-A +A
طالب بن محفوظ (جدة) صالح عبد الفتاح (القاهرة) نسرين ناصر الدين (بيروت)
فيما كرر البابا بينديكت السادس عشر امس الاثنين «تقديره» و«احترامه» للدين الاسلامي والاهمية التي يوليها للحوار بين الاديان والثقافات بين المسيحيين والمسلمين في كلمته التي القاها امام السفراء المسلمين المعتمدين لدى الفاتيكان، وتأكيده ان الحوار بين الديانات «اساسي.. والمستقبل مرهون به»،

فجر رئيس الوزراء الأسباني السابق، خوسي ماريا أثنار، مفاجأة مدوية حين طالب المسلمين بالاعتذار عن «احتلالهم» أسبانيا لثمانية قرون؛ ردا على مطالبة المسلمين لبابا الفاتيكان بالاعتذار عن محاضرته المسيئة للعقيدة الإٍسلامية. واعتبر أن الإسلام والغرب حاليا «في حالة حرب».

وأثارت دعوة أثنار دهشة كبيرة في الأوساط الإسلامية والإعلامية في أسبانيا، واعتبرها البعض دلالة على معاداة للإسلام تستهدف توتير العلاقات الأسبانية - الإسلامية.

وخلال محاضرة ألقاها بمؤسسة هودسون، المعروفة بطابعها المحافظ المناوئ للإسلام، في واشنطن، تساءل أثنار: «ما السبب الذي يجعل الغرب فقط هو الذي يقدم الاعتذار بينما هم (المسلمون) لا. هم احتلوا أسبانيا لمدة ثمانية قرون، وفي الوقت الذي أسمع دعوات للبابا لتقديم اعتذاره عن تصريحاته حول الإسلام، فإني لا أسمع أي مسلم يعتذر عن احتلال أسبانيا لمدة ثمانية قرون».

وأضاف أثنار، خلال محاضرته التي نقلت صحيفة «إلموندو» الأسبانية مقتطفات منها: «يجب أن أقول إنني من أنصار الملكة إيزابيلا والملك فيرديناند»، وهما الملكان اللذان قادا الحملة ضد آخر معاقل المسلمين الأندلسيين، وتزعما محاكم التفتيش التي طاردت المسلمين وصادرت أملاكهم وهجرت الملايين منهم إلى ما وراء البحار وأحرقت الآلاف منهم أحياء، حسب شهادات متطابقة لمؤرخين بينهم أسبان وأوروبيون. واعتبر أثنار أن «الغرب والإسلام حاليا في حالة حرب، فإما نحن أو هم».

من جهته حذر الأمين العام للرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي من خطورة هذه التصريحات، مشيراً إلى أنها: «تؤجج المشاعر وتثير الأحقاد وتؤدي إلى الكراهية بين الشعوب وتؤثر سلباً على التعايش الإنساني وعلى سلامة الحوار بين أتباع العقائد والحضارات المختلفة الذي تبذل فيه جهود إقليمية وعالمية لا تخفى». وقال: «إن رابطة العالم الإسلامي والمنظمات والمراكز الإسلامية الممثلة فيها تدعو لعدم إتاحة الفرصة لدعاة الصراع بين الحضارات لبث الفتنة ودفع الشعوب والثقافات والحضارات المختلفة إلى الصدام».

واكد التركي إن العالم اليوم: «لا يتحمل أزمات وصراعات أكثر مما يعيشه، وإن على عقلائه من زعماء ومؤسسات سواء أكانت دينية أو سياسية أو حضارية أو ثقافية، أن تبذل مزيداً من الجهود لتخفيف التوتر العالمي وصراع الثقافات والحضارات وأن تكف عن النيل من الإسلام ونبيه وكتابه وحضارته وأن تستفيد منه في تقوية العلاقات وإقرار الأمن والسلام ورفع الظلم والعدوان وفي محاربة الإرهاب والعنف والتطرف وفي تأصيل القيم الفاضلة».

وأوضح الدكتور التركي «بأن الاسلام بنى حضارة في الاندلس لا زالت اثارها باقية حتى الان ليس في اسبانيا فقط بل في سائر اوروبا».

واضاف: «ليس خافيا إبداع المسلمين في مختلف العلوم التي تنهض بالبشر وتصلح مجتمعاتهم وفق أسس سليمة واستفادة الحضارة الغربية من ذلك في عصر نهضتها كل ذلك واقع لا ينكر وتطبيق عملي لتعاليم الإسلام».

من جهته وصف وزير الاوقاف المصري محمود زقزوق دعوة الرئيس الاسباني بأنها: «تصعيد جديد لا لزوم له»، معتبرا ان الوجود الاسلامي في اسبانيا كان: «امتدادا لعصر النهضة الاسلامية».

واضاف زقزوق: «القضاء على الاسلام في اسبانيا جاء على ايدي محاكم التفتيش التي طردت المسلمين ولم تسمح لهم بالعيش في تلك البلاد»، مؤكدا ان : «سكان اسبانيا دخلوا الاسلام طواعية ولم يكرهوا عليه».

واعتبر زقزوق ان الدول الاسلامية ومعظم دول العالم الثالث احتلت من قبل الدول الغربية فهل تطالب هذه الدول بالاعتذار هي الاخرى؟.

واكد وزير الاوقاف المصري ان تراجع البابا: «لقي ترحيبا في الاوساط الاسلامية سواء الرسمية او الشعبية لأن المسلمين لا يتربصون الاخطاء ولا يسعون للصراع الحضاري بقدر ما يؤمنون بأهمية الحوار الحضاري». وكانت تصريحات أثنار واجهت انتقادات شديدة من الأوساط الإسلامية. وقال مولاي علي الريسوني، رئيس جمعية الدعوة الإسلامية والأمين العام للجنة دعم تحالف الحضارات: إنها «خطيرة وتدل على مستوى أفكار الذين كانوا يحكمون أسبانيا إلى وقت قريب، كما أنها دليل على المنهاج الذي كان يسير عليه عندما كان يسير دفة الحكم بأسبانيا قبل أربع سنوات من جانب الحزب الشعبي اليميني».

وشدد الريسوني، وهو أحد أحفاد القائد الغرناطي ابن الرشيد الذي استقر بمدينة شفشاون شمال المغرب بعد سقوط غرناطة عام 1492، على أن «هذه التصريحات تثير الأحقاد التي ليس من مصلحة أحد أن يبعثها من القبور. كلام أثنار يدل بوضوح على روحه الصليبية وتطرفه وتعصبه ضد الإسلام الذي كان دوما رسالة حب وسلام، وأعطى للبشرية الحضارة والمدنية».

وأكد الريسوني أن مطالبة أثنار للمسلمين بتقديم اعتذار عما أسماه احتلال الأندلس: «لا يقوم على أي أساس لأن دخول المسلمين الأندلس لم يكن غزوا أو استعمارا».

ومضى موضحا: دخول المسلمين الأندلس «كان دفعا كبيرا للحضارة الإنسانية وتواصلا بشريا رفيعا، وهو ما تدل عليه بوضوح تلك الآثار الخالدة التي تركها المسلمون في الأندلس».

ولفت إلى أن «الحضارة الأندلسية في إشبيلية وقرطبة وغرناطة وغيرها من المدن الأندلسية هي التي أوصلت العلم والحضارة إلى أوروبا والغرب بصفة عامة».

وأبدى الريسوني اندهاشه من أن تأتي محاضرة أثنار بينما تستعد نخبة من المفكرين الأسبان والعرب في جامعة قادس لتخليد ذكرى مرور 1300 سنة على الفتح الإسلامي للأندلس.

استاذ الفلسفة المحاضر في الجامعة اللبنانية الدكتور عفيف عثمان قال لـ «عكاظ» في دلالات تصريحات اثنار ان هناك نوعا من المفارقات الزمنية التي تعكس عدم القدرة على الرد الايجابي على مشكلات الحاضر وهي تكون بالعودة الى زمن الماضي، فما فعله البابا يؤكد ذلك عندما اقتبس نصا بيزنطيا واستخدمه اليوم بدلا من الالتفات الى ما يعانيه المسلمون في العالم كله، فالمواجهة الواقعية تتم بالاستعانة بنصوص قديمة وهي تخاطاها الزمن ولذلك مايقوله «اثنار» هو نوع من مفارقة لان الاوضاع السياسية في ذلك الزمن حيث كان هناك اقطاعات في اسبانيا محكومة من نبلاء متصارعين مع بعضهم البعض فدخل العرب اسبانيا التي لم تكن اذن موجودة على شكل الغزو لكنه كان مرحبا به من قبل السكان بحيث رافقهم احد اللوردات الكاثوليك وهم ابقوا الحريات التامة والقوانين والمكتسبات الروحانية ولم يقوموا سوى بابداع جديد وعبارة عن توليفة من ثلاث حضارات في مكان واحد وهي اليهودية والمسيحية والاسلامية. وما جرى بعد ذلك كان ان اعيدت اسبانيا الى حضارة واحدة ودين واحد. اما عن الاتجاه الذي يأخذه هذا الصراع بين الحضارات اضاف الدكتور عثمان: «ليس هناك حتى اللحظة الراهنة صراع حضارات وانما سوء فهم وسوء تقدير، فالبابا استغل موقعا سياسيا ولم يتصرف تصرفا لاهوتيا او من هذا الموقع. فالمأزق سياسي قائم بين الاسلام والغرب وبدلا من ان نتجه الى الامام أقله يفترض ان لا نعمل على جرح المسلمين في رموزهم الدينية ومشاعرهم والا علينا كعرب ومسلمين الوقوف ومطالبة اوروبا بالاعتذار عما جرى في فلسطين. فالعالم كله الذي سمح لاسرائيل بالاستيلاء عليها، عليه بالاعتذار. لكننا نحن لا نقول ذلك انما نقول باعطاء الفلسطيني دولة، اننا لا نعود الى الوراء ونتعامل بكل تسامح». وعن خلفية مطالبات رئيس الوزراء الاسباني السابق قال الدكتور عثمان لـ «عكاظ»:«ليس هناك خلفيات على خلفية صراع الحضارات بل هناك هروب الى الأمام بدل معالجة المشكلة الأصلية وهي في سوء تفهم الغرب لنا يرد بشرح النموذج الذي مثله الاسلام في اسبانيا والذي كان نموذج التسامح. يقول ان هناك احتلال فليقارن معنى الاحتلال ما بين الموجود الحالي وما بين ما فعله الاسلام في اسبانيا وما أضفى من حضارة ورقي». اما كيف يرد على أثنار وبأية طريقة قال الدكتور عثمان:«علينا ان لا ننفعل بالرد عليه، علينا ان نستقي من النموذج العربي في اسبانيا، وشرح الاسلام الذي لا يربي كما يقولون على العنف بل العكس ولنأخذ مجددا النموذج الاسباني الذي دعم التسامح في اسبانيا وترك الكثير من بصماته الحضارية والفكرية». اما الدكتور طلال عتريسي فقال لـ «عكاظ»:«لا يمكن ان نفصل ما بين ما يقوله اثنار اليوم وما بين مواقفه السياسية السابقة والتي كانت متطابقة مع المواقف الامريكية وبعض المواقف الاخرى. كلام أثنار يأتي بعد ان جدد بوش قبل اسابيع قليلة الحرب على «الفاشية الاسلامية» وكلامه يأتي ايضا في اطار تصريحات البابا التي تحدث فيها عن اتهام المسلمين باشياء مسيئة، اذا هناك بيئة دولية لديها من يمثلها على المستوى الروحي والسياسي والعسكري. وللأسف مثل هذه التصريحات تعود الى تغذية الارهاب بالعالم الاسلامي امثال القاعدة وغيرها. انها تعطيهم التبريرات». وعن كيفية اتجاه الصراع بين الحضارتين اضاف الدكتور عتريسي :«ليس هناك صراع بين الحضارتين، الحضارة الاسلامية الحالية ليست بحالة الصراع مع الحضارة الغربية القوية، المسلمون هم في حالة الدفاع عن النفس والحفاظ على أوضاعهم. الصراع غير موجود من حيث التكافؤ وانا اتحفظ على القول بالصراع بينهما». وعن خلفيات تصريحات أثنار قال عتريسي لـ «عكاظ»:«ان خلفية تصريحاته تعكس مواقف سياسية هدفها تأجيج الصراع فلماذا يستفيق الآن اثنار ولماذا يتحدث الآن وليس قبل 20 سنة؟ لأن المشكلة كانت مع الاتحاد السوفياتي سابقا اما اليوم فهم يبحثون لمصارعة خطر جديد يعتبرونه الاسلام». اما كيف يرد على رئيس الوزراء السابق قال:«هناك مجموعة من الردود يمكنها الرد عليه وهي تكون في ردود سياسية وثقافية وشخصية وعلى الجاليات الاسلامية ممارسة ضغط معين في اسبانيا. اما الرد بطريقة العنف والتفجير فهو رد غير صحيح بل بالعكس فهي تصب في الذي يريد الوصول اليه أثنار. لذلك علينا ان ننتقد أثنار ولا نستهدف اسبانيا شعبا ومؤسسات، ويجب ان لا ننسى انه لا يمثل الحكومة الاسبانية التي لم تتخذ مثل هكذا مواقف».