-A +A
حبيب الله محمد التركستاني
أثار قرار إيقاف نشاط المقاهي التي تقدم الشيشة والمعسل والدخان فى محافظة جدة حفيظة المستثمرين، وتمثلت مشكلتهم في الخسارة التي يمكن أن يتكبدوها، واقترحوا منحهم فرصة لاستيعاب القرار، والخروج بأقل الخسائر الممكنة، خاصة أن البعض اقترض الأموال من البنوك للاستثمار.
ورغم حقيقة هذا الأمر، ووجود الضرر الاقتصادي وبدرجات متفاوتة حيث إن المقاهي تقدم أشياء أخرى غير المعسل، وتستطيع المتاجرة فيها، فإن ما يتكبده المستثمرون لايساوي واحدا في المئة من الأضرار التي يتكبدها الاقتصاد المحلي على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الاقتصاد الوطني. فعلى سبيل المثال تمثلت حجم الخسارة الناجمة من النشاط في المعسل والدخان أكثر من مليار ريال قيمة استيراد، وهذا المبلغ طبعا يدفعه المواطنون والمقيمون المستخدمون للدخان، ويحرق في الهواء دون أي جدوى اقتصادية أو فائدة اجتماعية.
كما يتعرض المجتمع للأمراض الناجمة من التدخين بكافة أنواعه؛ وبذلك يضاف إلى الخسارة الاقتصادية تكاليف معالجة المرضى والذين يصابون بأمراض في الجهاز العصبي والرئتين وأمراض الصدر والقلب بسبب التدخين. وتشير الأرقام المنشورة إلى أن تكاليف معالجة المريض الواحد والمصاب بالأمراض المستعصية من جراء التدخين تبلغ أكثر من مليون ريال في العام الواحد، ويوجد اليوم حوالى خمسة ملايين مدخن في المملكة والأرقام قابله للزيادة إلى سبعة ملايين في2030.
وأما الأضرار الصحية على الصغار فقد ثبت في دراسات علمية موثقة أن التدخين يساهم في الأضرار بالأطفال الصغار قبل ولادتهم بواسطة الأم المدخنة. ويؤكد ذلك عدد المواليد المشوهين والأطفال المصابين بأمراض الكبار مثل أمراض القلب والرئتين. وبذلك يتسبب تدخين الكبار بقتل الصغار، والأمر المؤسف أن عدد المدخنين من النساء والبنات أخذ في الازدياد.
وأتساءل أليس هناك مشاريع استثمارية غير هذا المشروع الفتاك؟ ولماذا لايتم التوجه إلى الاستثمار في مشاريع لها جدوى اجتماعية وتفيد الناس، وتفيد البلاد، وتساهم في توظيف أكبر عدد ممكن من الناس. ولماذا لانحاول الابتعاد عن المشاريع الثانوية والتي لاتضيف إلى الاقتصاد أي إضافات تساعدها في تحقيق التنمية الاقتصادية. والأرزاق تتعاظم كلما ساهم المشروع في تحقيق منفعة الناس حتى لو كانت المشاريع الضارة أكثر ربحا وأسرع نموا. وأرشدنا المولى عز وجل حيث قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب).
أرجو أن يساعد هذا القرار المستثمرين على البحث عن الاستثمار في مجالات نافعة لكل الأفراد في المجتمع. كما أرجو أن يكونوا سعداء بالقرار كونه يبعدهم عن الاستثمار في تسويق المنتجات التي أكد العلماء المتخصصون أنها من الخبائث، كما أتمنى أن يتعاون الجميع في إعادة جدة إلى طبيعتها وهويتها عروس البحر الأحمر بعدما كادت تتحول إلى مدينة المدخنين.
* رئيس مجموعة الاقتصاد والتسويق

Proff.drhabiballah@gmail.com