-A +A
غازي فلمبان
لا أحسب أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تمتلك العين السحرية التي تكتشف بها حالات الفساد في كافة الدوائر الحكومية وإنما هي تحتاج إلى يد العون من كافة المواطنين للإبلاغ عن أي فساد. وقد عبر عن ذلك في أكثر من مرة رئيسها بتوجيه دعوة مفتوحة للتعاون مع الهيئة في الإبلاغ عن الفساد فتجاوب معه مواطنون غيورون على مصلحة الوطن وأبلغوا الهيئة ببعض حالات الفساد في دوائر حكومية ومنهم فني مختبر في صحة تبوك الذي أبلغ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بوجود صيدلانيتين تمارسان مهنة الصيدلة دون الحصول على تراخيص نظامية لمزاولة المهنة وذلك بعد أن خاطب وزارة الصحة عدة مرات بهذا الشأن دون الوصول إلى أي نتيجة حسب تعبيره.
إلا أن هذا الفني فوجئ بأن وزارة الصحة قد أصدرت قرار عقوبة بحقه على هذا العمل وهو توجيه إنذار رسمي له وعدم تكليفه بأي وظائف إدارية استنادا لنص المادة 23 من نظام تأديب الموظفين لقيامه برفع ماتم اكتشافه من مخالفات لخارج الجهة التي يعمل بها وعدم محافظته على السرية مما يعد مخالفة للنظام وحصوله على بعض أوراق المعاملة بطريقة غير نظامية وقد أوصى بهذه العقوبة مستشار وزير الصحة المشرف العام على الإدارة العامة للمتابعة، ولعل الحجة في ذلك أن اكتشاف الحالة تمت من قبل صحة المنطقة وليس من قبل فني المختبر وأن صحة المنطقة قد أحالت المخالفة إلى الجهة ذات العلاقة للقيام بالإجراءات حسب اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة المهن الصحية، في حين أن فني المختبر قد رفع شكواه إلى وزير الصحة وصورة منها للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد متهما بعض المسؤولين في صحة المنطقة بالتلاعب في القضية المتعلقة بالصيدلانيتين اللتين تعملان في المستشفى الخاص..

في اعتقادي أن عقوبة فني المختبر عقوبة تعسفية لا تخدم مسار النزاهة ومكافحة الفساد بل إنها تحد من تعاون المواطن مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وكان من الممكن أن يتعامل المسؤولون في وزارة الصحة مع هذه الحالة بشيء من بعد النظر ودعم الغيرة على النزاهة حتى لوكان التعبير عن هذه الغيرة فيه شيء من الخطأ، ولعل الإدارة القانونية في وزارة الخدمة المدنية أو هيئة الرقابة والتحقيق أو هيئة مكافحة الفساد نفسها تفيدنا عن نقطة النظام في هذه العقوبة استنادا على نص المادة 23 من نظام تأديب الموظفين، فهل يكون الإبلاغ عن مخالفة إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في حكم تسريب المعلومات لجهة خارجية وعدم المحافظة على السرية، فإن كان ذلك صحيحا فكيف نطلب من المواطن التعاون في كشف حالات الفساد في الدوائر الحكومية، وبالتالي تحتاج الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى أن تدافع عمن يتعاونون معها لدى جهاتهم الحكومية لكي يستمر التعاون ويؤتي ثماره، أما بدون هذا الضمان قد يتحفظ المواطن ويتردد في المبادرة بالإبلاغ عن الفساد، ويبقى الفساد مستورا تحت الغطاء لاينكشف.