن تكون تونس تتجه نحو الأسلمة. قائلا «إن النظام في تونس سيكون جمهوريا، ولا يعني وجود أحزاب بمرجعية إسلامية أن تونس تتجه نحو الأسلمة». وفيما يلي نص الحوار:

• بداية دولة رئيس الوزراء، كيف هي رؤيتكم لمستقبل العلاقات السعودية التونسية في جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية وإيصالها لمرحلة الشراكة الاستراتيجية ؟ وكيف تنظرون إلى أهمية زيارتكم للمملكة خاصة أنها الأولى إلى دولة عربية منذ توليكم مهمات رئاسة الحكومة ؟
• في الحقيقة نحن ننظر بعين الرضى والارتياح لمستوى العلاقات بين تونس والمملكة الشقيقة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، غير أن الطموح يحدونا إلى مزيد من النهوض بهذه العلاقات ودفعها نحو الأفضل. فعلى المستوى السياسي نسجل بارتياح مستوى التشاور والتقارب في وجهات النظر بيننا وبين القيادة السعودية الحكيمة. ونكبر ونثني على الآراء والأفكار الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز في مختلف القضايا المطروحة على الساحة العربية والإقليمية والعالمية وهو ما تجسده المبادرات التي تقدمت بها المملكة لحل بعض الخلافات على غرار مبادرة السلام العربية واحتضان المملكة لاجتماعات القيادات الفلسطينية لتجاوز الانشقاق داخل الصف الفلسطيني.
أما على المستوى الاقتصادي فإننا وإذ نثمن مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين وأهمية مجالات الشراكة التونسية السعودية فإننا نراها دون المأمول ودون المستوى الحقيقي لعمق الروابط التي تجمع شعبينا فحجم المبادلات التجارية يبقى دون الإمكانيات الحقيقية المتاحة إذ تراجعت الصادرات التونسية نحو المملكة من 55 مليون دينار في 2006 إلى 20 مليون دينار في 2011 في المقابل تتطور حجم الواردات التونسية من المملكة من 162 مليون دينار إلى أكثر من 294 مليون دينار. وهدفنا تجاوز هذا الاختلال في الميزان التجاري بين البلدين باتخاذ عدة خطوات تسمح بفتح قنوات التبادل بين أصحاب الأعمال في تونس والمملكة والتعريف بالمنتج التونسي في الأسواق السعودية عبر إقامة المعارض الخاصة بالمنتجات التونسية لتكون فرصة للتلاقي واستكشاف مجالات جديدة من التبادل والتعاون وتدعيم الشراكة القائمة. هذا التطلع إلى تكثيف التعاون لا ينفي اعتزازنا بنوعية العلاقات الاقتصادية المشتركة ذلك أنها تشمل العديد من القطاعات المهمة. ففي إطار التعاون المالي من خلال الصندوق السعودي للتنمية تم عقد 32 اتفاقية بحجم مالي إجمالي يقدر بـ550 مليون دينار. كما تم في أبريل 2011 توقيع اتفاقية قرض بين تونس والبنك الإسلامي للتنمية لتمويل مشروع تهيئة شبكة الربط الكهربائي بمساهمة قدرها 282 دولار. و في المجال الصناعي من المنتظر أن يتم قريبا توقيع برنامج للتعاون الصناعي كما نسعى مع الجهات السعودية المعنية إلى استكمال الاتفاق على الصيغة النهائية لمشروع اتفاق تعاون في ميادين الطاقة والمعادن.
وتعتبر العلاقات الثنائية مجالا هاما للتعاون يتمثل في التعاون الفني حيث تستقبل المملكة 2250 متعاونا عن طريق الوكالة التونسية للتعاون الفني ويبلغ عدد التونسيين العاملين في المملكة عن طريق عقود انتداب خاصة 4100 تونسي. ونحن نطمح اليوم إلى المزيد في تدعيم هذا النوع من التعاون ونثق في مساندة المملكة لنا في سعينا إلى تجاوز مشكلة البطالة في تونس، ونأمل أن تكون السوق السعودية مجالا لتوظيف الكفاءات التونسية.
أما على مستوى التعاون في الميدان الثقافي والصحي فقد تم في السنوات الأخيرة توقيع برامج عمل ومذكرات تفاهم واتفاقيات للتعاون في هذه المجالات نذكر منها برنامج تنفيذي بين المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء في الجمهورية التونسية والمركز السعودي لزرع الأعضاء في المملكة وقع في تونس ومذكرة تفاهم في مجال الشؤون الدينية تم توقيع البرنامج التنفيذي الخاص بها بالإضافة إلى برنامج تنفيذي للتعاون السياحي.
وفي الحقيقة أن زيارتي للمملكة تجيء لتعميق العلاقات السعودية التونسية وتعزيزها، كما أن الزيارة ستكون فرصة لمناقشة تطورات الأوضاع في المنطقة مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبحث سبل تنمية العلاقات في جميع جوانبها السياسية والاقتصادية.
• ماذا عن التعاون في مجال التنسيق الأمني وتكثيف الجهود لمكافحة الإرهاب وتنسيق المواقف لمواجهته خاصة أن تونس تستضيف مقر مجلس وزراء الداخلية العرب؟
• في المجال الأمني فقد كانت تونس والمملكة سباقتين في عقد الاتفاقات الأمنية إذ تم توقيع اتفاقية في هذا المجال في 1995 ويتواصل منذ ذلك التاريخ التعاون في هذا المجال سواء ثنائيا أو من خلال مجلس وزراء الداخلية العرب والتعاون الأمني بين البلدين يسير وفق الإطار الموضوع ولمصلحة البلدين.
• كيف تنظرون إلى مواقف خادم الحرمين الشريفين إزاء دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وما هي الوسائل التي يمكن للبلدين اتخاذها لتعزيز العمل العربي المشترك ودعم قضايا الأمة العربية والإسلامية في ظل الهجمة على الإسلام ومحاولة ربطه بالإرهاب؟
• كما ذكرت في إجابتي السابقة فإنه لا يمكننا إلا أن نشيد بالقيادة المتزنة والحكيمة لخادم الحرمين الشريفين سواء تجاه القضايا الإقليمية أو الدولية. إذ أن مواقف المملكة اتسمت دائما بالحكمة والتبصر وبعد النظر والقدرة على قراءة الأحداث واستشراف الحلول العملية. والمملكة كانت دائما فضاء للتلاقي وتقريب وجهات النظر وترجيح خيار الحوار وليس أدل على ذلك من المبادرة العربية للسلام التي تقدمت بها المملكة، واستقبالها للقيادات الفلسطينية المنقسمة لتوحيد الصف الفلسطيني كما تتخذ المملكة مواقف متسمة بالتوازن ورفض العنف واحترام سيادة الدول من كل القضايا المطروحة على المستوى الدولي. هذه السياسة من دولة في حجم ومكانة المملكة دوليا ستساهم في اعتقادنا حتما في تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام التي تحاول بعض الأطراف المفضوحة تسويقها خدمة لأجندات معينة. وتونس تعمل مع القيادة السعودية لدعم العمل العربي المشترك في هذا المجال ولتأكيد الفرق الشاسع بين الإسلام والإرهاب ونشر قيم ديننا الحنيف القائمة على الحوار والتسامح والتعايش السلمي ونبذ العنف بكل أنواعه ومبرراته واحترام الآخر.
• في المجال التجاري، كيف تنظرون إلى دور رجال الأعمال في دعم مختلف أوجه التعاون بين البلدين وإلى أهمية ضرورة انعقاد اللجنة المشتركة السعودية ــ التونسية لإعطاء دفعة للعلاقات ؟
• لا جدال في الدور المفصلي الذي يلعبه رجال الأعمال في تجسيد فرص التعاون الثنائي المثمر ومن هذا المنطلق جاء تكوين مجلس الأعمال التونسي ــ السعودي وجمعية الإخوة التونسية السعودية وهي هياكل تجمع رجال الأعمال في البلدين وتمكن من تسهيل اللقاء والتشاور وتبادل الخبرات والأفكار بينهم ونسعى من خلال زيارتنا للمملكة إلى إعادة تفعيل انعقاد اللجنة التونسية السعودية المشتركة في أقرب الآجال ليتسنى من خلالها تجسيد فرص التعاون والشراكة ولتكون آلية دائمة للإحاطة بالعمل الثنائي خاصة في المجال الاقتصادي. وسنعمل في المرحلة المقبلة على زيادة فرص التلاقي بين رجال الأعمال من البلدين من خلال تنظيم معارض داخل المملكة للتعريف بالمنتج التونسي والمؤسسات التونسية واستكشاف مجالات الشراكة الممكنة.
• هناك تخوف في الغرب من أن تونس تتجه نحو الأسلمة.. ما تعليقكم ؟
• النظام في تونس سيكون دائما جمهوريا، ولا يعني وجود أحزاب بمرجعية إسلامية أن تونس تتجه نحو الأسلمة فكل الأحزاب على الساحة التونسية أحزاب مدنية وتعمل وفقا للقانون وقد حرصنا على طمأنة شركائنا في كل دول العالم والتأكيد على التزام تونس بتعهداتها وباحترام سيادة الدول والتمسك بالمكاسب التي حققتها بلادنا.
• ما أولويات حكومتكم الداخلية والخارجية ؟
• فيما يتعلق بالأولويات فإننا نسعى إلى تحقيق أهداف الثورة والاستجابة إلى مطالب شعبنا المشروعة وهي خاصة التشغيل والعدالة الاجتماعية والتنمية والحرية والكرامة. بالإضافة إلى سعينا إلى تدعيم مكانة تونس إقليميا ودوليا والتأكيد على هويتنا العربية الإسلامية والانطلاق منها إلى التواصل مع مختلف الثقافات. ومن أولوياتنا الخارجية إرساء شراكة متكاملة مع مختلف الدول تشمل المجال السياسي والاقتصادي والثقافي بما يخدم مصلحة شعوبنا.
• ما هي قراءتكم لأحداث الربيع العربي خاصة أن تونس كانت المحطة الأولى لهذا الربيع ؟
• الربيع العربي هو توق من الشعوب العربية إلى الحرية والمساواة والعدالة والسلام وهو رفض للظلم والاستبداد وتونس تعتز بريادتها لهذه المطامح المشروعة وما حققته من انتقال سلمي وسلس للسلطة إثر انتخابات 23 أكتوبر. ونرجو أن تحقق الشعوب العربية ما تصبو إليه من حلم الحرية والمساواة والعدالة، وأن لا تضطر دائما لدفع دماء أبنائها ثمنا لهذا الحلم.
• بعد التحول التاريخي الذي شهدته تونس نتساءل تونس إلى أين ؟
• لقد قطعنا أشواطا مهمة في تونس منذ نجاح الثورة في الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع فبعد النجاح في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة نوهت بها جل دول العالم تم نقل السلطة إلى الحكومة الحالية بطريقة سلسة وحضارية وهادئة كما يجتمع المجلس الوطني التأسيسي لكتابة دستور البلاد حتى يتسنى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية تعيد الشرعية النهائية لمؤسسات الدولة، وتفتح المجال أمام الإصلاح والتحديث ونسهر في الحكومة على الاستجابة للمطالب العاجلة لشعبنا، والقيام بما تسمح به المرحلة الحالية من إصلاح ومعالجة لمختلف الإشكاليات والمطالب وخاصة التشغيل ونعول في ذلك على مساندة شركائنا من الدول الصديقة والشقيقة على غرار المملكة لخلق مواطن الاستثمار في بلادنا. كما نسعى إلى إرساء دعائم نظام سياسي يقوم على التعددية والحرية والتداول السلمي على السلطة والمحافظة على خصوصية شعبنا وهويته العربية الإسلامية.
• ما هي رسالتكم للجالية التونسية التي تعيش في المملكة وتحظى بالرعاية من قبل المسؤولين السعوديين ؟
• يبلغ عدد التونسيين المقيمين في المملكة أكثر من 6000 تونسي، ونحن نعتبرهم سفراء لتونس لدى المملكة. ونرجو أن يمثلوا بلدهم خير تمثيل، وأن يسهموا في ربط الصلة بين الشعب التونسي والشعب السعودي ودعم التعاون المثمر بين البلدين. وهم كذلك خير سفراء للهوية التونسية وخير دليل على التعايش والتبادل الثقافي والاجتماعي بين البلدين.