-A +A
إبراهيم سنان
كنت أعتقد أن الصراحة كفيلة بأن تشرح عن كل إنسان قناعاته، كنت أعتقد أن المجاهرة بالرأي في كل الوسائل الحديثة كافية لكشف أي إنسان أمام الجميع وإعطائهم مفاتيح فهمه والتعامل معه، كنت أعتقد أننا في زمن لم يعد فيه الإنسان بحاجة للخوف والتستر خلف أي قناع، كنت أعتقد أننا في زمن مهما حاول أحدهم إخفاء ميوله أو انتمائه فستظهر في فلتات لسانه وفي مواقفه الواضحة والمعلنة، كنت أعتقد أن الانفتاح على الناس وتقارب المجتمعات وتقاطع مواضيعها واهتماماتها كان كافيا لفهم أي شخص وتكوين صورة انطباعية واضحة عنه فكريا وعاطفيا وحتى سلوكيا.
ولكن للأسف رغم ما اعتقده ما زال هناك من يمارس هواية محببة إلى قلبه، يريد بها إظهار نفسه بالأقدر على الفهم والأقدر على كشف الحقائق، هواية «الشق عن القلوب»، لن يعبر بك يوم إلا وتجد أحدهم يمارسها تجاهك، لن يعبر يوم إلا وتجدها من شخص يمارسها تجاه الآخرين، إنها هواية يتلذذ بها ممارسوها، يجدون فيها ما يفقدونه من منطق وعقلانية، ويؤكدون بها مواقفهم الخرافية وتأويلاتهم الخرقاء، هواية ترمي بالناس إلى مفازات الشك وانعدام الثقة، كالمشرط في يد جراح لا يفهم من الطب إلا الشق أما العلاج فلا يهمه، يترك الناس ينزفون، يتألمون، يصيبهم في مقتل انتماءاتهم ومعتقداتهم، يتبلى ويتهم ويفتري عليهم، «الشق عن القلوب» تجاوز حتى ما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي استنكر على أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ قتله لرجل نطق الشهادة، ليصبح انتزاعا للقلوب، حرقا لها، إلقاءها في غياهب الفرقة والاختلاف والكره والبغض. لست أعترض على فهم نوايا الآخرين ما دامت مقروءة ومكشوفة في كل تصرفاتهم، ولكنني أعترض على كل من يحاول تجاوز الظاهر ليصنع في من أمامه باطنا يتناسب مع مواقفه يستجدي به التأييد والاحتكار للحقيقة التي يدعيها.