-A +A
نايف الرشدان
الثقافة بصفتها أحد منتجات حقول العلوم الإنسانية محوجة للدعم المالي والرعاية المادية، مثلها مثل صويحباتها من الفنون الأخرى، حيث حضر المال في ميادين الرياضة وساحات الشعر الشعبي ومسارح الفن، وإذا كانت الفنون الأخيرة قد ارتبطت بالشاشة التي تعزز شهية المنفق المغدق، فقد استيقظت الثقافة مؤخرا وأصبحت لا تقل حضورا على الهواء والأثير والتسجيل والتوثيق بل وشاشات الجوالات والأجهزة الحديثة ولها جمهورها الذي يزداد، لكن المنفق الموسر يحتاج إلى من ينبهه إلى أن المنتج الثقافي بدأ يزاحم الفنون اللدودة ويوغر صدور أهلها بقدوم منافس مثير بدأ في خطف الأضواء وكسب القلوب الرحيمة والقاسية، وسيأتي هذا الموج الثقافي على الأخضر واليابس، وكأنه مارد مخيف،
أنى قلبت طرفك في الكتب والمجلات والصحف والمطبوعات والمنتج التأليفي وجدت الشعر التفعيلي والبيتي والنصي والقصة المكثفة والمفصلة والرواية التأريخية والاجتماعية والسياسية والوجدانية والشعبية والدينية والفنية والسير الذاتية والتراجم، ووجدت كتب النقد بأنواعه والفكر بأنواعه والفن بأنواعه والأدب بأنواعه، ثم الكتابة الصحفية الساخرة والمعرفية والطريفة والظريفة والفكرية، والكتب الشرعية والأدبية والعلمية والعامة وكتب الأطفال ومجلاتهم والمجالات التأليفية والرسائل العلمية والبحوث والاستبانات والمذكرات والكتيبات والمصورات والرسوم والكاركتير، وحتى أبحاث الطلاب الجامعيين ومذكراتهم، ثم السيديات والأشرطة والميلونيات، وأخيرا وسائل الاتصال الاجتماعي تويتر والواتس أب والانستغرام... وسواها، ويخلق الله ما لا تعلمون من حصص ووسائل الثقافة الحديثة المتصالحة مع التقنية قبل تصالحها مع ذاتها وأخواتها وجيرانها وأصحابها، إنها لغة العصر الحديثة والمفهوم العصري للثقافة، بعد أن تحررت من مصطلحها التقليدي ضيق الأفق، وانعتقت من إسار الجمود الذي ظلت تحت أغلاله أعواما عديدة.

من يقنع رؤوس الأموال وأثرياء البنوك بأن الثقافة لبست أردية جديدة، وأن طريق المال الذكي يمر من الثقافة الجديدة، فالاستثمارات في هذا المضمار تورث الرقي وتمنح التحضر وتنمي المال بصورة مشرقة.
أيها المسرحيون والفنانون، ويا معاشر الشعراء الشعبيين من شعراء نظم ورد وقلطة وشقر وبدع وعرضة وحداة وأهل المواويل، ويا كباتنة الكرة ورؤساء الأندية انتبهوا، فالمثقفون قادمون وسينافسونكم على الأضواء والأموال والشهرة، وسيعلم الذين سبقوا أي المبدعين ماكثون؟!
المال الذكي ليس في دراسات الجدوى التي لا جدوى منها إلا عند المال القلق ورأس المال الجبان، أما المال الشجاع والمال الذكي فقد استدل على طريق جديدة ومناهج حديثة لا تزيدها الدراسة إلا هلاكا ولا التحليل والتقليب إلا تأخرا، فهذه الطريقة هي ابنة الجرأة وابنة الاكتشاف وابنة المغامرة السعيدة. هي من اتخذت اللغة العصرية صاحبة والتقنية رفيقة، فالمال له خير المآل حين يقدم بجسارة على معانقة ثقافتنا الجديدة ويحقق بجدارة النتائج المثمرة العديدة..
فمن يبدأ من تجار الورق في استثمار الثقافة في غير الورق، ومن يبادر بإدخال ماله ببرامج خلاقة وجديدة فيها الذكاء المعرفي التقني عبر عوالم تويتر وانستقرام، وغيرها من صيغ الثقافة التقنية الحديثة؟؟ ومن لديه حب المغامرة ليكتشف عوالم طارئة على عوالم العقار والاستيراد والتصدير والصناعة والزراعة وغيرها، وما يدري هؤلاء إذا سبقهم بها عكاشة الثراء، أين أنت يا عكاشة؟.
nrshdan@gmail.com