-A +A
عبدالرحمن الشمراني (الرياض)

شكلت اللجان الشرعية التي تضم عددا من العلماء والمفكرين والمتخصصين في علم النفس والاجتماع، التي يحتضنها مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، جسر عبور فريدا على مستوى العالم، لمعالجة الأفراد المرتهنين للأفكار الضالة، من أجل إعادتهم إلى جادة الصواب، حتى يكونوا عناصر سليمة الفكر، وتساهم في بناء الوطن والمجتمع.

وأثمرت جهود المركز خلال الأعوام الستة الماضية في تحقيق نتائج باهرة، تمثلت في إقناع عدد من المتورطين في الفكر الضال إلى التخلي عن هذا الفكر الذي تضررت منه البلاد، إذ استفاد نحو 406 من المغرر بهم بحسب المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي: «تمثل المجموعة السابعة والعشرون والمجموعة الثانية من مركزي محمد بن نايف للمناصحة والرعاية بالرياض وجدة -خلال شهر شعبان- (406) مستفيدين»، وسيشرع المركزان خلال شهر رمضان المبارك في استقبال (250) مستفيداً بالإضافة إلى من يتم استكمال الإجراءات النظامية لإلحاقهم بالمركزين تمهيداً لإطلاق سراحهم.

وبدأ المركز الذي ولد من فكر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، وحظي بمباركة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز «يرحمه الله»، مهامه في عام 2006م بهدف استيعاب المتورطين في الفكر الضال، والعمل على دمجهم مجددا في المجتمع وتخليصهم من الأفكار الضالة بالاستفادة من برامج المركز المختلفة والوصول بمن يحمل الفكر الضال إلى مستوى فكري آمن ومتوازن له ولمجتمعه، ومساعدة المستفيد منه أيضاً على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية التي قد تواجهه بعد إكمال تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقه، كما تساعد برامج المركز من غرر بهم لإدراك أخطائهم والعودة لجادة الصواب، والاندماج بالمجتمع مواطنين صالحين ومنتجين لصالحهم وأسرهم ووطنهم.

خبراء ومستشارون

ويضم مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية نخبة من المستشارين النفسيين والاجتماعيين، وعلماء في العلوم الشرعية فيما يعرف بلجنة المناصحة، والتي تشكلت قبل المركز بسنتين ثم تمت إعادة هيكلتها في شكل مركز رسمي.

ويمثل برنامج المناصحة المرحلة الإجرائية الأخيرة لإطلاق سراح الموقوفين لدى الجهات الأمنية بصفة نهائية أو بصفة مشروطة.

وتقوم لجنة المناصحة بالإشراف على برنامجين الأول جلسات إرشاد منفردة تتكون من عدة جلسات قصيرة في حدود الساعتين تبدأ غالباً بعد صلاة المغرب وتمتد إلى وقت متأخر من الليل حسب الحال وهي ليست محاضرات أو دروس وإنما حوار مفتوح تتخلله المداعبة والأريحية، ويتسم الحوار بالشفافية والصراحة المطلقة وذلك داخل السجون، وفي الغالب لا تقود هذه الجلسات إلى قيام النزلاء بنقض أفكارهم.

فيما الثاني جلسات الدراسة المطولة يقوم فيها علماء في الشريعة، ومتخصصون في علم الاجتماع بقيادة مجموعة من 20 شخصا في برنامج محاضرات لمدة ستة أسابيع، تتم خلالها تغطية عشر مواد دراسية تتضمن المواد التالية: التكفير، الولاء والبراء، البيعة، الإرهاب، القوانين الفقهية للجهاد، والاعتداد بالنفس.

ويتكون الهيكل التنظيمي للجان المناصحة من اللجنة المركزية وتتكون من ثلاث لجان فرعية هي: اللجنة الشرعية وتتكون من سبعة متخصصين شرعيين يقومون بالتفاعل المباشر مع المحتجزين من خلال الحوار والنقاش، اللجنة النفسية وتتكون من خمسة متخصصين نفسانيين واجتماعيين وتقوم هذه اللجنة اعتمادا على خبرة أعضائها في الطب النفسي وعلم الاجتماع بتقييم وضع المحتجزين وحاجاتهم الاجتماعية،واللجنة الأمنية وتتكون من عدد من رجال الأمن من ذوي العلاقة.

وهناك اللجنة التنظيمية التي تشمل اللجان الميدانية المنتشرة في جميع مناطق المملكة وهي لجان شرعية نفسية اجتماعية لكل منها منسق شرعي يرأسها ويشرف على سير أعمالها في سجون منطقته.

وكانت آلية العمل في لجان المناصحة الميدانية في البداية تركز على المناصحة الجماعية، حيث تلتقي فيها اللجنة بعدد من الموقوفين يتراوح عددهم بين 4 – 6 موقوفين، وبعد أن ثبت خطأ التجربة في المناصحة الجماعية، تحولت المناصحة إلى مناصحة فردية، بحيث يجلس الموقوف بمفرده في الجلسة الواحدة مع اللجنة، لمدة زمنية تتراوح بين الساعة ونصف الساعة إلى الساعتين، وبعدها تعد اللجنة تقريرها عن حالته بما تراه، وفي نهاية كل شهر تقوم لجان كل منطقة بإعداد تقرير شامل.

ويضم المركز عددا من البرامج الإصلاحية التي يقدمها نخبة من الأكاديميين، فيما تضمُّ أقسام المركز مرافق تعليمية وثقافية ورياضية وترفيهية وصحية وغيرها.

تأهيل اجتماعي

ويهدف البرنامج الاجتماعي إلى تأهيل المستفيد وأسرته للانخراط والتعامل مع ظروف الحياة وهي عبارة عن عدد من المحاضرات الاجتماعية لتأهيلهم كيفية التعامل مع المجتمع عند خروجهم، ويتم تأهيله أيضا بزيارة أسرته لعدة أسابيع، حيث هناك برنامج لأسر المستفيدين يقدمها فريق من مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، ويعتبر ما تقوم به وزارة الداخلية من إعطاء مكافأة مالية للمستفيدين بعد إطلاق سراحهم لها دور كبير في الانخراط في المجتمع.

واستعان القائمون على مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية بالعلاج بالفن التشكيلي، حيث يقوم أكاديميون متخصصون في الفن التشكيلي بتقديم محاضرات وأعمال فنية بمشاركة المستفيدين تعكس مدى تجاوبه مع ما يقدمه المركز لهم.

ألعاب رياضية

وتضم الاستراحات التابعة لمركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية والموزعة كافة الألعاب الرياضية من ملاعب كرة قدم ومسابح وتنس طاولة وغيرها وألعاب إلكترونية «البلاستيشن».

كما أن مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية ينظم للمستفيدين أمسية ثقافية أسبوعيا تتم فيها استضافة عدد من العلماء وأساتذة الجامعات في المجالات الشرعية والاجتماعية والنفسية وتطوير الذات وإدارة المشاريع الصغيرة والاستشارات المهنية، ويتيح المركز للمستفيدين التواصل الهاتفي مع أهاليهم وذويهم، بالإضافة إلى الزيارات العائلية التي تتخللها خلوات شرعية للمتزوجين منهم، ويساند المركز المستفيدين عند إطلاق سراحهم بمعونة مالية تبلغ عشرة آلاف ريال لكل مستفيد.

إشادة عالمية

تعد تجربة المناصحة في المملكة تجربة فريدة، استطاعت أن تحقق نجاحا عالميا، وحظيت باهتمام كبير من قبل حكومات ومنظمات حقوقية في كثير من دول العالم للاستفادة من هذه التجربة المتميزة ونقلها إلى بلدانهم، ومن ذلك تقرير صادر عن (مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي)، أعده الباحث (كريستوفر بوشيك) وأطلق على برامج المناصحة والتأهيل (استراتيجية السعودية اللينة)، و(القوة الناعمة) وذكر أسماء دول قد استفادت من تجربة المملكة بعد أن نقلتها إليها في برامج مشابهة.

كما أشاد رئيس المحكمة العليا البريطانية السير كرستوفر بيتشر ببرنامج المناصحة الذي تقدمه وزارة الداخلية في المملكة لأرباب الفكر الضال، وقال: «البرنامج جيد جداً ونتائجه إيجابية ونعتقد أننا يمكن أن نستفيد منه بشكل كبير، ولكن للأسف لا يوجد لدينا العدد الكافي من الأئمة المتخصصين في الشريعة، الذين يمكن أن يتحاوروا مع أصحاب الفكر الضال، ولكن نحن قمنا ببعض التعديلات فقمنا بوضع أئمة في السجون التي يوجد فيها سجناء لديهم أفكار ضالة وهؤلاء الأئمة يقومون بعملية مماثلة، وفي هذه الجزئية بالذات ربما نحتاج لمساعدة المملكة في هذا الخصوص».

واستنسخت الولايات المتحدة الأمريكية تجربة مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية على المعتقلين العرب في السجون التابعة لها في العراق، حيث أكد سعدي عثمان مستشار قائد القوات الأمريكية في العراق أن برنامج المناصحة الذي طبقته الداخلية السعودية على المعتقلين مفيد جداً في إعادة هؤلاء الشباب إلى مجتمعاتهم بشكل طبيعي.

كما وصفت وكالة الأنباء الفرنسية مركز الأمير محمد بن نايف للرعاية والمناصحة بأنه المركز الذي كانت المملكة أنشأته من أجل مساعدة أصحاب الفكر الضال على الانخراط مجدداً في المجتمع، وأثنت خلال تقرير بثته عبر لقاء مع أحد العائدين من معتقل غوانتانامو عبدالعزيز البداح على برنامج المناصحة الذي تقدمه السعودية».

وأشاد وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس على البرنامج بالقول: «أعتقد أن العمل الذي يقومون به في مستوى أفضل من أي برنامج آخر».