-A +A
طـارق إسـماعـيـل
رغم ارتفاع حجم مخصصات التعليم التقـني والمهـني سنـويا إلـى أكثر من خمسة مليارات ريال، وزيادة أعداد الدارسين إلى أكثر من 60 ألف متدرب ومتدربة، لتخريج كوادر مـؤهـلة لـسوق العمل، إلا أن الكثير من التساؤلات ما زالت تثار سنويا حول مخرجات المؤسسة، وقدرة خريجيهـا على إثبات وجودهم في القـطاع الخاص. ويـذهب أصـحاب هـذا الـرأي إلـى الـتساؤل عن أسبـاب غـياب الفنيـين السعـوديين عـن السوق، بـعـدما أنفقـت الـدولة عليهم الكثير، وهـل صحيح أن غالبيتهم تحولوا إلى البحث عن عمل إداري لشعورهم بالخجل من العمل المهني في الميكانيكا والسمكرة والنجارة والحدادة وغيرها؟.
لا يمكن لأحد على الإطلاق أن يـنكـر وجـود تحـول كبير في توجهات الشباب السعوديين نحو الكثير من المهن التي كان يرى العمل فيها عيبا قبل سنوات ليست بالكثيرة، لكن هذا التحول لم يترجم بعد إلى قناعة عامة بأهمية العمل المهني ليصبح بمثابة ثقافة أو خيارا لابديل عنه. ولهذا ما زلنا نقف مبهورين أمام بعض الحالات التي نرى فيها الشباب السعوديين يعمل «جرسونا» في مـطعـم أو فـي ورشة تصليح سيارات رغم افتتاح عشرات المعاهد لتأهيل الشباب على المهن الحرفية سنويا.

ولعله يبقى موضوعيا أن نتساءل عن سر هذا الإحجام الشبابي عن العمل المهني في حين نشكو جميـعا مـن سيـطـرة العـمالـة الـوافدة عـلى هـذه السوق. فهل السبب يعود إلى ثقافة العيب التي تغلغلت في نفوس الكثيرين لسنوات طويلة، أم يـرجع إلى ضعـف مخـرجات مـؤسـسة الـتدريب التقني لعدم توفر الإمكانات التدريبية الحديثة لديها، أم يـرجع إلـى عدم تقبل غالبية المواطنين لعمل الشباب في العمل المهني رغم كل ما يقال عن أهمية هذا التغيير. إن سوق العمل المهني الذي بلغت تحويلات العمالة الوافدة فيه أكثر من 90 مليار ريال سنويا، لايزال بانـتظار السعوديـين لـيأخذوا جزءا من هذه الكعكة الضخمة التي طالما يسرت لهم الدولة سبل التعليم، والحـصول عـلى القـروض المهـنية مـن بنك التـسليف في مسارات الأجرة والنقل الفردي والمشروعات الناشئة والتميز والإبداع وغيرها.
لقد كشفـت التجـارب طـوال السنـوات الـماضية، أن غـالبية العمالة الوافدة لا تتوفر لها الإمكانات المهنية المناسبة، ولكـنها بقـليل مـن الإصرار مع التساهل على أخـطائـهـم مـن جانـبنا، نجـحـت فـي اسـتـنـزافـنا مـاليا من خـلال ورش إصلاح السيارات، والمكيفات، والأجهزة الكهربائية المختلفة، وغـيرها من الأعمال، فهل يتقدم شبابنا ليأخذوا مكانهم في هـذه المجالات؟ أم سيظلون غائبين عن هذا السوق الذي يحقق معدلات ربحية عالية أمام ثقافة العيب التى تجذرت وباتت عصية على الاقتلاع؟.