-A +A
علي حسن التواتي
لن أكرر هنا ما أكد عليه العلماء والمثقفون وقادة الرأي العام في بلادنا من أحقية المرأة بالعمل أو المشاركة في الحياة الثقافية والسياسية. ولن أورد الأمثلة والشواهد من الكتاب والسنة لإثبات المثبت وتأكيد المؤكد. ولكنني سأركز على جزئية ربما تبدو صغيرة ولكنها جوهرية ومهمة للغاية ولا تعدو كونها تذكيرا للجميع بأن معظم ما يطرح على الملأ في بلادنا من جدل وحوارات بشأن المرأة وحقوقها وواجباتها هو أمر تجاوزه الزمن كثيرا عند كل شعوب الأرض بما فيها الإسلامية التي لا تمثل نسبة شعبنا منها سوى (0.014%) وهي نسبة متناهية في الضآلة. وحتى لا أفتح بابا للجدل الذي أتجنبه لا أقول بأن ضآلة هذه النسبة تعني بأننا على باطل لأننا أقلية وباقي المسلمين على حق لأنهم أكثرية ولا أقول بعكس ذلك، ولكن عوامل تضافرت في بلادنا من أهمها عدم التعرض لفترات طويلة من الخضوع لقوى أجنبية، وعدم خوض حروب طويلة تستلزم حشد كافة القوى الممكنة، إضافة إلى أن توفر الثروة النفطية في يد الدولة، مكنت البلاد من الاحتفاظ بخصوصية موروثة طغت فيها العادات والتقاليد على المبادئ والمسلمات الإسلامية. وأدى التنميط الفكري إلى تعميم تلك الخصوصية على البلاد بأسرها. والحقيقة أننا لسنا بدعا بين شعوب الأرض في الخلط بين الدين والعادات والتقاليد فحتى المهاجرين الأوروبيين للأمريكيتين مروا بمثل هذه المرحلة في القرن السابع عشر مع بدء تدافعهم للاستيطان في العالم الجديد. فقد كانت الكنائس تخصص للتجمعات الاستيطانية جماعات تسمى (حراس الفضيلة Guardians of Virtue) لمراقبة السلوك العام للمستوطنين والتأكد من أنهم لا يخالفون تعليمات الكنيسة في كافة شؤون حياتهم. وكان لدى أولئك سلطات لا حدود لها تصل حد إصدار وتنفيذ الأحكام بما فيها القتل. وقد يجهل كثيرون بأن حراس الفضيلة كانوا النواة الأساسية لتأسيس الحرس الوطني الأمريكي والكندي ولبعض دول أمريكا الجنوبية بعد التخلص من النفوذ البريطاني وظهور الولايات المتحدة الأمريكية وتلك الدول مستقلة ذات سيادة، واضطرارها لتوحيد تلك الجماعات التي تحولت في مرحلة متأخرة إلى ميليشيات مسلحة في تنظيمات رسمية حديثة تلتزم برؤية وأهداف وأغراض وآليات واضحة. وإذا ما أمعنا بالبحث في التراث السياسي الأمريكي سنجد جذورا للحزب الجمهوري المحافظ تمتد لحقبة حراس الفضيلة وجذورا للرافضين لمنهجهم في الحزب الديموقراطي الليبرالي. ولم تعدم أمريكا من حاولوا توظيف بعض المتغيرات السياسية والمخاوف العامة لإعادة المجتمع الأمريكي لحقبة حراس الفضيلة، فهناك بارنيل توماس الذي تسلط على رموز هوليوود وممثليها والعاملين فيها سنة 1984 بدعوى استئصال الشيوعيين والجواسيس وبعده جوزيف ماكارثي (1950ــ 1955) الذي لم يسلم من تسلطه أحد تحت شعار (الشيوعية دين يريد القضاء على المسيحية (وهو نفس الشعار الذي رفعه فيما بعد الرئيس جورج بوش الابن (2001 ــ 2009) مع استبدال الشيوعية بالإسلام. ويلاحظ في كل الفترات التي يعلو فيها مثل هؤلاء في سماء السلطة الأمريكية تراجع دور المرأة وانزوائها بحسب ما تسمح به الأنظمة والقوانين والمسلمات المتعارف عليها في المجتمع الأمريكي القائم على المؤسسات والتوازنات الدقيقة بين السلطات. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه بعكس ما يتصور الكثيرون فالمجتمع الأمريكي لم يكن منفتحا جدا تجاه النساء وكانت لهن مبان خاصة مستقلة في بعض الجامعات العريقة أذكر منها جامعتي التي درست بها (سيراكيوز/نيويورك) التي قامت على مبادئ وأصول كاثوليكية موغلة في القدم. فقد حملت إحدى البنايات التي تجدول فيها بعض المحاضرات مسمى (بناية النساء) وحين تساءلت عن سبب التسمية أتتني الإجابة بأن النساء كن يدرسن في فصول مستقلة بحسب المبادئ التي قامت عليها الجامعة ولكن التطورات التي أعقبت دخول الولايات المتحدة كطرف في الحرب العالمية الثانية التي استقطبت ملايين الشبان الذكور أدت إلى خروج المرأة لتشغيل عجلة الإنتاج في مختلف المجالات فانعدمت مبررات الفصل بين الجنسين خاصة في ضوء التفوق النوعي في الإنتاج والوعي والإحساس العالي بالمسؤولية الذي أظهرته المرأة الأمريكية وهو ما اختبرته شعوب أخرى في أوروبا وفي غيرها. ولكيلا أطيل عليكم سأضرب مثلا آخر فقط من دولة أخرى عشت فيها لبعض الوقت أيضا وهي السويد. فلربما يصعب التصديق بأن نساء السويد اللاتي يشغلن ثلث مقاعد برلمان بلادهن اليوم لم يحصلن على حق الانتخاب أو الترشيح للانتخاب لعضوية البرلمان إلا سنة 1990. ولذلك حين أقرأ أو أسمع الحوارات الجوفاء بشأن حق المرأة في قيادة السيارة وحقها في عضوية الشورى ومجالس المناطق أو حقها في العمل والزواج والطلاق والتعلم وحضورها الندوات والمؤتمرات والمناسبات العامة وغيرها من الحقوق الإنسانية التي كفلتها شريعة الإسلام الذي تدين به بلادنا، لا أشارك فيها بل أشعر بالغثيان من الإنصات إليها أو قراءتها فألجأ إلى تغيير الموجة الإذاعية أو التلفزيونية أو أقلب الصفحة إن كانت الوسيلة الإعلامية مقروءة.. وآمل أن تجتاز بلادنا سريعا مرحلة التجاذب الحالية في هذا الشأن لما فيها من سفسطائية في الحوار وضياع للوقت والموارد فيما لا طائل من ورائه. وأشد على كل يد بناءة أعطت أما أو زوجة أو بنتا حقا من حقوقها وأسهمت في رفع الظلم التاريخي الذي فرضته بعض التوجهات الاجتماعية عليها.
altawati@gmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة