-A +A
علي فقندش (جدة)
بعد تقديم معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة مساء أمس الأول واجب العزاء في رحيل الفنانين الكبيرين سامي إحسان ومحمود خان اللذين رحلا عن عالمنا في غضون ساعات (الثاني عصر الجمعة، والأول فجر السبت)، قام عدد من نجوم الفن وأساتذته بتقديم واجب العزاء مساء أمس (ثاني أيام العزاء)، وكان في مقدمتهم فنان العرب محمد عبده الذي كرر الحديث عن صديقه الراحل وهو يقدم واجب العزاء لأبناء وأسرة الفقيد بشكل فيه الكثير من التعابير الودية نحو الفقيد الذي جمعته معه الكثير من الإحداث الثقافية والفنية وهما يصنعان مجدا للأغنية السعودية ليس له مثيل، وقال محمد عبده: ما كدنا نحزن على فقد حبيبنا الفنان محمود خان إلا وفجعنا بفراق أخ وصديق هو الأستاذ الموسيقي والملحن الكبير سامي إحسان في ساعات محدودة فرقت بين وفاتيهما ــ رحمهما الله، أخي الحبيب سامي إحسان تربطني به صداقة خاصة وزمالة استمرت أربعين عاما تعاونا خلالها في أعمال وطنية وعاطفية من أهمها «علم التوحيد»، «أنت محبوبي»، «مالي ومال الناس»، وكان لي السبق في إدخاله إلى مجال التلحين عندما كان عازفا مجيدا لآلة الكمان، رحمك الله يا أبا إحسان لقد فقدنا فيك خفة الظل وصدق وحدة النقد رغم انفعالاتك الحارة والقاسية في بعض الأحيان، إلا أنك كنت تحمل قلب طفل وسلامة خاطر، رحمك الله يا فاكهة الفنانين.
كما قدم الفنان الكبير عبادي الجوهر أيضا واجب العزاء وتحدث عن الفقيد بكلمات جميلة عبرت عن الفراغ الذي سيتركه غياب سامي إحسان قائلا: سامي إحسان حبيب وصديق لكل أبناء الأسرة الموسيقية تحديدا وفنان جميل سيترك غيابه اثرا كبيرا بعيدا عن الأسرة التي صنع منها الكثير من نجومها، وكان من الأعمال الجميلة التي لحنها لي «ليلة ، ناعم يا ندى» من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن، «معاك حق» كلمات الأمير سعود بن عبدالله.

الأعمال والجوائز
وعلى امتداد مشواره الفني حصل سامي إحسان على العديد من الجوائز، منها ميدالية التقدير عن الرئاسة العام لرعاية الشباب للمشاركة في السنة الدولية للشباب عام 1985، حينما قدم عبدالمجيد عبدالله لأول مرة في (عمري ما أقولك ليه) من كلمات إبراهيم خفاجي، ودرع جمعية الثقافة والفنون عام 1408، وشهادة مهرجان الشباب العربي.
ومن أعمال إحسان الموسيقية البارزة التي لا يمكن نسيانها أوبريت السيف والقرآن، كذلك قدم ألحانا لكل من الراحل طلال مداح، محمد عبده، والفنانين العرب: نجاح سلام، محمد قنديل، سعاد محمد، عفاف راضي، سميرة سعيد، رباب، زهير سالم، أصالة، أنغام، غادة رجب، كارم محمود، عماد عبدالحليم، أحمد السنباطي، عبدالكريم عبدالقادر، علي عبدالستار، عبده شريف، محمود الإدريسي، وقدم عملا للطفل بالمشاركة مع إبراهيم خفاجي بعنوان «حدارجة مدارجة».. وسامي إحسان يهوى السياحة والرحلات، حيث يمارس في فترات غير الارتباط هوايته المفضلة السياحة والرحلات.
ومع فن سامي إحسان كان مشواري الإعلامي وأذكر أنني قدمت خلاصة مشواره الفني على صفحات الفن في جريدتي (عكاظ) في حلقات كانت بدايتها في 18/10/199 ــ 11/4/1421 ضمن الحلقات السردية (رحلة مع فنان) والتي جاء فيها: «لنبدأ من حيث وصل..»
الفنان سامي إحسان اسم لامع اقترن بالأغنية السعودية الحديثة.. استطاع بعطاءاته الثرة الخروج بالأغنية السعودية من المحلية إلى العربية لتحلق في الآفاق.
وكان أول من لحن اغنيه سعودية باللغة الإنجليزية قدمت بصوت عبدالله رشاد في كندا. وساهم في اكتشاف العديد من المواهب الفنية التي أصبحت فيما بعد نجوما ساطعة في سماء الغناء مثل الفنان عبدالمجيد عبدالله وسمية قيصر ورجاء بالمليح.
والفنان إحسان كنز لا ينضب معينه لا يقتصر على الموسيقى بل انه صاحب موهبة في الخط العربين هذا ما آل إليه هذا الفنان ولنعد بالشريط إلى البدايات ومشوار الذكريات العامر بالعطاء.
سيرة حياته
سامي عبدالله محمد إحسان من مواليد جدة عام 1362ترتيبه الأول بين أشقائه سمير وأنيس وزهير وياسر وأختين ومنذ نعومة أظافره والفن هاجسه الأول وداعبت أنامله أوتار العود في البداية ثم آلة الكمان وأخذ يمارس الفن بينه وبين نفسه وهو لم يزل بعد في سن الدراسة، بدأ حياته العملية في بريد جدة كما بدأها طلال مداح في بريد الطائف وفوزي محسون في بريد جدة وأيضا الراحل لطفي زيني في بريد جدة.
وبعد فترة انتقل سامي للعمل في وزارة الخارجية بجدة ومنها إلى دمشق للعمل في السفارة السعودية، وهناك جذبته الموسيقى والفن والغناء بدبلوماسية هادئة لم تحمله من هوى في أعماق نفسه وتلقى تعليما موسيقيا جيدا في المعهد العربي للتمثيل والموسيقى بدمشق وكان يلازمه في القسم الآخر من المعهد – التمثيل ــ الفنان دريد لحام ورفيق السبيعي وغيرهما من فناني سوريا المعروفين عربيا الآن وكان محمد الشرباني هو المسؤول عن الموسيقى بالمعهد وعاد بعد ذلك الفنان إحسان إلى جدة بعد انتهاء فترة عمله في السفارة السعودية.
ولنترك الفنان سامي إحسان يتحدث عن هذه الفترة بنفسه ليقول «برغم ما حققته من نجاحات في عملي بوزارة الخارجية إلا أن الفن القابع في أعمال نفسي يبحث عن مخرج فطلبت نقلي من الخارجية إلى وزارة الإعلام وعملت في البداية كمهندس صوت وأخذت في تلقى الدروس الموسيقية على يد الفنان الراحل مهران بلخيان الذي كان قائدا لفرقة الإذاعة والتلفزيون».
ومنذ ذلك اليوم بدأ الفنان سامي إحسان يشعر بموهبته الحقيقية فكانت تلك أول خطوة في سلم مشواره الفني وهو الاحساس بما لديه من موهبة فطرية حباه الله وميزه بها عن أقرانه. وجاءت الخطوة التالية وهي صقل هذه الموهبة وتنميتها بالتدريب المتواصل والدراسة والاستفادة من تجارب الآخرين.
ويقول أبو إحسان «تحقق لي ذلك من خلال عملي في استديوهات الإذاعة كمنهدس صوت له علاقة مباشرة مع الفنانين الكبار الذين كانوا يسجلون أعمالهم في الإذاعة».
وبعد ذلك انتقل الفنان سامي إحسان إلى العمل في القسم الموسيقي ــ المكان الطبيعي والملائم لمن يملك مثل موهبته المتميزة ــ وكان يرأس القسم حينئذ الفنان الراحل مطلق الذيابي وعمل إحسان عازف كمان، وبذلك حقق حلم الطفولة والصبا حين كان الكمان هوايته المفضلة.
ورشح الفنان إحسان لإدارة القسم الموسيقي وتصادف في تلك الأثناء أن زارت المملكة المطربة التونسية زهيرة سالم وقدمت بعضا من أغنياتها لإذاعة جدة طلبت أن تكون لها أعمال مشتركة مع فنانين سعوديين. يقول الفنان سامي إحسان:رشحني المسؤولون ــ بالذات بدر كريم مدير التنفيذ وقتها ــ لتلحين قصيدة كتبها الراحل سعيد الهندي ووفقت في تلحينها الأمر الذي شجعني على المواصلة في مجال التلحين.
ومضت التجربة تزداد ثراء وغنى وصقلا فمع كل مساء كان الفنان سامي على موعد مع النغم والترانيم العذبة حينما يأتي المطربون لتسجيل أعمالهم الغنائية.
ويمضي الفنان سامي مستعرضا مشواره الفني: من هنا جاءت معرفتي بالفنان مسفر القثامي رحمه الله والفنان طلال مداح وكنت أكثر احتكاكا بالفنان فوزي محسون، والذي رأى في سامي إحسان مشروع فنان بالفعل.
ثم تعرفت على الفنان محمد عبده من خلال عمله ولم يكن لأحد فضل تعريفه علي وكان اجتهادي سبب لقائي به وبأغلب الفنانين فقد كنت اعزف كمنجة بشكل مرض فأحبني الزملاء المطربون وأصبحوا يستعينون بي كعازف كمان في حفلاتهم غير الرسمية.
وعلى هذا الطريق أخذ الفنان سامي إحسان يخطو بثبات وثقة نحو سلم الشهرة ويحقق النجاح تلو النجاح بجهده وعرقه. واستلم إدارة القسم الموسيقي وقيادة الفرقة الموسيقية ولكنه أبدا لم ينس انه ملحن ولم تتراجع الموهبة لديه فواصل عمله كإداري وملحن وعازف كمان في الفرقة إلى أن ترك العزف وتفرغ للتلحين وإدارة القسم ويبرر الفنان سامي ذلك بقوله:
إن الكمان من أرق وأكثر الآلات الموسيقية حساسية وتحتاج أصابع العازف إلى تمارين مستمرة ودائمة بشكل يومي وبصراحة ليس لدى وقت كاف الآن لذلك ثم إن عمري لا يسمح لي بذلك حاليا.
وسألته كيف انتقلت من هندسة الصوت إلى الفرقة الموسيقية كعازف؟.
فقال: لم يكن الطريق مفروشا بالورود والرياحين بل كان إصرارا ومثابرة واقتناعا بموهبتي وقوبل طلبي النقل بالرفض في البداية ولكن ذلك لم يثنني بل زادني تصميما إلى أن عملت بالقسم وواصلت النجاح بعملي وإرادتي حتى توليت رئاسة القسم.
وفي هذه الأثناء – أواسط السبعينات الميلادية – رشح الفنان سامي إحسان لرئاسة القسم الموسيقى في فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة عند استحداثها وكان بالفعل أحد المؤسسين لهذا القسم بالجمعية، وواصل عطاءه باكتشاف الكثير من الموهوبين في الموسيقى والغناء وساهم في اكتشاف البعض مثل محمد موسى الذي لم يكمل المشوار وسامي أبو الخير وغيرهم كثير ومحمد إلياس وسلطان احمد باهبري وحسن يوسف واهمهم الملحنون محمد المغيص وطلال باغر والموسيقيون محمد الغانمي ومحمد عسيري ومحمد أمين بخاري.
وبعد سنوات ترك الفنان سامي إحسان رئاسة القسم الموسيقى بالجمعية في عام 1410هـ ليتفرغ للقسم الموسيقي بالإذاعة والتلفزيون والأعمال الفنية الخاصة بعد أن أدى المهمة على خير وجه في صقل وتوجيه المواهب الناشئة التي تشق طريقها الفني وذلك بمساعدة زملائه الفنانين عبده مزيد وكمال والداغستاني ومحمد شفيق ومهران بلخيان وغيرهم.