-A +A
مها الشريف
لا يستطيع الفرد في أي مجتمع أن يكون بمعزل عن العالم مهما ابتعدت قلاع فكره عن الساحات والطرقات ؛ واتسعت الهوة بينه وبين الناس إلا أن التبليغ لا يكفي للتواصل ولا يعبر إلى الأفكار، ولا يتجاوز مساحة الإقناع .
إن الكلمات لا تسعف التواصل إذا لم توافق الوظائف التواصلية بين الناس ،كما أن الحقوق التي تتبعها مؤسسات الحياة تجاه الجماعة والمجتمع ،تتقدم فيها المصلحة على العاطفة ، وتبدأ فكرة التعاقد عليها ، وإرساء قواعدها ، وعرض شاشة كبيرة على جدار الواقع تشير إلى تصور ناضج ترسخ الفعالية العامة وتسلط الأضواء على مفارقات التواصل وتحد من التجاوزات .

انقسمت حياة الناس إلى مراحل مختلفة من الصراعات ،فأصبحت كأوراق الشجر تتساقط الواحدة تلو الأخرى ، والبديل غير مكتمل الأجزاء، غير صارم لا يقرر الأشياء بل يشرع في التبرير الذي يدفع إلى تدمير البنية الأساسية للعلاقات الإنسانية .
قال الفارابي : (كل واحد من الناس مفطور على أنه محتاج في قوامه ، وفي أن يبلغ كمالاته ، إلى أشياء كثيرة لا يمكنه أن يقوم بها وحده ، إلا في وجود جماعة كثيرة متعاونة) وهو ما يسمى «مجتمع».
إن ينبوع الفضائل ارتبط ــ ارتباطا مباشرا ــ بالناس وما يكتسبه المرء ممن حوله وكيف يحتفظ بأوراق تجاربه وتعاملاته الشخصية التي تثري مكاسب الممتلكات وتزين فعله وتخلق فرص للقول والعمل وتشيد مفهوما عالي القيمة وأثرا خالدا .
ولكن هو التساقط أحيانا الذي يصيب الأوراق عندما تهتز هامة الشجر وتبحث عن الأرض قبل العلو والرفعة ، وترتبط هنا الرغبة بالحاجة وتتجاوز الفردية المختلفة ما بين الإلحاح والخمول والركود ،ونشرع بالوصف والعرض والتفسير دون الحاجة إليه.