تنامت خلال الفترة الماضية ثقافة، واقتصاد المصرفية الإسلامية التي يثار حولها الكثير من الجدل، ومع اعترافه أن ذلك يجر لها المشاكل العديدة يرى عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد المطلق أهمية قيام منظومة مصرفية إسلامية مستقلة عن المنظومة المالية العالمية الربوية وذلك بعد أن ظهر تفوق المصرفية الإسلامية بشكل لافت .
قال الشيخ المطلق في حوار مع «عكاظ» لا ينبغي للمصارف الإسلامية أن تظهر للعالم حالياً أنها بصدد الاستقلال والبعد عن النظام العالمي تحسباً للمشاكل مؤكداً أن النظام الإسلامي المصرفي سوف يفرض نفسه مستدلاً بتسابق البنوك التقليدية في افتتاح فروع مصرفية إسلامية.
وأعاد الشيخ المطلق أسباب نشر الفكر المتطرف إلى عاملين الأول: البعد عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والثاني: أخذ العلم من مصادر مشبوهة غير مرضي عنها.
وحول الجدل الذي أثير مؤخراً حول صلاة النساء في صحن الطواف قال انه لا توجد محاذير شرعية إلا أنه يجب على المرأة أن تبتعد عن أماكن الزحام والاختلاط مع الرجال في الصلاة في الحرم وغيره .
وشدد فضيلته على أهمية الحوار مع غير المسلمين قائلاً هذا مطلوب ومأمور به لكي يظهر الحق جلياً لغير المسلمين خصوصاً بعد انتشار المعلومات الكاذبة عن الإسلام في هذا الزمن وأنه دين يدعو إلى التعصب والعنف وغير ذلك، مشيراً إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يهين أهل الديانات المقيمين معه ولا أن يتعدى عليهم.
وتناول الحوار جملة من الموضوعات والقضايا الإسلامية الاخرى فإلى تفاصيله:
كيف ترون واقع المصرفية الإسلامية اليوم .. ومستقبلها؟
- إن واقع المصرفية الإسلامية اليوم يسر كل مؤمن حيث ثبت بحمد الله تعالى تفوق النظام المصرفي الإسلامي وصلاحيته للبشرية وقد سادت العالم الإسلامي صحوة عارمة بالرجوع إلى المنهج الشرعي في أعمال المصارف بل تجاوز الأمر ذلك فافتتحت كثير من الدول غير الإسلامية مصارف إسلامية ونوافذ إسلامية في كثير من البنوك ونشأت في العالم اليوم شركات استثمارية إسلامية تجلى في قوائمها السنوية الربح الحلال بل لقد ظهر مؤشر إسلامي يعتمد المنهج الشرعي في تداول الأسهم وذلك في المؤشر العالمي داوجونز .
وخلال الأعوام الخمسة الماضية افتتحت بنوك إسلامية في الشرق الأوسط وفي الشرق الأقصى وكان لدول الخليج العربية نصيب الأسد منها وما من شك في أن رغبة الشعوب الإسلامية وإلحاحها وما من الله به عليها من الثراء من أسباب ازدهار المصرفية الإسلامية وذلك من ثمرات انتشار الوعي الإسلامي وقناعة المسلمين بثقافتهم الإسلامية.
في ظل ندرة الفرص الوظيفية المتاحة ومع قدوم البنوك الأجنبية للعمل في المملكة .. تتعالى أحياناً بعض الأصوات التي تحرم العمل في المصارف .. كيف ترون حل هذه الإشكالية ، وجود بطالة ،ووجود فرص عمل لدى البنوك؟
- العمل في البنوك يختلف حكمه الشرعي باختلاف طبيعة العمل ويمكن أن نجعلها ثلاثة أقسام عند دراسة هذا الأمر:
الأول : العمل في البنوك الإسلامية أو الفروع الإسلامية للبنوك الربوية وهذا جائز لأن الموظف انما يمارس عملا متوافقاً مع أحكام الشريعة الإسلامية .
الثاني : العمل في البنوك الربوية في مجالات الربا وهذا محرم قال الله تعالى : (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقد توعد الله تعالى بإعلان الحرب على من لم يترك التعامل بالربا فقال تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم (آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) ولاشك أن هذا وعيد عظيم وخطر جسيم والله المستعان.
الثالث: أن يكون العمل في بنك ربوي ولكن لايمارس الربا ولا يشهد فيه مثل العمل في شؤون الموظفين وفي حراسات البنك ونحو ذلك فهذا لابأس به ولا يشمله التهديد المذكور في الحديث النبوي السابق.
بدأت البنوك الأجنبية انتهاج عمل ومنهجية السندات الإسلامية في البنوك .. ماذا يعني ذلك؟
- لا أعرف في المعاملات الإسلامية شيئاً اسمه السندات ولكن توجد الآن صكوك إسلامية تغني في مجال التمويل عن السندات وقد ظهرت في هذه الأيام صكوك إسلامية باعتها شركة سابك ويديرها البنك السعودي البريطاني وتتميز بسلامتها من الربا الذي يوجد في السندات فإنها إنما تكون في بيع أعيان أو منافع بخلاف السندات فإنها بيع سند يتضمن مالا نقديا مؤجلا بثمن حال وهذا ربا نسيئة واضح .
هناك فتاوى تفيد بأن الفوائد المصرفية بمعدلات ثابتة غير محرمة ما رأي فضيلتكم بهذه الفتوى ؟
- فتاوى الفوائد المصرفية بمعدلات ثابتة التي أثيرت قبل مدة ،هذه فتوى خرقت إجماع علماء العصر وخالفت فتاوى مؤسسات الاجتهاد الجماعي في هذا العصر أمثال المجامع الفقهية في مكة وجده وهيئة كبار العلماء ونحوها مما اشتهر بين أعضائها إنكار هذه الفتوى وكتب في ذلك ردود مشهورة والحقيقة أن القول بمثل هذه الفتوى يلغي الربا فإنه إذا لم تكن الفوائد المصرفية على حسابات التوفير والودائع من الربا فماذا يكون الربا.
نظام التمليك
انتشر نظام التأجير المنتهي بالتملك في القطاعات المختلفة ، ما مدى شرعيته ، وجدواه على المستفيد ؟
- اختلف أهل العلم المعاصرون في حكم التأجير المنتهي بالوعد بالتملك وصدرت قرارات من مجاميع علمية فيه منها من أجازه ومنها من منعه وكل ذلك بالأغلبية، والذي يظهر لي أنه لا شيء فيه خصوصاً إذا كانت في الشركة هيئة شرعية تقوم بإجازة تلك المعاملات ودراسة عقودها دراسة شرعية.
وهل يمكن أن يكون حكمًا مطلقًا على كافة الشركات التي تمارس مثل هذا النظام (نظام التأجير المنتهي بالتملك) لجهة تحليله أو تحريمه؟
- إذا كانت تلك الشركات لها هيئات شرعية موثوقة وقامت بإصدار قرارات بإجازة هذا النظام بعد الاجتهاد فالذي يظهر أنه لا بأس به، وهو من مسائل الفروع المختلف فيها وفيه منفعة للتاجر في حفظ ماله ورفق بالعميل حيث يستفيد من الأجرة .
لاحظنا خلال الفترة الماضية.. أنه مع ظهور شركات للاكتتاب تبدأ اجتهادات التحليل والتحريم .. كيف يمكن ضبط هذه العملية ؟
- في بعض الأحيان تختلف نظرة العلماء إلى قضية أو أخرى لا يوجد فيه دليل قاطع بل هي محل اجتهاد ونظر ، ومن ذلك مسائل كثيرة في المعاملات المالية المعاصرة حيث ظهرت مثلاً عدة أقوال في تحديد الشركات الجائزة وغير الجائزة وذلك بعد النظر في قوائمها، وهل لها أو عليها قروض ربوية أو لها تعاملات محرمة؟ وماهي نسبة ذلك وخلاف العلماء فيها قديم والعامي إذا أخذ بقول أحد العلماء الموثوقين دون قصد لاتباع الرخص لا شيء عليه بل هو مأجور على ذلك فإن الله تعالى فرض على العوام سؤال العلماء الموثوقين والعمل بفتاواهم كما قال تعالى : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .
تقوم بعض الشركات والمؤسسات بالتأخير وبعضها بالتضليل لغرض عدم تقديم الزكاة لبيت المال .. ما أسباب ذلك؟ وكيف يمكن ضبط الزكاة .. سيما مع الأفكار المطروحة حيال تسليم عملية جبي الزكاة للقطاع الخاص لتفعيلها ؟
- إن فريضة أداء الزكاة معلومة من الدين بالضرورة وهي أحد أركان الإسلام ، وهي خير وبركة ونماء وصيانة لمال المسلم، ولا شك أن التفريط بها أو نقصانها من ضعف الإيمان، وعلى المسلم أن يتعاون مع الجهات التي عينها ولي الأمر حيث ان ذلك من المصالح العامة للمجتمع وقد جعل الله أمر إخراج زكاة المسلم إليه في الأموال الباطنة ينفقها في قرابته الفقراء وفي جيرانه ومعارفه أما الأموال الظاهرة فإن الدولة المسلمة ترسل الموظفين لجبايتها.
اسلامية وربوية
بعض الاقتصاديين يرى أن البنوك الإسلامية أيضاً تتعامل بالأرباح الثابتة وأن الخلاف بين معاملاتها ومعاملات البنوك الربوية شكلي محض كيف تنظر إلى هذه المسألة ؟
- هذا غير صحيح، والذي نعلمه أنه لا يوجد مصرف إسلامي تودع لديه أموال ثم يضمن لك أرباحاً معينة وإنما الاستثمار في المعاملات الإسلامية على المشاركات أو الوكالة أو البيوع الآجلة ولا يوجد في دوائر المصرفية الإسلامية إقراض بفائدة ولا استثمار بأرباح مضمونة .
أما الودائع فالذي نعلمه أن البنوك الإسلامية تعرض على المودع .. هل يريد أن يجعل له حساباً جارياً أو يدخل في صناديق استثمارية غير مضمونة الربح أو غير ذلك مما هو معلوم إباحته ولكن أن تضمن له مقداراً ثابتاً معلوماً فهذا لا يعلم عن مصرف إسلامي معتبر .
نحن نعيش الآن عولمة في الاقتصاد، كيف يمكن أن تكون هناك منظومة مصرفية إسلامية مستقلة عن المنظومة المالية العالمية الربوية ؟
- لقد ظهر تفوق المصرفية الإسلامية بشكل منقطع النظير، مما يمهد الطريق لكي تكون هناك منظومة إسلامية مستقلة ولعل من المناسب هنا أن يكون هناك تفاهم أو ميثاق بين المصارف الإسلامية، وأن تدرس نقاط الخلاف إن وجدت ويسعى في وضع الحلول لها .
ولا ينبغي للمصارف الإسلامية في الوقت الحالي أن تظهر للعالم أنها بصدد الاستقلال والبعد عن النظام العالمي، إذ ان ذلك قد يوجد لها مشاكل عديدة، والنظام الإسلامي المصرفي سوف يفرض نفسه، ولا أدل على ذلك من تسابق البنوك التقليدية في افتتاح فروع مصرفية إسلامية.
مع حلول شهر رمضان المبارك.. وارتفاع وتيرة العمل الخيري كيف يمكن ضبط الصدقات.. وتوجيهها الوجهة الصحيحة ؟
- على المسلم أن يحرص على إيصال الصدقات إلى أهلها المستحقين لها ممن يعرفهم أو يعطيها من يثق أنه سوف يوصلها إليهم ، ومن نعمة الله تعالى أنه توجد جمعيات خيرية رخص لها ولي الأمر تقوم بجمع الصدقات من الأغنياء وتوصلها إلى أهلها .
وليحذر المسلم من دفع ماله إلى أناس قد يستغلون تلك الأموال في أعمال سيئة ومقاصد بعيدة عن تعاليم الإسلام ويكون بذلك سبباً للفساد في البلاد والعباد .
كيف ترى أسباب نشر الفكر المتطرف؟ وهل لازال بيننا متطرفون؟
- أسباب نشر الفكر المتطرف كثيرة من أهمها:
1- البعد عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والإعراض عن تعلم العلم الشرعي على أيدي العلماء الموثوقين وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المخرج من الفتن يكون بالتمسك بكتاب الله تعالى .
2- أخذ العلم من مصادر مشبوهة غير مرضي عنها وغير مقبولة من علماء هذا البلد حيث يقتنع بعض الشباب بهذه المصادر ويروج لها في الخفاء ويخدع بها من لا علم عنده .
صلاة المرأة
هل هناك تحريم أو محاذير تمنع صلاة النساء في صحن الطواف سيما مع رغبتهن في الصلاة فيه ؟
- لا توجد محاذير شرعية تمنع المرأة من الصلاة في صحن الطواف إلا أنه يجب على المرأة أن تبتعد عن أماكن الزحام والاختلاط مع الرجال في الصلاة في الحرم وغيره ولا ريب أنه كلما كانت صلاة المرأة بعيداً عن الرجال فهو أفضل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها آولها ، ولا صحة لما نشر في الصحف من صدور توجيه بذلك حيث ذكر لي معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بأنه لاصحة لذلك ، وأن ذلك من تناقل المعلومات المغلوطة التي ابتلينا بها في هذا العصر ، ولو درس هذا الموضوع في الجهة المختصة ورأوا صلاحيته وملاءمته فليس هناك في الشريعة ما يمنع ما فيه المصلحة العامة للطائفين والعاكفين والركع السجود .
انتشر مؤخراً مفردات ثقافة الحوار .. هل يمنع الإسلام الحوار مع الأديان الأخرى ، وبالتالي إقامة علاقات تعاون مع العالم الإسلامي؟
- الحوار مع غير المسلمين مطلوب ومأمور به لكي يظهر الحق جلياً لهم خصوصاً انه في هذا الزمن انتشرت المعلومات الكاذبة عن الإسلام ، وأنه دين يدعو إلى التعصب والعنف وغير ذلك ، ولا مانع من التعامل معهم فيما فيه مصلحة للمسلمين من البيع والشراء ونحو ذلك مع المحافظة على تعاليم الإسلام ، والحوار الهادف وسيلة من وسائل التعامل المتميز مع الآخرين وقد امتلأ القرآن الكريم بالحوارات البناءة مع أهل الكتاب وغيرهم وانظر على سبيل المثال سورة آل عمران والبقرة وما فيها من حوار مع أهل الكتاب ، وقد أمر الله تعالى أن يكون الحوار بالتي هي أحسن إلا مع الظالمين المتعنتين قال تعالى (ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم).
كيف يمكن التغلب على تعدد الفتاوى وتضاربها أحيانا؟
- تعدد الآراء بين أهل العلم واقع حتى بين الصحابة رضي الله عنهم وبين علماء الإسلام قديماً وحديثاً، إلا أن الواجب هو اتباع الدليل من الكتاب والسنة ومصادر التشريع المعروفة بين العلماء، ومتى ما اجتهد العالم وهو مؤهل للاجتهاد فلا لوم عليه وكذلك من اتبعه على اجتهاده من غير تتبع للرخص.
أما المسائل العامة التي لها مساس بمصالح الأمة فقد جعل ولي الأمر للإفتاء فيها جهة خاصة ومنع من إصدار الفتاوى الفردية فيها، ولهذا فإنه لا يجوز لطالب العلم أن يخالف تلك الجهة المخولة من ولي الأمر، أو أن يتقدم عليها، فإن ذلك قد يكون داخلاً في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله).
لماذا لا تستفيد مؤسسات الإفتاء من التقنية، والتفاعل من خلال الإنترنت؟
- تقوم دور الإفتاء بجهود مباركة في نشر العلم الشرعي وإجابة الناس في أمور دينهم ، والذي تعرفه أن أكثر دور الإفتاء لها مواقع على الشبكة العالمية وإن كان العمل لم يصل حتى الآن إلى الهدف المنشود ويحتاج هذا الأمر إلى تعاون بناء بين العلماء والمختصين بتلك الشبكات وكذلك رجال الأعمال بدعم ذلك ، وللرئاسة العامة للإفتاء موقع معروف على الشبكة تضمن فتاوى اللجنة الدائمة وغيرها من إصدارات الرئاسة.
احترام شعيرة المسلم في رمضان من قبل غير المسلم، هل يتطلب احترام شعائر الأديان الأخرى ؟
- من قدم للعمل في بلادنا فإنه مطالب باحترام شعائر الإسلام وقد وافق على ذلك عند التوقيع على إجراءات الدخول ومن المعلوم ضرورة أن كل دين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قد نسخ قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ولا يجوز للمسلم أن يهين أهل الديانات الأخرى المقيمين معه، ولا يتعدى عليهم ولا يسب آلهة المشركين حتى لا يسبوا الله عدواً بغير علم .
قال تعالى (ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) والنبي صلى الله عليه وسلم قد عاد يهودياً في مرضه وعرض عليه الإسلام فدخل في الإسلام وكان حسن المعاملة معهم وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث (وخالق الناس بخلق حسن) وهم من الناس والله تعالى يقول في كتابه (وقولوا للناس حسنا) .
قال الشيخ المطلق في حوار مع «عكاظ» لا ينبغي للمصارف الإسلامية أن تظهر للعالم حالياً أنها بصدد الاستقلال والبعد عن النظام العالمي تحسباً للمشاكل مؤكداً أن النظام الإسلامي المصرفي سوف يفرض نفسه مستدلاً بتسابق البنوك التقليدية في افتتاح فروع مصرفية إسلامية.
وأعاد الشيخ المطلق أسباب نشر الفكر المتطرف إلى عاملين الأول: البعد عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والثاني: أخذ العلم من مصادر مشبوهة غير مرضي عنها.
وحول الجدل الذي أثير مؤخراً حول صلاة النساء في صحن الطواف قال انه لا توجد محاذير شرعية إلا أنه يجب على المرأة أن تبتعد عن أماكن الزحام والاختلاط مع الرجال في الصلاة في الحرم وغيره .
وشدد فضيلته على أهمية الحوار مع غير المسلمين قائلاً هذا مطلوب ومأمور به لكي يظهر الحق جلياً لغير المسلمين خصوصاً بعد انتشار المعلومات الكاذبة عن الإسلام في هذا الزمن وأنه دين يدعو إلى التعصب والعنف وغير ذلك، مشيراً إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يهين أهل الديانات المقيمين معه ولا أن يتعدى عليهم.
وتناول الحوار جملة من الموضوعات والقضايا الإسلامية الاخرى فإلى تفاصيله:
كيف ترون واقع المصرفية الإسلامية اليوم .. ومستقبلها؟
- إن واقع المصرفية الإسلامية اليوم يسر كل مؤمن حيث ثبت بحمد الله تعالى تفوق النظام المصرفي الإسلامي وصلاحيته للبشرية وقد سادت العالم الإسلامي صحوة عارمة بالرجوع إلى المنهج الشرعي في أعمال المصارف بل تجاوز الأمر ذلك فافتتحت كثير من الدول غير الإسلامية مصارف إسلامية ونوافذ إسلامية في كثير من البنوك ونشأت في العالم اليوم شركات استثمارية إسلامية تجلى في قوائمها السنوية الربح الحلال بل لقد ظهر مؤشر إسلامي يعتمد المنهج الشرعي في تداول الأسهم وذلك في المؤشر العالمي داوجونز .
وخلال الأعوام الخمسة الماضية افتتحت بنوك إسلامية في الشرق الأوسط وفي الشرق الأقصى وكان لدول الخليج العربية نصيب الأسد منها وما من شك في أن رغبة الشعوب الإسلامية وإلحاحها وما من الله به عليها من الثراء من أسباب ازدهار المصرفية الإسلامية وذلك من ثمرات انتشار الوعي الإسلامي وقناعة المسلمين بثقافتهم الإسلامية.
في ظل ندرة الفرص الوظيفية المتاحة ومع قدوم البنوك الأجنبية للعمل في المملكة .. تتعالى أحياناً بعض الأصوات التي تحرم العمل في المصارف .. كيف ترون حل هذه الإشكالية ، وجود بطالة ،ووجود فرص عمل لدى البنوك؟
- العمل في البنوك يختلف حكمه الشرعي باختلاف طبيعة العمل ويمكن أن نجعلها ثلاثة أقسام عند دراسة هذا الأمر:
الأول : العمل في البنوك الإسلامية أو الفروع الإسلامية للبنوك الربوية وهذا جائز لأن الموظف انما يمارس عملا متوافقاً مع أحكام الشريعة الإسلامية .
الثاني : العمل في البنوك الربوية في مجالات الربا وهذا محرم قال الله تعالى : (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقد توعد الله تعالى بإعلان الحرب على من لم يترك التعامل بالربا فقال تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم (آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) ولاشك أن هذا وعيد عظيم وخطر جسيم والله المستعان.
الثالث: أن يكون العمل في بنك ربوي ولكن لايمارس الربا ولا يشهد فيه مثل العمل في شؤون الموظفين وفي حراسات البنك ونحو ذلك فهذا لابأس به ولا يشمله التهديد المذكور في الحديث النبوي السابق.
بدأت البنوك الأجنبية انتهاج عمل ومنهجية السندات الإسلامية في البنوك .. ماذا يعني ذلك؟
- لا أعرف في المعاملات الإسلامية شيئاً اسمه السندات ولكن توجد الآن صكوك إسلامية تغني في مجال التمويل عن السندات وقد ظهرت في هذه الأيام صكوك إسلامية باعتها شركة سابك ويديرها البنك السعودي البريطاني وتتميز بسلامتها من الربا الذي يوجد في السندات فإنها إنما تكون في بيع أعيان أو منافع بخلاف السندات فإنها بيع سند يتضمن مالا نقديا مؤجلا بثمن حال وهذا ربا نسيئة واضح .
هناك فتاوى تفيد بأن الفوائد المصرفية بمعدلات ثابتة غير محرمة ما رأي فضيلتكم بهذه الفتوى ؟
- فتاوى الفوائد المصرفية بمعدلات ثابتة التي أثيرت قبل مدة ،هذه فتوى خرقت إجماع علماء العصر وخالفت فتاوى مؤسسات الاجتهاد الجماعي في هذا العصر أمثال المجامع الفقهية في مكة وجده وهيئة كبار العلماء ونحوها مما اشتهر بين أعضائها إنكار هذه الفتوى وكتب في ذلك ردود مشهورة والحقيقة أن القول بمثل هذه الفتوى يلغي الربا فإنه إذا لم تكن الفوائد المصرفية على حسابات التوفير والودائع من الربا فماذا يكون الربا.
نظام التمليك
انتشر نظام التأجير المنتهي بالتملك في القطاعات المختلفة ، ما مدى شرعيته ، وجدواه على المستفيد ؟
- اختلف أهل العلم المعاصرون في حكم التأجير المنتهي بالوعد بالتملك وصدرت قرارات من مجاميع علمية فيه منها من أجازه ومنها من منعه وكل ذلك بالأغلبية، والذي يظهر لي أنه لا شيء فيه خصوصاً إذا كانت في الشركة هيئة شرعية تقوم بإجازة تلك المعاملات ودراسة عقودها دراسة شرعية.
وهل يمكن أن يكون حكمًا مطلقًا على كافة الشركات التي تمارس مثل هذا النظام (نظام التأجير المنتهي بالتملك) لجهة تحليله أو تحريمه؟
- إذا كانت تلك الشركات لها هيئات شرعية موثوقة وقامت بإصدار قرارات بإجازة هذا النظام بعد الاجتهاد فالذي يظهر أنه لا بأس به، وهو من مسائل الفروع المختلف فيها وفيه منفعة للتاجر في حفظ ماله ورفق بالعميل حيث يستفيد من الأجرة .
لاحظنا خلال الفترة الماضية.. أنه مع ظهور شركات للاكتتاب تبدأ اجتهادات التحليل والتحريم .. كيف يمكن ضبط هذه العملية ؟
- في بعض الأحيان تختلف نظرة العلماء إلى قضية أو أخرى لا يوجد فيه دليل قاطع بل هي محل اجتهاد ونظر ، ومن ذلك مسائل كثيرة في المعاملات المالية المعاصرة حيث ظهرت مثلاً عدة أقوال في تحديد الشركات الجائزة وغير الجائزة وذلك بعد النظر في قوائمها، وهل لها أو عليها قروض ربوية أو لها تعاملات محرمة؟ وماهي نسبة ذلك وخلاف العلماء فيها قديم والعامي إذا أخذ بقول أحد العلماء الموثوقين دون قصد لاتباع الرخص لا شيء عليه بل هو مأجور على ذلك فإن الله تعالى فرض على العوام سؤال العلماء الموثوقين والعمل بفتاواهم كما قال تعالى : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .
تقوم بعض الشركات والمؤسسات بالتأخير وبعضها بالتضليل لغرض عدم تقديم الزكاة لبيت المال .. ما أسباب ذلك؟ وكيف يمكن ضبط الزكاة .. سيما مع الأفكار المطروحة حيال تسليم عملية جبي الزكاة للقطاع الخاص لتفعيلها ؟
- إن فريضة أداء الزكاة معلومة من الدين بالضرورة وهي أحد أركان الإسلام ، وهي خير وبركة ونماء وصيانة لمال المسلم، ولا شك أن التفريط بها أو نقصانها من ضعف الإيمان، وعلى المسلم أن يتعاون مع الجهات التي عينها ولي الأمر حيث ان ذلك من المصالح العامة للمجتمع وقد جعل الله أمر إخراج زكاة المسلم إليه في الأموال الباطنة ينفقها في قرابته الفقراء وفي جيرانه ومعارفه أما الأموال الظاهرة فإن الدولة المسلمة ترسل الموظفين لجبايتها.
اسلامية وربوية
بعض الاقتصاديين يرى أن البنوك الإسلامية أيضاً تتعامل بالأرباح الثابتة وأن الخلاف بين معاملاتها ومعاملات البنوك الربوية شكلي محض كيف تنظر إلى هذه المسألة ؟
- هذا غير صحيح، والذي نعلمه أنه لا يوجد مصرف إسلامي تودع لديه أموال ثم يضمن لك أرباحاً معينة وإنما الاستثمار في المعاملات الإسلامية على المشاركات أو الوكالة أو البيوع الآجلة ولا يوجد في دوائر المصرفية الإسلامية إقراض بفائدة ولا استثمار بأرباح مضمونة .
أما الودائع فالذي نعلمه أن البنوك الإسلامية تعرض على المودع .. هل يريد أن يجعل له حساباً جارياً أو يدخل في صناديق استثمارية غير مضمونة الربح أو غير ذلك مما هو معلوم إباحته ولكن أن تضمن له مقداراً ثابتاً معلوماً فهذا لا يعلم عن مصرف إسلامي معتبر .
نحن نعيش الآن عولمة في الاقتصاد، كيف يمكن أن تكون هناك منظومة مصرفية إسلامية مستقلة عن المنظومة المالية العالمية الربوية ؟
- لقد ظهر تفوق المصرفية الإسلامية بشكل منقطع النظير، مما يمهد الطريق لكي تكون هناك منظومة إسلامية مستقلة ولعل من المناسب هنا أن يكون هناك تفاهم أو ميثاق بين المصارف الإسلامية، وأن تدرس نقاط الخلاف إن وجدت ويسعى في وضع الحلول لها .
ولا ينبغي للمصارف الإسلامية في الوقت الحالي أن تظهر للعالم أنها بصدد الاستقلال والبعد عن النظام العالمي، إذ ان ذلك قد يوجد لها مشاكل عديدة، والنظام الإسلامي المصرفي سوف يفرض نفسه، ولا أدل على ذلك من تسابق البنوك التقليدية في افتتاح فروع مصرفية إسلامية.
مع حلول شهر رمضان المبارك.. وارتفاع وتيرة العمل الخيري كيف يمكن ضبط الصدقات.. وتوجيهها الوجهة الصحيحة ؟
- على المسلم أن يحرص على إيصال الصدقات إلى أهلها المستحقين لها ممن يعرفهم أو يعطيها من يثق أنه سوف يوصلها إليهم ، ومن نعمة الله تعالى أنه توجد جمعيات خيرية رخص لها ولي الأمر تقوم بجمع الصدقات من الأغنياء وتوصلها إلى أهلها .
وليحذر المسلم من دفع ماله إلى أناس قد يستغلون تلك الأموال في أعمال سيئة ومقاصد بعيدة عن تعاليم الإسلام ويكون بذلك سبباً للفساد في البلاد والعباد .
كيف ترى أسباب نشر الفكر المتطرف؟ وهل لازال بيننا متطرفون؟
- أسباب نشر الفكر المتطرف كثيرة من أهمها:
1- البعد عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والإعراض عن تعلم العلم الشرعي على أيدي العلماء الموثوقين وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المخرج من الفتن يكون بالتمسك بكتاب الله تعالى .
2- أخذ العلم من مصادر مشبوهة غير مرضي عنها وغير مقبولة من علماء هذا البلد حيث يقتنع بعض الشباب بهذه المصادر ويروج لها في الخفاء ويخدع بها من لا علم عنده .
صلاة المرأة
هل هناك تحريم أو محاذير تمنع صلاة النساء في صحن الطواف سيما مع رغبتهن في الصلاة فيه ؟
- لا توجد محاذير شرعية تمنع المرأة من الصلاة في صحن الطواف إلا أنه يجب على المرأة أن تبتعد عن أماكن الزحام والاختلاط مع الرجال في الصلاة في الحرم وغيره ولا ريب أنه كلما كانت صلاة المرأة بعيداً عن الرجال فهو أفضل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها آولها ، ولا صحة لما نشر في الصحف من صدور توجيه بذلك حيث ذكر لي معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بأنه لاصحة لذلك ، وأن ذلك من تناقل المعلومات المغلوطة التي ابتلينا بها في هذا العصر ، ولو درس هذا الموضوع في الجهة المختصة ورأوا صلاحيته وملاءمته فليس هناك في الشريعة ما يمنع ما فيه المصلحة العامة للطائفين والعاكفين والركع السجود .
انتشر مؤخراً مفردات ثقافة الحوار .. هل يمنع الإسلام الحوار مع الأديان الأخرى ، وبالتالي إقامة علاقات تعاون مع العالم الإسلامي؟
- الحوار مع غير المسلمين مطلوب ومأمور به لكي يظهر الحق جلياً لهم خصوصاً انه في هذا الزمن انتشرت المعلومات الكاذبة عن الإسلام ، وأنه دين يدعو إلى التعصب والعنف وغير ذلك ، ولا مانع من التعامل معهم فيما فيه مصلحة للمسلمين من البيع والشراء ونحو ذلك مع المحافظة على تعاليم الإسلام ، والحوار الهادف وسيلة من وسائل التعامل المتميز مع الآخرين وقد امتلأ القرآن الكريم بالحوارات البناءة مع أهل الكتاب وغيرهم وانظر على سبيل المثال سورة آل عمران والبقرة وما فيها من حوار مع أهل الكتاب ، وقد أمر الله تعالى أن يكون الحوار بالتي هي أحسن إلا مع الظالمين المتعنتين قال تعالى (ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم).
كيف يمكن التغلب على تعدد الفتاوى وتضاربها أحيانا؟
- تعدد الآراء بين أهل العلم واقع حتى بين الصحابة رضي الله عنهم وبين علماء الإسلام قديماً وحديثاً، إلا أن الواجب هو اتباع الدليل من الكتاب والسنة ومصادر التشريع المعروفة بين العلماء، ومتى ما اجتهد العالم وهو مؤهل للاجتهاد فلا لوم عليه وكذلك من اتبعه على اجتهاده من غير تتبع للرخص.
أما المسائل العامة التي لها مساس بمصالح الأمة فقد جعل ولي الأمر للإفتاء فيها جهة خاصة ومنع من إصدار الفتاوى الفردية فيها، ولهذا فإنه لا يجوز لطالب العلم أن يخالف تلك الجهة المخولة من ولي الأمر، أو أن يتقدم عليها، فإن ذلك قد يكون داخلاً في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله).
لماذا لا تستفيد مؤسسات الإفتاء من التقنية، والتفاعل من خلال الإنترنت؟
- تقوم دور الإفتاء بجهود مباركة في نشر العلم الشرعي وإجابة الناس في أمور دينهم ، والذي تعرفه أن أكثر دور الإفتاء لها مواقع على الشبكة العالمية وإن كان العمل لم يصل حتى الآن إلى الهدف المنشود ويحتاج هذا الأمر إلى تعاون بناء بين العلماء والمختصين بتلك الشبكات وكذلك رجال الأعمال بدعم ذلك ، وللرئاسة العامة للإفتاء موقع معروف على الشبكة تضمن فتاوى اللجنة الدائمة وغيرها من إصدارات الرئاسة.
احترام شعيرة المسلم في رمضان من قبل غير المسلم، هل يتطلب احترام شعائر الأديان الأخرى ؟
- من قدم للعمل في بلادنا فإنه مطالب باحترام شعائر الإسلام وقد وافق على ذلك عند التوقيع على إجراءات الدخول ومن المعلوم ضرورة أن كل دين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قد نسخ قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ولا يجوز للمسلم أن يهين أهل الديانات الأخرى المقيمين معه، ولا يتعدى عليهم ولا يسب آلهة المشركين حتى لا يسبوا الله عدواً بغير علم .
قال تعالى (ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) والنبي صلى الله عليه وسلم قد عاد يهودياً في مرضه وعرض عليه الإسلام فدخل في الإسلام وكان حسن المعاملة معهم وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث (وخالق الناس بخلق حسن) وهم من الناس والله تعالى يقول في كتابه (وقولوا للناس حسنا) .