فوجئت بتصريحات صالح البراك الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء لجريدة الاقتصادية على بعد أيام من القمة الخليجية التي عقدت في المنامة يوم الاثنين الماضي «بعدم جدوى مشروع الربط الكهربائي الخليجي» بسبب تزامن «وقت الذروة» في دول المجلس. وجاء تصريح البراك ــ إن صح النقل ــ بمثابة الصدمة، خصوصا بعد تأكيد قمة المنامة على استكمال هذا الربط وبعد استكمال مرحلتي الربط الأولى والثانية التي شملت (قطر والبحرين والكويت)؛ لتبدأ الشبكة تشغيلها الفعلي الجزئي بين هذه الدول يوم 26 يوليو من العام 2010م. ومنذ ذلك التاريخ أسهمت الشبكة بشكل مباشر في تجنب وقوع انقطاع جزئي أو كلي في الشبكات المرتبطة في أكثر من 200 حالة بلغت نسبة الفقد في بعضها أكثر من 25 %. ومن أشهر هذه الحالات نجاح الشبكة الخليجية للربط الكهربائي يوم الثلاثاء 31 أغسطس 2010، وهو أحد أيام شهر رمضان المبارك في تحويل 150 ميجاواط من شبكة الكهرباء القطرية إلى شبكة الكهرباء البحرينية التي واجهت فقدا في الجهد الكهربائي بين الساعة الثالثة والساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم. وكان من الممكن لهذا الفقد في الشبكة البحرينية أن يتسبب في زيادة الأحمال التي قد تؤدي لتوقفها عن العمل لولا مسارعة مركز التحكم بشبكة الربط الخليجي لإطلاق تلك الكمية اللازمة من التيار القطري لإعادة الاستقرار لإمدادات الكهرباء البحرينية دون أن يحس أي مواطن بحريني بما جرى.. وكان من المتوقع في مرحلة الربط الثالثة التي كان من المقرر استكمالها أواسط العام 2011 ربط شبكة دولة الإمارات بالشبكة السعودية من خلال محطتي كهرباء (مفاتيح السلع) الإماراتية و(سلوى) السعودية. وكان من المتوقع أيضا أن يكتمل خلال هذه المرحلة أيضا استكمال أعمال ربط الشبكتين الإماراتية والعمانية لتكتمل وتتكامل شبكة الربط الكهربائي كأول جهد اقتصادي مشترك واضح النجاح بين دول المجلس.. ولكن يبدو أن المشروع تعثر بسبب عدم التمكن من ربط الشبكة الإماراتية بالسعودية. وبدأت تتردد أقوال على ألسنة مسؤولين خليجيين عن ضعف الشبكة السعودية وعدم جاهزيتها للربط. ولعل هذا ما دعا الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء السعودية للرد بهذا التصريح المدوي الذي أتبعه بالقول «إن إنتاج كهرباء السعودية من الطاقة عالٍ جدا، وتستطيع إمداد دول أخرى منه، وما يقال في الصحف الخليجية بأن كهرباء السعودية ضعيف غير صحيح».. والحقيقة أن التصريحات الخليجية بشأن الشبكة السعودية فيها قدر كبير من الصحة، وكل من يعيشون في نطاق هذه الشبكة يعرفون مشاكل انقطاعاتها وعجزها، خصوصا أن البراك نفسه لم يوقع عقد ربط المنطقتين الغربية والوسطى من المملكة بخط طوله 800 متر وطاقة مقدارها 3000 ميجا واط إلا منذ أشهر قليلة، ولا نعلم متى يكتمل. كذلك الأمر بالنسبة لمدينة الوعد الاقتصادية التي اضطر المشرفون على تنفيذها لاستصدار أمر ملكي سامٍ لربطها بالشبكة الوطنية عالية الجهد، ما يدل على عدم وجود مثل هذا الربط في المنطقة الشمالية الشرقية... وعلى كل حال، يأتي هذا المشروع الرائد للربط الكهربائي الخليجي كثمرة لقمة الكويت التي أقرته في الأول من ديسمبر 2009م. ويخضع هذا النوع من التبادل الكهربائي لاتفاقية (تبادل وتجارة الطاقة) الخليجية التي وقعتها الدول الأعضاء في المجلس في شهر يونيو 2010م، وذلك استجابة للطلب المتنامي على الكهرباء في دول المجلس التي يتزايد استهلاكها للكهرباء منذ 2003 بمعدلات سنوية تتراوح فيما بين 7% و9 % سنويا، باستثناء قطر التي يتزايد الاستهلاك فيها بمعدلات تصل إلى 14 % في العام.. ومن الناحية التجارية، تنص الاتفاقيات على التعويض العيني أو النقدي للتيار الكهربائي المحول من شبكة إلى أخرى بحسب وحدة القياس المتفق عليها، ويكون التبادل العيني بإطلاق التيار من شبكة دولة لشبكة دولة أخرى في أوقات الذروة، لتعيد شبكة الدولة المستفيدة نفس الكمية من التيار إلى البلد الآخر في أوقات الذروة فيه، سواء في نفس اليوم أو في اليوم التالي، وذلك في حالة اختلاف أوقات الذروة. أما في حالة التوافق فيمكن (بيع الكمية المطلقة من التيار من شبكة إلى شبكة أخرى مقابل عائد نقدي أو أية صيغة دفع أخرى يمكن الاتفاق عليها).. ورغم أن التكلفة الإجمالية للمشروع التي يمكن أن تصل إلى (1.5) مليار دولار، إلا أن عائداته الاقتصادية ستتجاوز تكاليفه بكثير وتسهم إسهاما مباشرا في التوظيف الأمثل لموارد الطاقة وتوزيع الجهد الكهربائي والأحمال، ما سينعكس بدوره على استقرار الشبكات المحلية في توفير إمدادات كافية من الكهرباء، مع تجنب تحميلها بأحمال إضافية وتجنب تعجيل معدلات استهلاك محطات ومولدات الكهرباء المحلية، إضافة إلى تقليل التكاليف التشغيلية إلى أدنى مستوياتها بالاستفادة من توافر الاحتياطيات الهائلة من الغاز القطري والسعودي.. وتبقى المزية الأهم والأشمل لهذا الربط الكهربائي الرائع وهي المزية الاستراتيجية المتمثلة في إضافة بعد جديد لتعميق التكامل والأمن الاقتصادي لدول الخليج العربية، وذلك بظهورها مجتمعة كقوة عالمية قادرة على الاستفادة من مواردها الهائلة من النفط والغاز لعقود طويلة قادمة، وربما قدرتها على فتح منافذ جديدة وغير تقليدية لتصدير الطاقة لأوروبا وآسيا وأفريقيا إذا ما اكتملت مشاريع الربط الكهربائي المقررة وتحت التنفيذ بمصر وتركيا.
altawati@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة
altawati@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة