-A +A
فهيم الحامد
لم يكن اليمن بمعزل عن رياح الربيع العربي والذي تمخض عن انتهاء الثورة بمفهومها الميداني، والدخول في صيف انقسامات من نوع آخر.. تجربة اليمن في الثورات العربية اختلفت جذريا عن تجارب بعض دول الربيع حيث تمخضت عن انتقال سلمي للسلطة، وتمكنت الحكمة اليمنية من الانتصار بدعم المملكة ودول الخليج عبر المبادرة الخليجية.
ما حدث في اليمن كان مختلفا بشكل كليِ عما حدث في مصر وتونس وليبيا، إذ نجح شباب الثورة في تحقيق بعض أهدافهم، ولكن تبقى لها المهمة الأصعب، وهي بناء الدولة المدنية الموحدة القوية.

زيارتي لليمن مؤخرا أكدت أن هذا البلد يواجه بشدة تراكم أربع مشكلات رئيسية؛ هي: تنظيم القاعدة في مناطق أبين وزنجبار وشبوه ومآرب. حيث إن خطر التنظيم ليس قائما فقط، بل يزداد بشكل كبير نظرا لانشغال جميع اليمنيين في التعامل مع الثورة ومابعدها، وترك القاعدة تعيد تشكيل نفسها وتتمدد وتقوى، ولا أعتقد أنه يمكن إنهاء هذا التأثير إلا بتسليح القوات العسكرية اليمنية بأحدث أنواع السلاح المتطور، فالتسليح المتوفر في اللواء 111 مغاوير والمتمركز في محور لودر لا يكفي خاصة في ظل عدم وجود الدعم اللوجيستي والطبي والإغاثي لمواجهة عمليات الكر والفر، وحرب الشوراع التي ينتهجها التنظيم حيث كنت شاهد عيان على ذلك من خلال زيارتي للودر التي كانت يوما تحت سيطرة القاعدة، وأصبحت محررة حتى إشعار آخر، بالإضافة إلى قضية الحوثيين، والرغبة لدى الجنوب في الانفصال. وآخرا وليس أخيرا بناء مؤسسات الدولة الجديدة.
إن الثورة التي أطاحت بالنظام السابق، وأتت بهادي رئيسا توافقيا، مازالت تواجه العديد من الملفات الساخنة التي تراكمت مشاكلها طوال العقود الماضية وتحتاج حلولا جذرية من أبرزها التحدي الاقتصادي والأمني.
وأرى أن المهمة الأولى الملقاة على عاتق القوى السياسية في يمن ما بعد الثورة هي إعادة بناء الدولة بمفهومها الحديث القادرة على حل المشاكل المستعصية وإدارة شؤون اليمن باقتدار بعيدا عن سيطرة الأحزاب والقبيلة.
وما يبعث على التفاؤل بولادة يمن جديد أكثر أمنا ونموا هو التفاف الأحزاب السياسية حول المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية التي كانت بمثابة طوق نجاة لإنقاذ اليمن من مصير مجهول بعيدا عن الفرقة والانقسام. وسنتحدث خلال سلسلة الحلقات التي سننشرها قريبا عن التحولات السياسية والأمنية ليمن مابعد الثورة.