ينهض عمل منظمات المجتمع المدني المعاصر على توافر مرتكزات ثلاثة لضمان نجاعة حركته وتحقيق غاياته، هي: أ– القيم المدنية المبنية على مفاهيم حقوق المواطنة وحقوق الإنسان، وثانيها الأطر المؤسساتية الحاضنة لممارسة دور الشراكة المجتمعية في صناعة القرار في مختلف مستوياته، وثالثها الأطر الدستورية والقانونية التي تحمي تلك الحقوق وتضمن لها قانونية العمل والشراكة ضمن فضاء دولة القانون والمؤسسات.
وفي هذا الصدد، أود أن أركز فقط على الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في تعميق ثقافة الحوار والتسامح والديمقراطية، ودورها الهام في بلورة صياغة خطاب الحوار ذاته، الذي يمارس على أرض الواقع قبول التعددية، وحق الاختلاف، وترسيخ قيم المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن المنحدرات الفكرية أو المذهبية أو المناطقية.
ولذا فإن مؤسسات المجتمع المدني تغدو عماد البنية التحتية لثقافة الحوار بين الأفراد، والجماعات من جهة، وبينها ومؤسسات الدولة من الجهة الأخرى، كما تصبح علامة على مصداقية التعبير الحر عن الحراك الاجتماعي، الذي يتم عبره تجسيد سيادة الحوار المتكافئ بين المواطنين والدولة.
وفي حاضنة هذا الحوار المؤطر بالحق القانوني، تتخلق قيم ثقافة جديدة تعمل على تخفيف غلواء ثقافة الإقصاء والعنف والإرهاب، وتغرس بذرات ثقافة عصرية لا تدعي احتكار الحقيقة، ولا تصادر حرية الرأي والاختلاف حوله.
وهذه المقدمة تقودنا اليوم إلى أهمية مسودة « نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية /المدنية» الذي يناقشه مجلس الشورى الموقر هذه الأيام بهدف إقرارها بعد نهاية شهر رمضان المبارك.
وقد كتب الكثيرون من المهتمين بهذا الأمر عن تلك المسودة، عبر الصحف والمواقع الالكترونية، كما دار نقاش طويل بيني وبين بعض الأصدقاء حول أهم المرتكزات التي ينبغي لمشروع المسودة أن يأخذها بعين الاعتبار، وخلصنا إلى الأفكار التالية، التي أتمنى أن يطلع عليها القائمون على مناقشة النظام في مجلس الشورى، وهي كالتالي.
منطلقات أولية:
أ- ننطلق من حرص الدولة وحرص مجلس الشورى على وضع نظام حديث يلبي متطلبات التطور والإصلاح في بلادنا، ويستجيب بمرونة وشفافية للاحتياجات المجتمعية الآنية والمستقبلية، ولذا علمنا أن بعض أعضاء مجلس الشورى ذهبوا إلى دول متقدمة للإفادة من تجاربها وأنظمتها في ما يخص منظمات المجتمع المدني.
ب- وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى أن العلاقة بين الدولة والمجتمع هي علاقة تعاقدية شرطاها تطبيق العدالة والحرية،، من حيث كون الدولة تعبيرا معاصرا عن مفهوم التعاقد الاجتماعي، ومن حيث كونها تاريخيا تعبر عن بيعة الناس لها في إدارة شؤونهم.
وكل ذلك يؤكد دور المجتمع وشراكته للدولة، ويعزز بناء دولة القانون والمؤسسات، ويضمن حقوق المواطنين في محاسبة ومراقبة أعمالها بصفتها وكيلة ونائبة عنهم.
وهذا يفضي بنا إلى القول بأن دور الدولة في شأن نظام المؤسسات والجمعيات، ينحصر تحديداً، في التنظيم والتنسيق والتفعيل المادي والقانوني، والدعم المعنوي.
جـ- ينبغي أن يرتكز دور نظام جمعيات المجتمع المدني الذي يناقشه «مجلس الشورى» في الحفاظ على المصالح العليا للوطن، والتي تقوم على ما ارتضيناه من ثوابت أساسية تستند على مقومات الوحدة الوطنية، وعدم التعارض مع أي نص قطعي الدلالة من الكتاب والسنة، ومع مشروعية القيادة السياسية، القائمة على تطبيق مبادئ العدل والحرية والمساواة بين المواطنين.
وبناء على هذه المنطلقات، أورد هنا – وباختصار- أهم ما ينبغي الأخذ به في صياغة نظام جمعيات المجتمع المدني الذي يناقشه «مجلس الشورى» الموقر هذه الأيام.
1- حقوق المواطنة: لا بد أن يؤكد النظام على حق كل مواطن أو مجموعة من المواطنين رجالا ونساء في تكوين جمعياتهم الاجتماعية والاقتصادية، والمهنية، والفنية، والإبداعية، والحقوقية، وما في حكمها، بما لا يتعارض مع الثوابت الأساسية، وبما يحقق للمنخرطين في هذا المجال تطوير مجال اهتماماتهم، والدفاع عن حقوقهم، وبما يخولهم للمشاركة في الشأن العام، بكافة الوسائل الحضارية والسلمية.
2- استقلالية عمل الجمعيات عن المؤسسات الرسمية: بناء على مرجعية الثوابت المحددة أعلاه، فإن النظام لا بد أن ينص على استقلالية عمل منظمات المجتمع المدني عن أي تدخل للمؤسسات الحكومية، من حيث شروط العضوية، أو وضع النظام الأساسي، أو اختيار أعضاء مجالس إداراتها بالانتخاب، وأن يكفل حق الجمعيات في إقامة أنشطتها وعقد لقاءاتها، وفي نشر مطبوعاتها بكافة الوسائط الإعلامية، وعدم اعتراض المؤسسات الحكومية على ترشح أعضاء مجلس الإدارة، أو على ما يصدر من الجمعية من قرارات، أو التدخل في محاضر جلساتها، أو عزل مجالس إداراتها أو تعيين بدلاء مؤقتين، وأن تكون الجمعية العمومية لكل جمعية هي الفيصل في كل قراراتها.
كما ينبغي أن يكفل النظام حق أعضاء الجمعية في حضور كافة الندوات والملتقيات التي يرونها مناسبة لاهتماماتهم، سواء في داخل المملكة أو خارجها، شريطة عدم القيام بأي عمل يمس بالثوابت المحددة قانونيا.
3- المرجعية النظامية والقانونية:
المرجعية النظامية: تكفل قوانين الدول المتقدمة، حق الجمعيات في التكوين وتكتفي بإشعار الجهات الرسمية بذلك.
ومراعاة لظروف حداثة تجربة جمعيات المجتمع المدني في بلادنا، نرى بأن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بدور تسجيل الجمعيات ومتابعتها، وإشعارها بأية مخالفات للأنظمة المستندة إلى الثوابت المحددة قانونياً، ومقاضاتها أمام الجهات القانونية، دون أن تملك الحق في إغلاقها أو عزل مجالس إداراتها أو تعيين مجالس أخرى بديل عنها، إلا بعد صدور قرار الجهة القانونية.
المرجعية القانونية: نعتقد أنه لا بد من وجود هيئة محايدة للنظر في شكاوى أعضاء الجمعية ضد ممارسات أعضاء الإدارة، أو شكاوى الجهات الرسمية، ولعل أفضل ما نراه هو أن تتشكل لجنة من مجلس الشورى وجمعية حقوق الإنسان الأهلية، مدعمة بالحقوقيين والقانونيين، للنظر في مثل هذه الإشكالات، لأن القضاء السعودي لا يعترف بهذه الجمعيات من جهة، ولأنه يعتبر وكيلا عن الجهات الرسمية من الجهة الأخرى.
4- التمويل المالي: تقوم بلادنا بدعم منظمات إنسانية في مختلف أنحاء العالم، وتقبل حكومات تلك البلدان هذا الأمر مع مراقبة أوجه صرفه، ولذا لا بد من القبول بالتبرعات التي تقدمها المنظمات الإنسانية والأهلية (لا الحكومية)، وكذلك قبول التبرعات والهبات التي تمنح لهذه الجمعيات من الجهات الرسمية والأهلية ومن الأفراد في المملكة، شريطة وجود جهاز محاسبي كفء وجهاز تدقيق محاسبي موثق لتسجيل هذه الموارد وأوجه صرفها وإعلانها بكل شفافية للجهات الرسمية والأهلية.
5- التسمية: نرى ضرورة تسمية النظام بـ « نظام جمعيات المجتمع المدني» لأن ذلك يحرر مرجعيته وآفاق عمله من أسر حصره في العمل الخيري للمضي إلى حيز الفضاء الحقوقي،بما يكفل له لعب الدور المعاصر في تبيئة مفاهيم حقوق المواطنة وحقوق الإنسان، والحق في المشاركة في صنع القرار، وكل ذلك يخدم توجه قيادتنا في التعبير الحقيقي عن مضيها في مسيرة عملية الإصلاح والتنمية أمام مواطني المملكة، وأمام العالم على السواء.
alialdumaini@yahoo.com
وفي هذا الصدد، أود أن أركز فقط على الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في تعميق ثقافة الحوار والتسامح والديمقراطية، ودورها الهام في بلورة صياغة خطاب الحوار ذاته، الذي يمارس على أرض الواقع قبول التعددية، وحق الاختلاف، وترسيخ قيم المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن المنحدرات الفكرية أو المذهبية أو المناطقية.
ولذا فإن مؤسسات المجتمع المدني تغدو عماد البنية التحتية لثقافة الحوار بين الأفراد، والجماعات من جهة، وبينها ومؤسسات الدولة من الجهة الأخرى، كما تصبح علامة على مصداقية التعبير الحر عن الحراك الاجتماعي، الذي يتم عبره تجسيد سيادة الحوار المتكافئ بين المواطنين والدولة.
وفي حاضنة هذا الحوار المؤطر بالحق القانوني، تتخلق قيم ثقافة جديدة تعمل على تخفيف غلواء ثقافة الإقصاء والعنف والإرهاب، وتغرس بذرات ثقافة عصرية لا تدعي احتكار الحقيقة، ولا تصادر حرية الرأي والاختلاف حوله.
وهذه المقدمة تقودنا اليوم إلى أهمية مسودة « نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية /المدنية» الذي يناقشه مجلس الشورى الموقر هذه الأيام بهدف إقرارها بعد نهاية شهر رمضان المبارك.
وقد كتب الكثيرون من المهتمين بهذا الأمر عن تلك المسودة، عبر الصحف والمواقع الالكترونية، كما دار نقاش طويل بيني وبين بعض الأصدقاء حول أهم المرتكزات التي ينبغي لمشروع المسودة أن يأخذها بعين الاعتبار، وخلصنا إلى الأفكار التالية، التي أتمنى أن يطلع عليها القائمون على مناقشة النظام في مجلس الشورى، وهي كالتالي.
منطلقات أولية:
أ- ننطلق من حرص الدولة وحرص مجلس الشورى على وضع نظام حديث يلبي متطلبات التطور والإصلاح في بلادنا، ويستجيب بمرونة وشفافية للاحتياجات المجتمعية الآنية والمستقبلية، ولذا علمنا أن بعض أعضاء مجلس الشورى ذهبوا إلى دول متقدمة للإفادة من تجاربها وأنظمتها في ما يخص منظمات المجتمع المدني.
ب- وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى أن العلاقة بين الدولة والمجتمع هي علاقة تعاقدية شرطاها تطبيق العدالة والحرية،، من حيث كون الدولة تعبيرا معاصرا عن مفهوم التعاقد الاجتماعي، ومن حيث كونها تاريخيا تعبر عن بيعة الناس لها في إدارة شؤونهم.
وكل ذلك يؤكد دور المجتمع وشراكته للدولة، ويعزز بناء دولة القانون والمؤسسات، ويضمن حقوق المواطنين في محاسبة ومراقبة أعمالها بصفتها وكيلة ونائبة عنهم.
وهذا يفضي بنا إلى القول بأن دور الدولة في شأن نظام المؤسسات والجمعيات، ينحصر تحديداً، في التنظيم والتنسيق والتفعيل المادي والقانوني، والدعم المعنوي.
جـ- ينبغي أن يرتكز دور نظام جمعيات المجتمع المدني الذي يناقشه «مجلس الشورى» في الحفاظ على المصالح العليا للوطن، والتي تقوم على ما ارتضيناه من ثوابت أساسية تستند على مقومات الوحدة الوطنية، وعدم التعارض مع أي نص قطعي الدلالة من الكتاب والسنة، ومع مشروعية القيادة السياسية، القائمة على تطبيق مبادئ العدل والحرية والمساواة بين المواطنين.
وبناء على هذه المنطلقات، أورد هنا – وباختصار- أهم ما ينبغي الأخذ به في صياغة نظام جمعيات المجتمع المدني الذي يناقشه «مجلس الشورى» الموقر هذه الأيام.
1- حقوق المواطنة: لا بد أن يؤكد النظام على حق كل مواطن أو مجموعة من المواطنين رجالا ونساء في تكوين جمعياتهم الاجتماعية والاقتصادية، والمهنية، والفنية، والإبداعية، والحقوقية، وما في حكمها، بما لا يتعارض مع الثوابت الأساسية، وبما يحقق للمنخرطين في هذا المجال تطوير مجال اهتماماتهم، والدفاع عن حقوقهم، وبما يخولهم للمشاركة في الشأن العام، بكافة الوسائل الحضارية والسلمية.
2- استقلالية عمل الجمعيات عن المؤسسات الرسمية: بناء على مرجعية الثوابت المحددة أعلاه، فإن النظام لا بد أن ينص على استقلالية عمل منظمات المجتمع المدني عن أي تدخل للمؤسسات الحكومية، من حيث شروط العضوية، أو وضع النظام الأساسي، أو اختيار أعضاء مجالس إداراتها بالانتخاب، وأن يكفل حق الجمعيات في إقامة أنشطتها وعقد لقاءاتها، وفي نشر مطبوعاتها بكافة الوسائط الإعلامية، وعدم اعتراض المؤسسات الحكومية على ترشح أعضاء مجلس الإدارة، أو على ما يصدر من الجمعية من قرارات، أو التدخل في محاضر جلساتها، أو عزل مجالس إداراتها أو تعيين بدلاء مؤقتين، وأن تكون الجمعية العمومية لكل جمعية هي الفيصل في كل قراراتها.
كما ينبغي أن يكفل النظام حق أعضاء الجمعية في حضور كافة الندوات والملتقيات التي يرونها مناسبة لاهتماماتهم، سواء في داخل المملكة أو خارجها، شريطة عدم القيام بأي عمل يمس بالثوابت المحددة قانونيا.
3- المرجعية النظامية والقانونية:
المرجعية النظامية: تكفل قوانين الدول المتقدمة، حق الجمعيات في التكوين وتكتفي بإشعار الجهات الرسمية بذلك.
ومراعاة لظروف حداثة تجربة جمعيات المجتمع المدني في بلادنا، نرى بأن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بدور تسجيل الجمعيات ومتابعتها، وإشعارها بأية مخالفات للأنظمة المستندة إلى الثوابت المحددة قانونياً، ومقاضاتها أمام الجهات القانونية، دون أن تملك الحق في إغلاقها أو عزل مجالس إداراتها أو تعيين مجالس أخرى بديل عنها، إلا بعد صدور قرار الجهة القانونية.
المرجعية القانونية: نعتقد أنه لا بد من وجود هيئة محايدة للنظر في شكاوى أعضاء الجمعية ضد ممارسات أعضاء الإدارة، أو شكاوى الجهات الرسمية، ولعل أفضل ما نراه هو أن تتشكل لجنة من مجلس الشورى وجمعية حقوق الإنسان الأهلية، مدعمة بالحقوقيين والقانونيين، للنظر في مثل هذه الإشكالات، لأن القضاء السعودي لا يعترف بهذه الجمعيات من جهة، ولأنه يعتبر وكيلا عن الجهات الرسمية من الجهة الأخرى.
4- التمويل المالي: تقوم بلادنا بدعم منظمات إنسانية في مختلف أنحاء العالم، وتقبل حكومات تلك البلدان هذا الأمر مع مراقبة أوجه صرفه، ولذا لا بد من القبول بالتبرعات التي تقدمها المنظمات الإنسانية والأهلية (لا الحكومية)، وكذلك قبول التبرعات والهبات التي تمنح لهذه الجمعيات من الجهات الرسمية والأهلية ومن الأفراد في المملكة، شريطة وجود جهاز محاسبي كفء وجهاز تدقيق محاسبي موثق لتسجيل هذه الموارد وأوجه صرفها وإعلانها بكل شفافية للجهات الرسمية والأهلية.
5- التسمية: نرى ضرورة تسمية النظام بـ « نظام جمعيات المجتمع المدني» لأن ذلك يحرر مرجعيته وآفاق عمله من أسر حصره في العمل الخيري للمضي إلى حيز الفضاء الحقوقي،بما يكفل له لعب الدور المعاصر في تبيئة مفاهيم حقوق المواطنة وحقوق الإنسان، والحق في المشاركة في صنع القرار، وكل ذلك يخدم توجه قيادتنا في التعبير الحقيقي عن مضيها في مسيرة عملية الإصلاح والتنمية أمام مواطني المملكة، وأمام العالم على السواء.
alialdumaini@yahoo.com