-A +A
وليد احمد فتيحي
جلسوا يتجاذبون أطراف الحديث، مجموعة من الأطباء الذين قضوا أكثر من عقدين من الزمن في الغرب حيث درسوا وعملوا هناك وحققوا نجاحات مشهودة ووصلوا إلى أعلى المراتب العلمية، ومنهم من شغلوا مناصب رؤساء لأقسام في أفضل مستشفيات العالم ومنهم من قام بتأليف مراجع طبية تُدرس في الجامعات الغربية إلى نشر مئات الأبحاث والدراسات في أرقى المجلات الطبية العالمية، وبالرغم من الإغراءات المادية هناك والمكانة الأكاديمية المعنوية إلاَّ أنهم آثروا أن يعودوا للعالم العربي من أجل بنائه من منطلق انها رسالة حياة وزكاة لما أكرمهم الله به من علم ومن إنجازات، لرفع مستوى الرعاية الصحية في هذه البلاد وليكونوا بذلك قد حققوا أسمى صور الجهاد، الجهاد في سبيل الله عن طريق حُسن رعاية الانسان وتحقيق حمايته وسلامته وعلاجه وشفائه.
جلسوا يتجاذبون أطراف الحديث، وينفسون عن أنفسهم شيئاً من الإحباط: فقال الأول: هل تصدقون إنني وأهلي نعاني من انقطاع الماء عن بيتنا لأكثر من أسبوعين؟ .. حيث بدأت القصة قبل شهرين بانقطاع الماء لمدة أيام ثم عاودتها مرة في الأسبوع فقط ولكن قبل أسبوعين انقطع الماء تماماً ولأول مرة في حياتنا أَمرنا أبناءنا بالاستحمام يوماً بعد يوم، هل يصدق أن يصل الوضع الى الحد الذي ينصح الأباء أبناءهم بعدم الاستحمام كل يوم في شهر الصيف خاصة؟ ثم أصبحنا نستحم باستخدام الأكواب حتى انقطع الماء تماما وفوجئنا أن مقطورات المياه أصبحت تباع بأسعار خيالية تصل الى 800 ريال للمقطورة الواحدة بعد أن كانت لا تتعدى المئة ريال، ومع ذلك لم يكن لدي أي مانع أن أدفع ألف ريال لكني فوجئت أن طوابير الانتظار فيها المئات من المواطنين بما فيهم النساء ينتظرن لساعات وحتى الفجر وقد يحالفهم الحظ يوما ويخطئهم يوما آخر فليس هناك أدنى ضمانات. وأكثر ما آلمني أنني لم أستطع الحصول على الماء حيث أنه مخصص فقط للمواطنين السعوديين. أيعقل هذا؟! ماجاء بنا الى هذه البلاد إلا نية خدمة الإنسان وتحقيق حسن رعايته وعلاجه .. أوهكذا نُعامل؟! وقال آخر:لست وحدك في هذا ...فمئات الممرضات في المجمعات السكنية لم يصل اليهن الماء لمدة اسبوع كاملٍ أو يزيد, ومنهن من أشرفن على مغادرة البلاد خاصة أن هناك نقصاً في التمريض في العالم ككل فهناك كارثة عالمية في التمريض (Global Crisis). ومعظمهن سيجدن وظائف في الغرب.

وقال آخر: إن الموت مع الجماعة رحمة, فالبلد كلها تعاني صغيرها وكبيرها والوضع يتفاقم يوما بعد يوم. وقال آخر: ولكني أعلم أن هناك مشاريع جبارة قيد الإنشاء والمشكلة ستحل قريبا إن شاء الله. فسأل آخر: ومتى ذلك؟... فأجيب: في بضع سنين فضحكوا. فأجاب آخر: «شر البلية مايضحك» وهل هناك حلول سريعة؟. فأجاب أحدهم: نعم ... أبشروا فقد قرأنا بأن الوزارة بصدد إنشاء شركة تقوم بإدارة مقصورات المياه. فضحك آخر وقال: لم أسألك عن إدارة أعراض المرض وإنما أسألك عن العلاج.
وتحدث آخر كان صامتا طوال الوقت قائلا:.. أتعلمون أن الفائض المتوقع في الميزانية لهذا العام يتعدى 66 مليار دولار وصمت ...
وعم صمت طويل ...
ثم أكمل فقال: أعلم ماتقولون في أنفسكم إن كان كل هذا الفائض من المال يعجز أن يشتري ماجعل الله منه كل شي حي «الماء» ... فما قيمة المال؟!..
مرافق حيوية ينقطع عنها الماء وفي هذا خطر وضرر كبير على الفرد والمجتمع..
وإننا نناشد ولي الأمر أن يُسْعِفنا ..
وقد تعودنا منه مواقفه الإنسانية حتى أحب كثير أن يلقبوه .. بالملك الانسان ..
وانقضى المجلس وقاموا يدعون الله أن يفرج الهم عن المتضررين في هذا الشهر الفضيل.