-A +A
عبدالمحسن هلال
لا شك تذكرون، فالتنكيل بها ملأ السمع والبصر، هي حاضرة كلما أراد خانقها استخدام ورقتها مبتزا وأراد خالقها استمرار صمودها معتزة، حاضرة كلما زادت أوجاع حصارها وزاد عجزنا عن نجدتها، حاضرة في دعائنا بالنصرة، ترى كم شهيد ستحتاج ضمائرنا هذه المرة لتستيقظ؟ غزة لم تعد تبكي منا بل تبكي علينا، هي الحرة داخل السياج ونحن الأسرى خارجه، أهلها المنتصرون داخل سجنهم ونحن المنهزمون داخل نفوسنا. هذا ليس حديث جلد ذات أو تفكير آمل فانتصار غزة وثقه الإعلام العالمي، مجلة تايم، إحدى أهم مصادر معلومات الكتبة المارينز العرب، محبطينا بمقولة التفوق الإسرائيلي وأكذوبة المقاومة الضارة، تقول المجلة الأمريكية إن الهجوم على غزة أضعف «إسرائيل»، بل حتى قناة فوكس الأمريكية المتصهينة بدأت بالأمس تتحدث عن سيطرة اليهود على واشنطن وكلفة حروب «إسرائيل» عليها، هل سيقر هؤلاء الكتبة الفجرة بتوازن الرعب الذي فرضته المقاومة التي يدعون أن ليس هذا وقتها، توازن أذاب قبة «إسرائيل» الفولاذية على رأسها وأرغم رئيسها إعلان قبول التفاوض مع حماس وكان من المحرمات قبلها. غزة، هل سيصدق هؤلاء المرجفون في المدينة، التي لم يخل شبر من جسدها من طعنة رمح أو ضربة سيف، تمكنت من نشر الرعب في تل أبيب، فلا نامت أعين المارينز العرب.
غزة، إذ تذكرون، تلك البقعة الصغيرة ذات الأنفس الكبيرة التي تمنى حاكم إسرائيلي أسبق سقوطها من الخارطة وتمنى حكام عرب أسبقون سقوطها من الذاكرة، غزة العزة تنتفض مجددا من تحت الرماد كطائر نورس، فهل سنترك الطائر هذه المرة أيضا يواجه بنادق الصيد وحده ونكتفي نحن بالفرجة، هل سنترك قطعا من أجسادنا تتساقط ونكتفي بالاحتجاج والحسرة؟ تحترق غزة وإن نحن صمتنا سيلحقنا الحريق، ماء السلام لم يطفئ حريقا، ماء المفاوضات لم يأت بجديد، ماء الوجه أصبح كالصديد، ولا يفل حديد تل أبيب إلا سلاح جديد، وأي حديث غير تسليح الفلسطينيين سيكون حديث خرافة وترديد، فما يواجهه شعب غزة الذبيح لا يقل بشاعة عما يواجهه شعب سوريا الجريح. اجتماع وزراء الخارجية العرب لم يرق إلى تطلعات شعوبهم، حتام يظل معالي الوزراء خلف مطالب شعوبهم بدل قيادتهم لتحقيقها، أيعقل اكتشافهم الآن ضرورة مراجعة المبادرة العربية، ذات المبادرة التي أعلن ولي أمرنا مرارا أنها لن تستمر طويلا وطالب الشارع العربي تكرارا بسحبها، متى سيكتشف الوزراء عدم جدوى الأساليب العتيقة مع الأوضاع الجديدة، متى سيدركون أن الموقف العربي المهادن برمته بحاجة لمراجعة لا مجرد مبادرات مطروحة؟

«إسرائيل» في ورطة ولن تسعفها أمريكا الآن بذات الدرجة، أوروبا أفلتت أو تكاد من تلك التركة، لم تعد «إسرائيل» طفلها المدلل المستجاب الرغبة، ظن بارونها أن اغتيال الجعبري سيعيده لكرسي الرئاسة فانقلب السحر على الساحر وتفاجأ برد زلزل أركان إدارته، الحرب السابقة كلفت «إسرائيل» مليار دولار والحالية ستكون أكثر كلفة لاقتصاد منهار يتكئ على اقتصاد ينهار. «إسرائيل» في ورطة فلأول مرة يضرب عمقها وينتشر الرعب بين شعبها، ولأول مرة تطلب التهدئة بعد أن كانت ترفضها، هل سيظل موقفنا كما هو برغم كل هذه المعطيات الجديدة؟ علينا أن نجعل ورطتها أكثر كلفة عليها وعلى من يساعدها ويبرر أعمالها، لا أحد يطالب بحرب لا نستطيعها بعدما أضعنا ما كنا نستطيع بالإعداد لها، لكن المطلوب تأكيد أن الدم الفلسطيني خط أحمر، لا أحد يطالب بقطع العلاقات لكن بموقف حازم وإجراءات صارمة أقلها سحب السفراء وإغلاق السفارات وسحب المبادرة، فك حصار غزة لا مجرد زيارات تضامنية. أما شعبيا، وهو الأهم، فالمطلوب أبسط من ذلك بكثير، وهو أمر جربناه وأثبت جدواه، تفعيل إرادتنا وفرض رغبتنا بمقاطعة بضائع من يساهم في قتل وتجويع غزة، هذا أضعف الإيمان بما يستحقه أهلنا في غزة؟
ahelalpob7007@gmail.com