-A +A
عبدالعزيز الرويلي (تبوك)
هائمون على وجوههم في الطرقات وعلى الأرصفة وفي الانفاق.. المشهد يتكرر يوميا في كل البلاد.. إن غابوا لا يكترث لغيابهم أحد.. لكنهم بعد ان صاروا المادة الاكثر انتشارا في اليوتيوب.. صاروا نجوما وهم لايدركون.. تمر امام أحدهم، فتقلب ذاكرتك أين رأيت هذا؟
انهم المرضى نفسيا، تستغلهم أياد تعبث بكاميرا الجوال فتحولهم مادة ساخرة يراها القاصي والداني عبر اليوتيوب، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كل ذلك بهدف السخرية والتندر، وجذب العديد من المشاهدات التي وصلت في احيان كثيرة الى مليون مشاهد لبعض المقاطع.. وأخرى حققت انتشارا واسعا بين شاشات الجوال من خلال الواتس اب الذي يتداوله الناس ما بينهم.



انتشرت مؤخرا عدة مقاطع عبر الجوال واليوتيوب والواتس آب، توثق للمرضى نفسيا العديد من الحكايا والمواقف المضحكة والمبكية في نفس الوقت، بعناوين تؤكد هدف السخرية وتوثقه بدءا بـ«معايا زميل» ومرورا بـ«شايب فاصل» وليس انتهاء بـ«اللاذع»، حققوا معها نسبا عالية من المشاهدات، بل صار بعضهم نجما لمسلسل من عدة أجزاء، كل ذلك وهم لا يدركون.
اختلفت آراء الناس حول ظهورهم عبر مقاطع الجوال واليوتيوب، فمنهم من يرى أن ظهور مثل هؤلاء أمر طبيعي، معه يشكر الإنسان نعمة العقل التي وهبه الله إياها، فيتدبر ويتذكر. لكن العديد من الناس كان لهم رأي آخر فهم يرون ان تصوير مثل هذه المقاطع استغلال رخيص لمريض لا يفقه، وتصويرهم بهذه الطريقة هو تصوير لمجتمع لا يرحم، طالما أن الهدف الواضح هو السخرية بهم وبعقولهم.
كيف الردع؟
(محمد سالم) أخ لأحد هؤلاء المرضى الذين نشرت بعض المواقع مقاطع لهم يقول وسط دموعه: بكيت كثيرا حينما شاهدت مقطعا لأخي عبر اليوتيوب، لا أعلم حقيقة من قام بتصويره ومتى وكيف، لكن والله العظيم والدتي تدعو على كل من قام بتصويره.
ويضيف: لا أعرف الطريقة المثلى لردع مثل هؤلاء ولا أدرك كيف أحفظ حق اخي الذي لا يفقه ما يدور حوله وحق عائلتي قانونيا.. حسبنا الله ونعم الوكيل.
مفردات خادشة
سعد الراشد، ابن عمه مريض نفسيا، يقلب الناس مقاطع فيديو له عبر الجوال فيسخرون ويضحكون، وعائلته تتألم كثيرا لهذا الوضع. ويذكر سعد ان المرض ابتلاء من الله، والله قادر على أن يبتلي كل إنسان شارك بنشر مقاطع لمرضى نفسيا أو استغلهم بالتصوير. ويضيف: العديد من المقاطع التي صورت لابن عمي هي مقاطع تضم بين طياتها مفردات خادشة للحياء.
ويقول: اثق بأن الكثير من تلك الكلمات هو لم يتعلمها في بيته لكن من كان يقوم بتصويره كان يلقنه بعض المفردات المعيبة بهدف الضحك والسخرية.
حزن ومهانة
يقول (ع. س) منذ فترة رأيت مجموعة من الشباب يتحدثون مع أخي المريض نفسيا، وأحدهم يقوم بتصويره عبر الجوال حينها فقدت أعصابي وتشاجرت معهم وهددت بمقاضاتهم حال نشر أي مقطع فيديو لأخي، سواء في أجهزة الجوال أو في الانترنت.
ويقول: نشعر نحن عائلته بمهانة وبحزن شديد كون الناس لا يرون في حالته سوى ما يجلب الضحك والسخرية، وهذا أشبه بمن يسخر بهمك وحزنك. وكل من يشاهد التصوير لا يشعر بحجم المعاناة ولا يتصورها أيضا. كنا في السابق نخاف على أخي من الخروج الى الشارع خشية توهانه والآن بتنا نخشى عليه من كاميرات وعدسات الفضوليين والجهلاء.
جهلاء وفضوليون
السيدة (س. ر) أم لمريض يعاني من اختلال عقلي، تقول: سمعت كثيرا عن تلك المقاطع التي يتداولها الناس للمرضى نفسيا، وخشيت على ولدي كثيرا من ان تتلقفه احدى تلك الكاميرات وتصوره بطرق مسيئة، لذلك توجهت الى دار التأهيل الشامل، وتركته هناك، رغم اني لا أتحمل بعده وفراقه، لكن ما أصبح عليه بعض الناس في المجتمع يقلقني كثيرا.
حملة مضادة
الى ذلك، ظهرت العديد من الاصوات في المنتديات وفي مواقع التواصل الاجتماعي ومن بين مشاهدي اليوتيوب ممن ينادون بضرورة حذف تلك المقاطع التي اخذت من المرضى نفسيا مادة دسمة لها. وبادرت مجموعة من الشباب بعمل حملات في الفيسبوك والتويتر واليوتيوب لإزالة مثل تلك المقاطع وحذفها وتوعية الشباب من مثل هذا العمل غير الاخلاقي.
ويقول المهندس محمد الصقر المتخصص في هندسة الحاسب الآلي وأحد المؤسسين البارزين في الحملة: نظمت الحملة لوجه الله عز وجل، ومعي مجموعة من الشباب المتطوعين بغرض إزالة وحذف الكثير من المقاطع التي تعتبر مسيئة للمجتمع، ومن ثم للأفراد الذين تصورهم تلك المقاطع وتظهرهم بأبشع صورة. لذلك لاقت الفكرة استحسان العديد من المشاركين في اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي. وحقيقة الامر الموضوع لا يحتاج الى فنون تقنية، ولا يحتاج لمتخصصين، لأن اكثر ما نفعله هو التوعية والنصح لكل من شارك بمقاطع مسيئة لنفسه ولمجتمعه، وأغلب الناس تفاعلوا مع الحملة.
ضد الأخلاق
الدكتور سليمان بن عبدالله بن عقيل استاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود يرى أن تصوير المرضى وهم فاقدو السيطرة على أنفسهم ولا يعون عمل غير أخلاقي وغير انساني أبدا. فالتصرف مؤذ للمريض نفسه وللمجتمع أيضا، ويفترض على الجهات المعنية أن تحفظ حقوق المرضى كي لا يكونوا عرضة لإيذاء الآخرين. وكثير من الناس يتداول مثل هذه المقاطع بدافع الفضول ولا يخلو الامر من السخرية؛ لأن مثل هؤلاء المرضى يتصرفون لا إراديا ولا يعون ما يفعلون فتكون كل أحاديثهم وحركاتهم مدعاة للضحك والتهكم.
ويضيف الدكتور سليمان: من يقوم بالتصوير عدة أصناف وفئات؛ فمنهم من يصور بحسن نية للفت انظار الناس لفئة مغيبة في المجتمع، ومنهم من يتعمدون اظهار مثل تلك المقاطع لإحراج الجهات المعنية، وإحراج المجتمع وتصويره على انه لايهتم ببعضه وهؤلاء في قلوبهم حقد ومرض على مجتمعهم، أما الصنف الثالث فهم اولئك الذين ينشرون تلك المقاطع بهدف السخرية والضحك وهؤلاء لايدركون عاقبة الامور فهم بذلك يسخرون من آلام ومشكلات الآخرين، والله قادر على أن يبتليهم لأنهم بهذا الفعل يشوهون المجتمع وبالتالي هم يشوهون أنفسهم.
محرم شرعاً
الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين عضو الافتاء في الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء، قال: مثل هذا العمل يسيء لأقارب المريض وفيه ضرر عليهم خصوصا عند تصوير المريض في حالة لا ترضي أقاربه وأهله، وهذا العمل محرم لإساءته للمريض ولعائلته، فليتق الله كل انسان صور أو نقل مثل هذه المقاطع او ساهم في تداولها بين الناس، وعلى المؤمن ألا يسخر من ابتلاء أخيه المؤمن، وعليه أن يدعو له بالشفاء، ويحمد الله على ان عافاه مما ابتلى به غيره، وعليه ان يسارع ويستغفر الله ويقوم بحذف كل ما اقترفته يداه من إساءة لأي انسان.
ورد الشيخ على من يقولون إن التصوير للمرضى هو للاتعاظ والعبرة وقال: يستطيع من يريد الاتعاظ والعبرة أن يراهم في الشوارع وفي المستشفيات النفسية، لكن حتى لو صدقوا فإن مثل هذا العمل أضراره ومفاسده أكثر من مصالحه، لأنه ولا شك فيه ضرر متعمد للغير، فأهل المريض يشعرون بالحرج والضرر تجاه تلك التصرفات التي يقوم بها جهلاء لا يدركون عواقب تصرفاتهم.