-A +A
محمد ناصر الأسمري
منذ أن بوأ الله عز وجل لأبي الأنبياء عليه السلام مكان البيت العتيق، أذن أن يؤذن إبراهيم للناس بالحج، يأتون على كل ضامر ومن كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما هداهم.
وقد توطدت في ديانة الإسلام مقاصد الحج تماما لما سبق من الشرائع التوحيدية، وكان شرط الاستطاعة له مقام التقدمة على ما سواه من شروط، ليس المجال هنا للبحث في مباحث الأدلة المذهبية لكن المراد هو الإشارة إلى أن الحج مشقة ووعثاء رغم تقدم آليات ووسائط النقل وتوفر الزاد وأمان الطرق ووسائل الراحة مقارنة بما كان في أزمان مضت.

والمشقة رغم ما توفر من جوالب للتيسير الفقهي على جل المذاهب، إلا أن بقاء الأصل عنصرا من عناصر الاستعداد للحج أمر بالغ الأهمية، فمحدودية الزمان والأمكنة في مشاعر الحج غالبة على مغالبة الرغبة في الترفيه مقارنة بما يمكن أن يتاح في رحلات سياحية حرة الاختيار في التوقيت والمكان.
ويأتي العجب من أناس يتطهرون بأداء الحج بدنيا، لكنهم يتوقعون أن يكون نزهة سياحية ترفيهية، وبمجرد مواجهة عوائق متوقعة من المشقة يبدأ بعض من الحجاج السعوديين في كيل التهم والشتائم واللغو والرفث وبث شكوى قادحة في الجهود والخطط والعمل المنتج من مؤسسات الحكومة والدولة . وهذا سلوك سقيم لا يرتقي لعدالة مطلب ولا نصح خلي جلي بحلول ورؤى.
هذا السلوك لمجرد أن يحصل عطل في واسطة نقل أو تعثر انسيابية مسار طريق أو تدافع جماهير حاشدة انسياقا وراء شائعة أو رغبة في سلوك فوضوي معتاد من ثقافات لم تعتد النظام أو الانتظام.
إن ما لوحظ من بعض من حج من فئة قليلة من سعوديين مهووسين بثقافة سوداوية النظر لكل عمل وإنتاج قد أنتج جوقة من الغوغاء تشكك في أداء نسك مرن لملايين من الحجاج تعايشوا مع المشقة في الحج ومضوا دون رفث ولا فسوق.
والعجب أن ما أشاعوا وبثوا مثل هذا التخذيل وإهانة ما تم من جهود وأعمال قد جاء من بعض وعاظ وربما أكاديميين ومطبلين لكل تعطيل وتثبيط، وعند النظر لما لغوا به تجد أن ذلك لعدم وجود دورات مياه قريبة منهم ساعة توقف وسيلة نقل أو تعطل انسيابية مسار طريق أو أن النساء قد أضر بهن الانتقاب بسبب حرارة الطقس رغم أن الفقه ينهى عن انتقاب المحرمة..
لكن الحج مضى لكل من حسب أنه مشقة وليس نزهة سياحية حرة الاختيار مكانا وزمانا.
وهنا مقولة لأستاذ جامعي سعودي هي الختم لمقالي :
فالتيسير ورفع الحرج عن المكلفين إذا لم يصادم نصا صريحا أو إجماعا معتبرا، وكان متفقا مع أصول الشرع الكلية، ومقاصده العامة مراعيا تبدل الأزمان والأماكن وتغير الظروف والأحوال؛ فهذا مما ينبغي العمل به، وجريان الفتيا عليه، فأزمان المحن والشدائد ليست كأزمان السعة والاستقرار، وأحوال الخائفين ليست كأحوال الآمنين، ومن وقع في ضرورة أو حاجة ليس حاله كحال من هو في السعة والطمأنينة.