التجارة في طرف منها مفهوم للكسب والصرف بغض النظر عن الدور الذي تؤديه تجاه المجتع، والتجارة متى انفلتت من قيود القيم الأخلاقية، تتحول إلى أداة ابتزاز واستهلاك لكل الموارد الاقتصادية التي يملكها المجتمع، دون الخوف من أي رادع أخلاقي أو نظام رقابي، وهذا الانفلات الذي لا يراعي ظروف الأفراد المستفيدين من التجارة كطرف مستهلك، يؤدي إلى غلاء معيشي، كون الطرف المسيطر والمتحكم يملك كل الموارد المحققة لكل احتياجات المستهلك.
والتاجر يتحرر من الخوف حين تفشل النظم الرقابية للسوق، ويصبح قادرا على تجاوزها بالحيل واستخدام الكثير من ثغرات الأنظمة الرقابية وسوء تنظيمها وغياب قدرتها الفعلية في الواقع. بل ربما يصبح التاجر جزءا من صناعة النظام الرقابي مساوما ومبتزا لما هو أكثر من حقوقه كممارس للتجارة.
ولكن يظل التاجر يخاف من تاجر آخر قادر على كسر احتكاره وتقديم البدائل والاكتفاء بالهامش الربحي العادل والمنطقي. هذا التاجر الافتراضي والملتزم اخلاقيا بدوره تجاه المجتمع يمكن بكل بساطة خلقه من خلال النظام الرقابي الحكومي للمجال التجاري. «المؤسسة العامة للسلع الاستهلاكية»: فكرة قد تكون أكثر قدرة على كسر احتكار التجار بتوفيرها كل احتياجات المستهلكين الأقل قدرة شرائية، بتوريد البدائل ذات الجودة والأسعار المعقولة.
وزارة التجارة يمكنها التغيير من أساليبها الرقابية التقليدية التي لم ينتج عنها أي ردع للتجار، وتبادر بمثل هذه الفكرة وتضع لها فروعا ومخازن ومراكز بيع في كل المناطق. لتدخل السوق كتاجر يخافه التجار الآخرين ومنافسا لهم في السوق، يقوم بتوفير كل السلع الاستهلاكية بتكلفة أقل وبعروض تسويقية تستهدف فئات اجتماعية خاصة مثل منسوبي الضمان الاجتماعي وأصحاب الدخل المحدود والرواتب المتدنية، وبهذا سوف تحقق الوزارة كسرا للاحتكار، وتتحول من شعرة الميزان إلى إحدى كفتيه، لتقلل من ترجيح ذلك الثقل الذي تتصاعد به كفة التجار من وقت لآخر حتى وصلنا لهذا الغلاء.