-A +A
إبراهيم سنان
صديقي العزيز، يخلق الإنسان في بيئته كقدر لا خيار فيه، ولا نستطيع لومه على تلك الشخصية التي يكونها وتنتجها بيئته، وأعلم جيدا أنك عشت في مجتمع محاط بالنخبة، أو هكذا تعتقد، وأحاديثك عمن حولك لا بد أن تسبقها ألقاب «كالمعالي، والسعادة، و...»، تلح في التعبير عن مدى علاقتك بهؤلاء، وكيف أنهم حققوا لك ما أنت عليه الآن. لم أشعر يوما أنك حملت هم مستقبلك، فأحدهم ضمن لك مقعدا في الجامعة دون الحاجة لمعرفة نسبتك في الثانوية العامة، وآخر ضمن لك منصبا ليس له علاقة بشهادتك التي حصلت عليها، وآخر وعدك ببعثة إلى بلد أوروبي لدراسة ليس لها علاقة بتخصص وظيفتك التي تشغلها الآن.
صديقي العزيز: عندما دعوتك للعشاء دعوت أشخاصا أحبهم ويحبونني، خلقت معهم في بيئة يطمح أبناؤها إلى ألقاب كـ «الشيخ»، «النشمي» «الذيب»، «الأجودي»، و«الشقردي»، وألقاب أخرى ربما لم تسمع بها قبل الآن. ألقابنا تلك هي إشارة إلى صفات الشجاعة والكرم والطيبة والحكمة، هي أخلاقنا التي نطمح إليها، هي صفات نحسبها الأولى بالامتثال؛ كي نحقق ذواتنا في المجتمع، ستجدنا نقدم أنفسنا بألقاب تشير إلى أخلاقنا أكثر من مناصبنا.

صديقي العزيز، عندما كنت تهمهم وأنا أسرد عليك قائمة الحاضرين على عشائك. كنت أعرف أنك ممتعض، أعلم أنك كنت تنتظر ألقابا كتلك التي تعودت عليها. ولكن اعتذر منك إذ خذلتك وضيعت وقتك في معرفة أشخاص لا تستطيع الاستفادة منهم، صديقي العزيز، ما أحدثك عنه الآن ليس «عقدة نقص»، فنحن في بيئتنا نحاول أن نكون أكمل بالأخلاق لا المناصب. ولكن ما أحدثك عنه هو شيء يخصك أنت، إنها «عقدة زود» قيمتها لدينا لا تصنع رجلا.