عاصفة الحكم بالتفريق بين فاطمة ومنصور لعدم التكافؤ لم تهدأ بعد.. ورغم ان الاساس هو الاحترام والتقدير للحكم القضائي.. ورغم ان معظم من خاضوا في الامر لا يمتلكون كل الحقيقة.. الا ان ثمة تساؤلات كثيرة آثارتها العاصفة.. وابرز هذه التساؤلات:
* كيف ينظر الشرع لتكافؤ النسب في الزواج في اطار التوجيه النبوي الشامل لمعايير قبول الزوج.. وهل تنسحب هذه الرؤية على ما قبل الاختيار ام بعده؟ * ما الحجم الحقيقي للمشكلات الاجتماعية المترتبة على عدم تكافؤ النسب؟ * وهل كل زواج غير متكافئ يعتبر فاشلاً؟ وما حجم الضرر المترتب على الفصل بين زوجين غير متكافئين نسباً؟ والى اين يصل هذا الضرر اذا كان الفصل ضد رغبة الزوجين؟ * ما هي الاسس التي تستند اليها احكام التفريق بين الزوجين لعدم تكافؤ النسب؟ وكيف يتم اثبات عدم التكافؤ اصلاً؟ ومن يحق له رفع الدعوى في مثل هذه القضايا؟ * هل ثمة علاقة بين غياب تدوين الاحكام وترك البت فيها لاجتهادات القضاة؟ * هل العرف معتبر في نقض عقد قائم على اسس شرعية؟
* في حالة فاطمة وغيرها.. كيف ترون المشكلة وما الحل؟ هذه التساؤلات طرحتها ندوة «عكاظ» على مائدة البحث.. وهذه هي المحصلة:
«عكاظ» لنبدأ مع الحكم الذي صدر مع احترامنا الكامل للاحكام القضائية.. ولنسأل الشيخ الاسمري باعتباره قاضياً سابقاً عن الدعوى في هذه الحالة وظروف حكم مثل الذي صدر.
الاسمري: لا ريب ان قضية تكافؤ النسب موضع خلاف بين اهل العلم قديماً وحديثاً بيد انني اقول انه يجب على جميع القضاة خاصة والعلماء عامة ان يحققوا المسائل الخلافية ويردونها الى اصلين عظيمين وهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول) والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي).
والى جانب هذا الرد الى الاصلين العظيمين يجب على المفتي والقاضي والعالم ان يراعي المصالح ومن قواعد الشريعة (درء المفاسد وجلب المصالح) ودرء المفاسد مقدم وذلك انه يوجد مشاكل اسرية وخلافات قبلية ونزاعات عصبية وتفرقة عنصرية ولكن الاسلام ولله الحمد قضى على هذا كله.. اذن انا اقول ان القول الصحيح الذي تشهد له الادلة ويتطابق مع الواقع ان الكفاءة هذه تكون في الدين فقط اما غيره من الامور فهذه امور هامشية والدليل على ذلك ان الله يقول: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) ولم يقل صاحب النسب او الشرف او المكانة او المنصب كذلك الاحاديث في ذلك مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ارسل للناس اجمعين فقال: (كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لابيض على اسود الا بالتقوى) ويوضح ذلك قوله: (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) واصرح من ذلك ما جاء في الحديث (اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد عظيم).
وكان الواجب على القضاة ان يراعوا مثل هذه الامور لانه يترتب عليها امور اخرى اما ما جاء في بعض الآثار وبعض الاحاديث التي تشبث بها بعض اهل العلم وهو قول في مذهب ابي حنيفة والشافعي واحمد وعليه طائفة من اهل العلم يقولون لا بد من التكافؤ بين الزوجين لا سيما الزوج اما الزوجة فالعلماء ذكروا ان الزوجة لا يضر عدم كفاءتها.. مستدلين بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنكحوا النساء الا من الاكفاء) هذا الحديث ذكر اهل العلم بأنه ضعيف والحديث الضعيف لا يعتمد عليه في الاحكام ومن هؤلاء ابن عبدالبر رحمه الله وطعن في الحديث.
واحتجوا ايضا بأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال: (لأمنعن زواج ذوات الاحساب الا من الاكفاء) هذا أثر رواه الدار قطني وغيره وارى ان هذا الاثر لا يثبت عن عمر لانه مصادم للادلة التي ذكرت ولم يرو في الكتب المعتمدة وحينئذ ينبغي لنا ان نبني على الاصل (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) في الزواج وفي غير الزواج وقد ذكر ابن حجر امير اهل الحديث انه لم يثبت في اعتبار الكفاءة في النسب حديث.
وفيما يتعلق بالحالة المذكورة علينا ان نلاحظ ملاحظات اولا لماذا لم يدقق اولياء المرأة قبل ان يزوجوا هذا الرجل؟ وان كانوا لا يدرون فلماذا لا يتركون الامور على ما هي عليه والمسلمون الى خير فكيف نبحث في هذه الامور وقد حصل الزواج وانجب اولاد؟
ثانيا: انا اخشى ان هذا الحكم يفتح باب شر على المسلمين لان كثيرا من النساء يقلن انهن لا يرغبن في العيش مع ازواجهن لمجرد ظهور بوادر خلاف وان كن لا يردن ذلك فتقول المرأة انا اريد ان يطلقني وتتلمس الاعذار وهي غالبا اعذار واهية واحيانا تتجنى عليه ببعض التهم كترك الصلاة او تعاطي المسكرات. فعلى القاضي ان يتريث ولا يفتح باب شر على المسلمين وان يصلح بين الاطراف.
لا حديث عن كفاءة بعد الزواج
«عكاظ» هل هو حدثت مثل هذه الحالات ايام الصحابة وما هو النظر الصحيح اليها هل باعتبار الزمن ام بالغفلة عن الدليل ام ماذا بالاضافة الى النظر الشرعي لهذه القضية ابتداء.
الشيخ عبدالعزيز عرفة: نعلم ان شريعتنا ما جاءت الا لاصلاح المجتمعات وعلاجها ومنها خرجت الاحكام الكلية التي في اصلها تدور حول مسألة مهمة وهي ان الحكم يدور مدار العلة اذا كانت هناك فلابد ان يأتي لها حكم والحكم هو علاج لهذه المسألة كلها ما التي جاءت الا علاج امراض المجتمع. فننظر الى هذه العلة اذا كانت كلية كيف نعالجها واذا كانت جزئية كيف نعالجها والنصوص التي وردت في الكتاب والسنة كيف نفذها الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء وكيف كان الجيل الاول كعمر بن الخطاب يطبق النصوص وكيف يراعي المكان والزمان ويجد نصا صادرا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي سمع به ثم يرده فاذا اعتمد القاضي على نصوص في الفقه فعلينا ان نرجح وان ننظر ما هو الراجح والمرجوح وما هو المستعمل وغير المستعمل وهل يداوي هذه العلة التي انتشرت في المجتمع ام لا يداويها اذن علينا ان نعلم ان الادلة النقلية تحتاج الى الادلة العقلية والعكس نعم هناك نصوص وعلى القاضي ان يستعملها ولكن كيف يستعملها ومتى يستعملها وهل هذه المسألة تفيد المجتمع ام لا؟
فننظر للحكم اي علة يعالجها وننظر الى العلة هل هي داخلية ام خارجية فما هو الاجتهاد وقيمة الاجتهاد اذن ونحن نعلم انه انزال مفهوم الشريعة على واقع المجتمع. فاذا وقعت حادثة في المجتمع فيجب ان أنظر اي نص يعالج هذه الحادثة واذا كان عندي نصان مشتركان فهل اعالج بنص دون اخر ام بمقدمة النص ام بمؤخرته ثم انظر الى النص واحواله في فعل السلف به او تركه وهناك نصوص كثيرة تركت وقد وردت في صحيح البخاري مثل صلاة الكسوف صلاها النبي ثلاث ركوعات في ركوع لم يأخذ به احد من الفقهاء ومسائل غيرها وغيرها كثير. فالذي اجمع عليه العلماء نأخذ به والاجماع ننظر اليه هل هو اجماع كلي او اجماع سكوتي.
فالمسألة التي حصلت فتحت بابا هو باب فتنة وجعلت نساء كثيرا يفكرن في الطلاق.
واذا نظرنا الى الكفاءة وجدناها اربعة انواع النسب والدين والمهنة والمال والفقهاء قدموا كفاءة المال على كل الكفاءات فهل يستطيع ان ينفق عليها هل يستطيع ان يؤويها هل يستطيع ان يسلم مهرها وبعد كفاءة المال دخلت كفاءة الدين ثم هذه الكفاءات متى تنظر ؟ تنظر قبل النكاح فقط اما بعد النكاح فلا تنظر اي كفاءة حتى لو كان صالحا ثم فسق بعد النكاح فلا تعتبر هذه رفعاً للكفاءة ابداً.
«عكاظ»: من وجهة نظر نفسية واسرية ما حجم الضرر المترتب على الفصل بين الزوجين بسبب عدم تكافؤ النسب والى اين يصل هذا الضرر اذا كان ضد رغبة الزوجين؟
- د. ابو رزيزة: انا ادرس المسألة ومن خلال استشارة اسرية ووجدت ان هناك عشرة مستويات للتكافؤ في الحياة الزوجية اذكرها باختصار: التكافؤ في الالتزام الديني، والتكافؤ في المستوى العلمي والفكري، والتكافؤ في قيم الحياة الزوجية، والتكافؤ في مستوى الطاقة الجنسية، والتكافؤ في سمات الشخصية، والتكافؤ في مستوى الأهداف والطموحات المشتركة، والتكافؤ في مستوى السن، والتكافؤ في المستوى الاقتصادي، والتكافؤ في مستوى الجمال والشكل، والتكافؤ في النسب. هذه عشرة مستويات اذا تحققت المستويات الثلاثة الاولى نجد ان الانسجام الاسري سيتحقق.
نأتي الى الضرر اولا ما مفهوم الضرر هل الضرر الذي يعود على الزوجين ام الضرر الذي يعود على اشخاص خارجين عن نطاق الاسرة؟
نحن بالدرجة الاولى نركز في الانسجام الاسري على الحياة الزوجية اذن الشريعة الاسلامية تعطي اهمية اكبر للانسجام الاسري وليس لرأي اطراف اخرى خارجة عن الأسرة فطالما المرأة موافقة على الاستمرار فالضرر على الاطراف الخارجية نابع من رؤيتهم الخاصة واخشى انهم لا يبحثون عن مصلحة المرأة بقدر ما يبحثون عن نظرة المجتمع لهم لكن لو نظر الى مصلحة الأخت او مصلحة الأبناء لرأى ان الطلاق فيه ضرر كبير وتفكك الاسرة وهو اول ضرر يترتب عليه، كما يخشى من تصاعد بعض النزعات داخل المجتمع، كذلك ربما نفتح ابوابا كانت مغلقة لنساء غير مرتاحات في حياتهن الزوجية فيبحثن عن مخرج غير صحيح من اجل التخلص من مشاكلهن أو حياتهن الزوجية.
«عكاظ»: اذن متى يكون البحث عن الكفاءة قبل الزواج أم بعده؟
- الشيخ عبدالعزيز عرفه: بالطبع قبل الزواج ممكن ان يشترط الولي او المرأة اما بعد الزواج فهناك شراكة قانونية منعقدة بين اثنين لا تنفك هذه الشركة إلا بأمر الاثنين الزوج او الزوجة.
لا تدخل لطرف ثالث
-سمير برقة: نحن عندنا قضية من ثلاثة اطراف ونناقش القضية حسبما اثيرت في الصحافة ولكن نتمنى لو نحصل على صورة الحكم الشرعي والحيثيات التي اعتمد عليها القاضي حتى نستطيع ان نناقشها نقطة نقطة.
والذي اراه ان الزوجة هي التي تختار وحرية الطلاق هي من حريتها الخاصة بمعنى ان الطلاق من حق الرجل والمرأة بحريتهما المنفردة ولكل منهما ان يطلب من القاضي التفريق فلا يحق لطرف ثالث ان يتدخل طالما ان الزوجة لم تبادر بطلب الطلاق. ومن حق المرأة ان تشترط على زوجها واذا دخل الزوج بهذا الالتزام فلها الحق بطلب الفصل.
عكاظ: انت اذن ترى الزواج غير المتكافئ ليس فاشلا؟
- عوض بن مرضاح: احيانا ترى التكافؤ بين الزوجين في اعلى مستوياته ومع هذا ينتهي الزواج بالفشل وربما تجد رجلا بسيطا ولكنه صاحب خلق وتعامل طيب مع زوجته ونفع الله به واخرج من صلبه ذرية طيبة فهذا لا يعتبر معيارا ولا يقاس عليه الا كما يقاس على بقية الفوارق بين العلاقات الزوجية.
لتعدي الضرر
عكاظ: من الناحية القانونية من يمتلك حق الدعوى في مثل هذه الحالات وما هي الاسس التي يستند اليها التفريق بين الزوجين بصفة عامة؟
-محمد الشريف: لقد تركز الحديث الآن وقبل ذلك في وسائل الاعلام على الاعتراض على الحكم وانا ارى ان الحكم ربما يكون فيه شيء من الاجحاف ولكن اذا نظرنا من جانب مصلحة الطرفين وهو المعتبر ولو رجعنا الى التكافؤ نجد ان له اصلا في الشريعة الاسلامية وربما ينص الاعتراض على الواقعة بذاتها وظروفها رغم عدم امتلاكنا للحقيقة الكاملة والسؤال المهم الذي اتركه اشرتم اليه للمحكمة بداية رفض الدعوى اذا كانت بسبب عدم التكافؤ؟
اذا نظرنا اليها من ناحية قانونية او شرعية فليس للقاضي حق رفضها اوردها لان لاي من الطرفين الوقوف امام القضاء وتقديم حجته لكن نظام المرافعات الشرعية اشار الى انه لايقبل اي دفع او طلب مالم يكن لصاحبه مصلحة قائمة ومشروعة، هذا نص عام فاذا اخذنا بهذا الشيء فقد يتقدم من يرى في التفريق بين الزوجين مصلحة ونحن هنا لا نلوم القاضي بقبوله الدعوى ولكن ربما نتوقف امام عدم تكييفها بشكلها المطلوب في الواقع وعدم النظر في الضرر المترتب على التفريق بين الزوجين،وعدم الاعتداد برغبة الزوجة في البقاء على عصمة زوجها.
وبعد الوقوف امام القضاء هنا يأتي دور الاثبات وهنا الجزئية التي ينظر اليها القاضي بتمعن ويفحصها بشيء دقيق ومن حق المدعين تقديم طرق الاثبات امام القاضي سواء بالاقرار او بالاشهاد في مثل هذه الحالة واثبات عدم تكافؤ النسب ابتداء وتبقى فراسة القاضي وتكييف القضية.
مسألة صدور الحكم الغيابي دون رضى الزوجين يجعل الطريق امام الزوجين مفتوحا بطريقين نظاميين طريق التمييز وطريق التماس واعادة النظر والالتماس يقوم على سبع ركائز متى ماتوفرت يكون من حق المتضرر التماس اعادة النظر من هذه الركائز ان يكون الحكم غيابيا فمن حقه في هذه الحالة ان يلتمس اعادة النظر.
كما ان مجلس القضاء الاعلى له دور كبير جدا وعلى حسب علمي ان قضية عدم التكافؤ في النسب حتى قبل حدوث هذه الواقعة لازالت محل نظر ودراسة في مجلس القضاء الاعلى وكان الواجب على القاضي خاصة وانه قد علم ان القضية تدور في اروقة مجلس القضاء الاعلى ان يتوقف في الحكم فيها ويرجع للمجلس.
ويحق لاخوتها ان يرفعوا الدعوى لان الضرر متعد لما ينتج عن ذلك من اضرار اخرى ولعل القاضي اخذ بهذا الشيء.
لا اعتراض على الاحكام
- الشيخ سعيد الاسمري فقال: قال بقيت نقطة التكافؤ فيما يتعلق بالحرف وهذه الحرف ذكرها الفقهاء لكن القول الصحيح هو انها لا تمنع الزواج وهي مهن الانبياء اذا كان نوح نجارا وداود كان حدادا والرسول موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام رعيا الغنم وقد رأينا النبي عليه الصلادةوالسلام زوج بعض القرشيات بالموالي من اصحابه ولنفرض ان الرجل لا يعرف نسبه ولا ابوه ماذا قال الله عز وجل عن زيد بن حارثة (فان لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم).
وينبغي في الختام ان نعرف ان مانقوم به في هذه الندوة ليس ملاحظة على القضاة ولا اعتراضاً على احكامهم ولا تدخلاً في شؤونهم وانما من باب التعاون وتدارك الاخطاء حتى لايقال اننا في جريدة «عكاظ» خرجنا لاظهار الاخطاء والعيوب.
اما ما قاله الاخ سمير عن ضرورة تدوين الاحكام فأنا ارى ان تدوين الاحكام يسد باب الاجتهاد ولكن نقول لبعض القضاة استشيروا من هو اعلم منكم في مثل هذه القضايا.
المشاركون
الشيخ سعيد بن عوض الاسمري: قاض سابق في محاكم جدة
الشيخ عبدالعزيز عرفة السليماني: استاذ فقه
سمير احمد برقة: الباحث والكاتب الاسلامي
محمد الشريف: محامٍ ومستشار قانوني
الدكتور محمد علي ابورزيزة: استاذ علم النفس بجامعة ام القرى واستشاري اسري وتربوي ونفسي
عوض مرضاح: مستشار في العلاقات الاسرية
* كيف ينظر الشرع لتكافؤ النسب في الزواج في اطار التوجيه النبوي الشامل لمعايير قبول الزوج.. وهل تنسحب هذه الرؤية على ما قبل الاختيار ام بعده؟ * ما الحجم الحقيقي للمشكلات الاجتماعية المترتبة على عدم تكافؤ النسب؟ * وهل كل زواج غير متكافئ يعتبر فاشلاً؟ وما حجم الضرر المترتب على الفصل بين زوجين غير متكافئين نسباً؟ والى اين يصل هذا الضرر اذا كان الفصل ضد رغبة الزوجين؟ * ما هي الاسس التي تستند اليها احكام التفريق بين الزوجين لعدم تكافؤ النسب؟ وكيف يتم اثبات عدم التكافؤ اصلاً؟ ومن يحق له رفع الدعوى في مثل هذه القضايا؟ * هل ثمة علاقة بين غياب تدوين الاحكام وترك البت فيها لاجتهادات القضاة؟ * هل العرف معتبر في نقض عقد قائم على اسس شرعية؟
* في حالة فاطمة وغيرها.. كيف ترون المشكلة وما الحل؟ هذه التساؤلات طرحتها ندوة «عكاظ» على مائدة البحث.. وهذه هي المحصلة:
«عكاظ» لنبدأ مع الحكم الذي صدر مع احترامنا الكامل للاحكام القضائية.. ولنسأل الشيخ الاسمري باعتباره قاضياً سابقاً عن الدعوى في هذه الحالة وظروف حكم مثل الذي صدر.
الاسمري: لا ريب ان قضية تكافؤ النسب موضع خلاف بين اهل العلم قديماً وحديثاً بيد انني اقول انه يجب على جميع القضاة خاصة والعلماء عامة ان يحققوا المسائل الخلافية ويردونها الى اصلين عظيمين وهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول) والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي).
والى جانب هذا الرد الى الاصلين العظيمين يجب على المفتي والقاضي والعالم ان يراعي المصالح ومن قواعد الشريعة (درء المفاسد وجلب المصالح) ودرء المفاسد مقدم وذلك انه يوجد مشاكل اسرية وخلافات قبلية ونزاعات عصبية وتفرقة عنصرية ولكن الاسلام ولله الحمد قضى على هذا كله.. اذن انا اقول ان القول الصحيح الذي تشهد له الادلة ويتطابق مع الواقع ان الكفاءة هذه تكون في الدين فقط اما غيره من الامور فهذه امور هامشية والدليل على ذلك ان الله يقول: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) ولم يقل صاحب النسب او الشرف او المكانة او المنصب كذلك الاحاديث في ذلك مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ارسل للناس اجمعين فقال: (كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لابيض على اسود الا بالتقوى) ويوضح ذلك قوله: (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) واصرح من ذلك ما جاء في الحديث (اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد عظيم).
وكان الواجب على القضاة ان يراعوا مثل هذه الامور لانه يترتب عليها امور اخرى اما ما جاء في بعض الآثار وبعض الاحاديث التي تشبث بها بعض اهل العلم وهو قول في مذهب ابي حنيفة والشافعي واحمد وعليه طائفة من اهل العلم يقولون لا بد من التكافؤ بين الزوجين لا سيما الزوج اما الزوجة فالعلماء ذكروا ان الزوجة لا يضر عدم كفاءتها.. مستدلين بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنكحوا النساء الا من الاكفاء) هذا الحديث ذكر اهل العلم بأنه ضعيف والحديث الضعيف لا يعتمد عليه في الاحكام ومن هؤلاء ابن عبدالبر رحمه الله وطعن في الحديث.
واحتجوا ايضا بأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال: (لأمنعن زواج ذوات الاحساب الا من الاكفاء) هذا أثر رواه الدار قطني وغيره وارى ان هذا الاثر لا يثبت عن عمر لانه مصادم للادلة التي ذكرت ولم يرو في الكتب المعتمدة وحينئذ ينبغي لنا ان نبني على الاصل (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) في الزواج وفي غير الزواج وقد ذكر ابن حجر امير اهل الحديث انه لم يثبت في اعتبار الكفاءة في النسب حديث.
وفيما يتعلق بالحالة المذكورة علينا ان نلاحظ ملاحظات اولا لماذا لم يدقق اولياء المرأة قبل ان يزوجوا هذا الرجل؟ وان كانوا لا يدرون فلماذا لا يتركون الامور على ما هي عليه والمسلمون الى خير فكيف نبحث في هذه الامور وقد حصل الزواج وانجب اولاد؟
ثانيا: انا اخشى ان هذا الحكم يفتح باب شر على المسلمين لان كثيرا من النساء يقلن انهن لا يرغبن في العيش مع ازواجهن لمجرد ظهور بوادر خلاف وان كن لا يردن ذلك فتقول المرأة انا اريد ان يطلقني وتتلمس الاعذار وهي غالبا اعذار واهية واحيانا تتجنى عليه ببعض التهم كترك الصلاة او تعاطي المسكرات. فعلى القاضي ان يتريث ولا يفتح باب شر على المسلمين وان يصلح بين الاطراف.
لا حديث عن كفاءة بعد الزواج
«عكاظ» هل هو حدثت مثل هذه الحالات ايام الصحابة وما هو النظر الصحيح اليها هل باعتبار الزمن ام بالغفلة عن الدليل ام ماذا بالاضافة الى النظر الشرعي لهذه القضية ابتداء.
الشيخ عبدالعزيز عرفة: نعلم ان شريعتنا ما جاءت الا لاصلاح المجتمعات وعلاجها ومنها خرجت الاحكام الكلية التي في اصلها تدور حول مسألة مهمة وهي ان الحكم يدور مدار العلة اذا كانت هناك فلابد ان يأتي لها حكم والحكم هو علاج لهذه المسألة كلها ما التي جاءت الا علاج امراض المجتمع. فننظر الى هذه العلة اذا كانت كلية كيف نعالجها واذا كانت جزئية كيف نعالجها والنصوص التي وردت في الكتاب والسنة كيف نفذها الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء وكيف كان الجيل الاول كعمر بن الخطاب يطبق النصوص وكيف يراعي المكان والزمان ويجد نصا صادرا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي سمع به ثم يرده فاذا اعتمد القاضي على نصوص في الفقه فعلينا ان نرجح وان ننظر ما هو الراجح والمرجوح وما هو المستعمل وغير المستعمل وهل يداوي هذه العلة التي انتشرت في المجتمع ام لا يداويها اذن علينا ان نعلم ان الادلة النقلية تحتاج الى الادلة العقلية والعكس نعم هناك نصوص وعلى القاضي ان يستعملها ولكن كيف يستعملها ومتى يستعملها وهل هذه المسألة تفيد المجتمع ام لا؟
فننظر للحكم اي علة يعالجها وننظر الى العلة هل هي داخلية ام خارجية فما هو الاجتهاد وقيمة الاجتهاد اذن ونحن نعلم انه انزال مفهوم الشريعة على واقع المجتمع. فاذا وقعت حادثة في المجتمع فيجب ان أنظر اي نص يعالج هذه الحادثة واذا كان عندي نصان مشتركان فهل اعالج بنص دون اخر ام بمقدمة النص ام بمؤخرته ثم انظر الى النص واحواله في فعل السلف به او تركه وهناك نصوص كثيرة تركت وقد وردت في صحيح البخاري مثل صلاة الكسوف صلاها النبي ثلاث ركوعات في ركوع لم يأخذ به احد من الفقهاء ومسائل غيرها وغيرها كثير. فالذي اجمع عليه العلماء نأخذ به والاجماع ننظر اليه هل هو اجماع كلي او اجماع سكوتي.
فالمسألة التي حصلت فتحت بابا هو باب فتنة وجعلت نساء كثيرا يفكرن في الطلاق.
واذا نظرنا الى الكفاءة وجدناها اربعة انواع النسب والدين والمهنة والمال والفقهاء قدموا كفاءة المال على كل الكفاءات فهل يستطيع ان ينفق عليها هل يستطيع ان يؤويها هل يستطيع ان يسلم مهرها وبعد كفاءة المال دخلت كفاءة الدين ثم هذه الكفاءات متى تنظر ؟ تنظر قبل النكاح فقط اما بعد النكاح فلا تنظر اي كفاءة حتى لو كان صالحا ثم فسق بعد النكاح فلا تعتبر هذه رفعاً للكفاءة ابداً.
«عكاظ»: من وجهة نظر نفسية واسرية ما حجم الضرر المترتب على الفصل بين الزوجين بسبب عدم تكافؤ النسب والى اين يصل هذا الضرر اذا كان ضد رغبة الزوجين؟
- د. ابو رزيزة: انا ادرس المسألة ومن خلال استشارة اسرية ووجدت ان هناك عشرة مستويات للتكافؤ في الحياة الزوجية اذكرها باختصار: التكافؤ في الالتزام الديني، والتكافؤ في المستوى العلمي والفكري، والتكافؤ في قيم الحياة الزوجية، والتكافؤ في مستوى الطاقة الجنسية، والتكافؤ في سمات الشخصية، والتكافؤ في مستوى الأهداف والطموحات المشتركة، والتكافؤ في مستوى السن، والتكافؤ في المستوى الاقتصادي، والتكافؤ في مستوى الجمال والشكل، والتكافؤ في النسب. هذه عشرة مستويات اذا تحققت المستويات الثلاثة الاولى نجد ان الانسجام الاسري سيتحقق.
نأتي الى الضرر اولا ما مفهوم الضرر هل الضرر الذي يعود على الزوجين ام الضرر الذي يعود على اشخاص خارجين عن نطاق الاسرة؟
نحن بالدرجة الاولى نركز في الانسجام الاسري على الحياة الزوجية اذن الشريعة الاسلامية تعطي اهمية اكبر للانسجام الاسري وليس لرأي اطراف اخرى خارجة عن الأسرة فطالما المرأة موافقة على الاستمرار فالضرر على الاطراف الخارجية نابع من رؤيتهم الخاصة واخشى انهم لا يبحثون عن مصلحة المرأة بقدر ما يبحثون عن نظرة المجتمع لهم لكن لو نظر الى مصلحة الأخت او مصلحة الأبناء لرأى ان الطلاق فيه ضرر كبير وتفكك الاسرة وهو اول ضرر يترتب عليه، كما يخشى من تصاعد بعض النزعات داخل المجتمع، كذلك ربما نفتح ابوابا كانت مغلقة لنساء غير مرتاحات في حياتهن الزوجية فيبحثن عن مخرج غير صحيح من اجل التخلص من مشاكلهن أو حياتهن الزوجية.
«عكاظ»: اذن متى يكون البحث عن الكفاءة قبل الزواج أم بعده؟
- الشيخ عبدالعزيز عرفه: بالطبع قبل الزواج ممكن ان يشترط الولي او المرأة اما بعد الزواج فهناك شراكة قانونية منعقدة بين اثنين لا تنفك هذه الشركة إلا بأمر الاثنين الزوج او الزوجة.
لا تدخل لطرف ثالث
-سمير برقة: نحن عندنا قضية من ثلاثة اطراف ونناقش القضية حسبما اثيرت في الصحافة ولكن نتمنى لو نحصل على صورة الحكم الشرعي والحيثيات التي اعتمد عليها القاضي حتى نستطيع ان نناقشها نقطة نقطة.
والذي اراه ان الزوجة هي التي تختار وحرية الطلاق هي من حريتها الخاصة بمعنى ان الطلاق من حق الرجل والمرأة بحريتهما المنفردة ولكل منهما ان يطلب من القاضي التفريق فلا يحق لطرف ثالث ان يتدخل طالما ان الزوجة لم تبادر بطلب الطلاق. ومن حق المرأة ان تشترط على زوجها واذا دخل الزوج بهذا الالتزام فلها الحق بطلب الفصل.
عكاظ: انت اذن ترى الزواج غير المتكافئ ليس فاشلا؟
- عوض بن مرضاح: احيانا ترى التكافؤ بين الزوجين في اعلى مستوياته ومع هذا ينتهي الزواج بالفشل وربما تجد رجلا بسيطا ولكنه صاحب خلق وتعامل طيب مع زوجته ونفع الله به واخرج من صلبه ذرية طيبة فهذا لا يعتبر معيارا ولا يقاس عليه الا كما يقاس على بقية الفوارق بين العلاقات الزوجية.
لتعدي الضرر
عكاظ: من الناحية القانونية من يمتلك حق الدعوى في مثل هذه الحالات وما هي الاسس التي يستند اليها التفريق بين الزوجين بصفة عامة؟
-محمد الشريف: لقد تركز الحديث الآن وقبل ذلك في وسائل الاعلام على الاعتراض على الحكم وانا ارى ان الحكم ربما يكون فيه شيء من الاجحاف ولكن اذا نظرنا من جانب مصلحة الطرفين وهو المعتبر ولو رجعنا الى التكافؤ نجد ان له اصلا في الشريعة الاسلامية وربما ينص الاعتراض على الواقعة بذاتها وظروفها رغم عدم امتلاكنا للحقيقة الكاملة والسؤال المهم الذي اتركه اشرتم اليه للمحكمة بداية رفض الدعوى اذا كانت بسبب عدم التكافؤ؟
اذا نظرنا اليها من ناحية قانونية او شرعية فليس للقاضي حق رفضها اوردها لان لاي من الطرفين الوقوف امام القضاء وتقديم حجته لكن نظام المرافعات الشرعية اشار الى انه لايقبل اي دفع او طلب مالم يكن لصاحبه مصلحة قائمة ومشروعة، هذا نص عام فاذا اخذنا بهذا الشيء فقد يتقدم من يرى في التفريق بين الزوجين مصلحة ونحن هنا لا نلوم القاضي بقبوله الدعوى ولكن ربما نتوقف امام عدم تكييفها بشكلها المطلوب في الواقع وعدم النظر في الضرر المترتب على التفريق بين الزوجين،وعدم الاعتداد برغبة الزوجة في البقاء على عصمة زوجها.
وبعد الوقوف امام القضاء هنا يأتي دور الاثبات وهنا الجزئية التي ينظر اليها القاضي بتمعن ويفحصها بشيء دقيق ومن حق المدعين تقديم طرق الاثبات امام القاضي سواء بالاقرار او بالاشهاد في مثل هذه الحالة واثبات عدم تكافؤ النسب ابتداء وتبقى فراسة القاضي وتكييف القضية.
مسألة صدور الحكم الغيابي دون رضى الزوجين يجعل الطريق امام الزوجين مفتوحا بطريقين نظاميين طريق التمييز وطريق التماس واعادة النظر والالتماس يقوم على سبع ركائز متى ماتوفرت يكون من حق المتضرر التماس اعادة النظر من هذه الركائز ان يكون الحكم غيابيا فمن حقه في هذه الحالة ان يلتمس اعادة النظر.
كما ان مجلس القضاء الاعلى له دور كبير جدا وعلى حسب علمي ان قضية عدم التكافؤ في النسب حتى قبل حدوث هذه الواقعة لازالت محل نظر ودراسة في مجلس القضاء الاعلى وكان الواجب على القاضي خاصة وانه قد علم ان القضية تدور في اروقة مجلس القضاء الاعلى ان يتوقف في الحكم فيها ويرجع للمجلس.
ويحق لاخوتها ان يرفعوا الدعوى لان الضرر متعد لما ينتج عن ذلك من اضرار اخرى ولعل القاضي اخذ بهذا الشيء.
لا اعتراض على الاحكام
- الشيخ سعيد الاسمري فقال: قال بقيت نقطة التكافؤ فيما يتعلق بالحرف وهذه الحرف ذكرها الفقهاء لكن القول الصحيح هو انها لا تمنع الزواج وهي مهن الانبياء اذا كان نوح نجارا وداود كان حدادا والرسول موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام رعيا الغنم وقد رأينا النبي عليه الصلادةوالسلام زوج بعض القرشيات بالموالي من اصحابه ولنفرض ان الرجل لا يعرف نسبه ولا ابوه ماذا قال الله عز وجل عن زيد بن حارثة (فان لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم).
وينبغي في الختام ان نعرف ان مانقوم به في هذه الندوة ليس ملاحظة على القضاة ولا اعتراضاً على احكامهم ولا تدخلاً في شؤونهم وانما من باب التعاون وتدارك الاخطاء حتى لايقال اننا في جريدة «عكاظ» خرجنا لاظهار الاخطاء والعيوب.
اما ما قاله الاخ سمير عن ضرورة تدوين الاحكام فأنا ارى ان تدوين الاحكام يسد باب الاجتهاد ولكن نقول لبعض القضاة استشيروا من هو اعلم منكم في مثل هذه القضايا.
المشاركون
الشيخ سعيد بن عوض الاسمري: قاض سابق في محاكم جدة
الشيخ عبدالعزيز عرفة السليماني: استاذ فقه
سمير احمد برقة: الباحث والكاتب الاسلامي
محمد الشريف: محامٍ ومستشار قانوني
الدكتور محمد علي ابورزيزة: استاذ علم النفس بجامعة ام القرى واستشاري اسري وتربوي ونفسي
عوض مرضاح: مستشار في العلاقات الاسرية