-A +A
محمد طالب الأحمدي - جدة

ثمانية أعوام أمضاها تحت الحظر الدولي، صدر بحقه قرار من مجلس الأمن في نيويورك، بتجميد كافة أصوله وأمواله السائلة في البنوك المحلية والعالمية، لاتهامه بتمويل الإرهاب، وتحديدا القاعدة وطالبان، ليجد رجل الأعمال المتهم أن ثروته وعقاراته قد طارت من يده.

لا يعرف في مجلس الأمن باسمه فحسب، إنما تتداول الدول الأعضاء الخمس عشرة ملفه بشفرة (QI.B.182.04)، وذلك منذ إدراج اسمه في قائمة ممولي الإرهاب، في 23 من ديسمبر 2004م.

عادل عبد الجليل بترجي.. بعد أسبوع من رفع الحظر عنه يكشف في حوار مع «عكاظ» عن ملفات القاعدة وطالبان، وتفاصيل رحلته إلى أفغانستان والبوسنة والسودان، وحقيقة علاقته بزعيم التنظيم آنذاك أسامة بن لادن، وقصة تأسيسه لجنة البر في المملكة ومنظمة البر الدولية في شيكاغو.

ويتحدث بترجي ــ لأول مرة ــ عن خفايا لقائه المغلق مع مسؤولة المظالم في مجلس الأمن، والذي عقد سرا في أحد فنادق جدة.. فإلى تفاصيل الحوار:



• نبدأ بما انتهت إليه قضية إدراجكم في قائمة ممولي الإرهاب التي أقرتها اللجنة المنبثقة عن مجلس الأمن للقاعدة وطالبان، عقب أحداث 11 سبتمبر، حيث تم إزالة اسمكم من القائمة نهاية الأسبوع قبل الماضي.. كيف تلقيت خبر تنزيهك عن التمويل المشبوه؟

من حيث وصول الخبر لم يكن بالنسبة لي أمرا مفاجئا، لأنني كنت أعمل جاهدا لإزالة اسمي من القائمة، واستغرقت المحاولة الأخيرة عشرة أشهر، بعد ثلاث محاولات سابقة، لم يكتب لها النجاح، ليس لقلة الأدلة وسوء التقديم وضعف التبرير من قبلي، بل لعدم وجود إجراءات لدى اللجنة المنبثقة عن مجلس الأمن تكفل للمدرجة أسماؤهم حق التظلم، إلى أن جرى استحداث تنظيم قبل ما يزيد على عام يضمن ذلك من خلال التقدم إلى مسؤولة المظالم. ولو دققت في القائمة للاحظت أن هناك عاملا مشتركا يجمع بيننا، وهو العمل التطوعي الإسلامي المنظم، فكلنا إما عملنا في مؤسسات تطوعية كبيرة، أو استحدثنا مؤسسات أخرى توسعت مع الوقت وانتشرت.

• وكيف تبلغت بقرار رفع اسمك من القائمة؟

عندما صدر الإعلان رسميا من الأمم المتحدة بإزالة اسمي من القائمة يوم الأربعاء قبل الماضي باشرت وزارة الداخلية مشكورة في اتخاذ عدة إجراءات محلية، وأبلغت جميع مؤسسات الدولة برفع الحظر عني، وتم التواصل مع مسؤولين في الوزارة فكانوا خير داعمين، ووعدوني بتسريع الإجراءات، وقد تم إنجازها بالكامل في نهاية الأسبوع المنصرم، وقال لي مسؤول في الداخلية «أسبوع واحد وتعود لممارسة مجريات حياتك الطبيعية كما كنت في السابق».



رعاية محمد بن نايف

• تزامن قرار إزالة اسمك مع لقاء جمع سمو وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف مع وزير الخزانة الأمريكي.. هل لذلك علاقة في تقديركم؟

حقيقة أنا أحمل لسمو الأمير محمد بن نايف تقديرا شخصيا، فضلا عن كونه مسؤولا كبيرا في الدولة، لأنه منذ اليوم الأول لهذه القضية حين كان مساعدا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، كان موقفه معنا شديد الوضوح، وأكد أنه ليس علينا أي مأخذ من قبل الدولة، بناء على تحريات أفصح عنها، وقال لنا «ستجدون منا كل الدعم الذي تستحقونه، وسنسعى جاهدين لنرفعكم من هذه القائمة» .. فأنا ليس لدي أدنى شك أنه بذل كل ما يمكن بذله وأكثر، ولا شك أننا حصدنا الآن ثمار مساعيه وكريم اهتمامه وعنايته، مع تطلعنا إلى بذل ما يحقق إزالة أسمائنا من القائمة الأمريكية، وهي قائمة أخرى غير التي في مجلس الأمن.



الهلال الأحمر على القائمة

• أشرت في إجابتك الأولى إلى الاشتباه بمؤسسات تم استحداثها.. هل تقصد بذلك لجنة البر التي أسستها؟

نعم، مثل لجنة البر، التي توسعت إلى منظمة البر الدولية لاحقا، وكذلك مؤسسة موفق الخيرية، ولا نذهب بعيدا، فحتى هيئة الهلال الأحمر السعودي عندما كانت جمعية آنذاك، صحيح أنها لم تدرج في القائمة كمؤسسة، لكن مدير مكتبها في بشاور إبان حرب أفغانستان، والذي أدار بعدها المكتب في سراييفو أثناء قضية البوسنة والهرسك أدرج اسمه في القائمة.

• ولكن لا يمكن للمتلقي أن يستوعب أن هذا العامل المشترك الذي ذكرته، وهو التطوعي الإسلامي المنظم دافع لشن حملة عليكم، وإدراج اسمكم في قائمة ممولي الإرهاب.

أنا لا أؤمن بقضية المؤامرة، وأن العالم الغربي يتآمر على العالم الإسلامي، فهذا ليس له مكان في تقديري، ولكن أعلم يقينا أن دول الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة تنتهج سياسة البرجماتية، فأين ما تكون مصلحتها الخاصة تتبعها، بغض النظر عن التجاوز الأخلاقي، فأمريكا رأت أن من مصلحتها استهداف هذه المؤسسات وهؤلاء الأشخاص، وتوقفهم بفرض الحظر عليهم.



الضربة الموجعة

• وما مصلحة دولة عظمى في استهداف شخص مثل عادل بترجي أو غيره في تقديرك؟

لا شك أن أحدث 11 سبتمبر كانت ضربة موجعة لدولة مثل الولايات المتحدة، كونها جسدت فشلا أمنيا واضحا، اعترف به مسؤولون أمريكيون، خصوصا أن المعلومات كانت جميعها متوفرة لديهم، وأدركوا أنه بعد تحليل المعطيات الاستخباراتية وجود دلائل ومؤشرات وكلمات ومراسلات متبادلة، لكن لم تتعاون حينها مؤسساتهم الأمنية في ما بينها، وبالتالي فات عليها احتواء المخطط وإفشاله، فبعد هذا الفشل الأمني أراد المسؤولون في أمريكا أن يظهروا لشعبهم ــ أولا ــ أنهم سوف ينتقمون بأية طريقة، فكانت هذه من إحدى الوسائل، إذ جمعوا أسماء متعددة من كل شق وطرف دون وجه حق، بلا أدلة ولا محاكمات، بمجرد أن طلبت الولايات المتحدة من مجلس الأمن إدراجها على قائمة ممولي الإرهاب.

• أنتم تتحدثون عن تبعات أحداث وقعت في 2001، بينما كان إدراج اسمكم في القائمة سنة 2004.

أسماء بعض السعوديين أدرجت في 2001م.

• أنا سألت عن اسمكم تحديدا وإدراجه بعد ثلاثة أعوام من الأحدث.. هل كان ذلك نتيجة بحث أو تحقيقات مثلا؟

تأخر اسمي عن بقية السعوديين لأن هنالك قضية كانت مقامة ضد منظمة البر الدولية، ومديرها، وهي منظورة لدى المحاكم، وبحكم أنني مؤسس هذه المنظمة رسميا بموجب القوانين الأمريكية تم إدراج اسمي بعد انتهاء المحاكمة.

• أثناء محاكمة مدير منظمة البد الدولية في شيكاغو وأنتم من أسسها.. ألم يكن في توقعاتكم أن ستلحقون به على قاعدة «الشر يعم» ؟

حقيقة كان إدراج اسمي في القائمة مفاجأة كبرى بالنسبة لي، ولم يكن ذلك «لا على البال ولا على الخاطر» ، لأسباب كثيرة، من أولها أنني لم أفعل شيئا خطأ، فإذا فندت الاتهامات الموجهة إلي لوجدت أنها جميعا بلا استثناء تعود لفترة تسبق أحداث 11 سبتمبر، فمثلا من الاتهامات أنني كونت لجنة البر في المملكة، ومنظمة البر الدولية في أمريكا وفروعها المنتشرة في أماكن متعددة في العالم، وذلك بغرض تمويل القاعدة، بينما إذا عدنا إلى التاريخ فإننا نجد أن ظهور اسم «القاعدة» جاء بعد 1991م، وتحديدا عقب خروج أسامة بن لادن إلى السودان، فيما بدأ نشاطي منذ 1985م.



لهذه الأسباب اخترت شيكاغو

• ولماذا اختيار أمريكا وشيكاغو تحديدا مقرا لانطلاقة منظمة خيرية دولية؟

في الولايات المتحدة جالية إسلامية كبيرة، ولي في شيكاغو معارف واسعة، وأنا درست في أمريكا، وعشت فيها، وزرتها كثيرا، وأعرف ثقافتها وفكر شعبها، وكيف تدير حكومتها شؤون البلاد، فمن أجل أن أؤسس منظمة خيرية فيها ستكون إدارتها مستحيلة، وأنا في المملكة على بعد آلاف الكيلومترات، فلا بد من إسنادها لشخص تعرفه، فكانت معارفي في شيكاغو، لذا هي انطلقت من هناك.. ثم إن التأسيس هناك سهل جدا، فأنا أوكلت محاميا، وقلت له أريد تأسيس مؤسسة خيرية بموجب النظام والقانون الأمريكي، فصاغ نظام المؤسسة، وأرسله لي للمراجعة، فاعتمدته، فتم تسجيلها رسميا، بعدها جاءت الخطوة الثانية، وهي الحصول على ترخيص من مؤسسة الضرائب الأمريكية، كي تثبت أموال المتبرعين لتحسم من الضرائب المفروضة عليهم.



معرفتي بـ «أرناؤوط»

• قالت تقارير الأمم المتحدة أن علاقتكم مع إنعام أرناؤوط بدأت من أفغانستان، ووصلت إلى شيكاغو عند تأسيس منظمة البر.. فكيف تكونت هذه العلاقة؟

أنا في الأساس رجل أعمال، ومن أسرة كل أفرادها رجال أعمال، فعندما ظهرت قضية أفغانستان في الثمانينات، واطلعت على صور ومعلومات كانت تتناقل هنا وهناك عن ما يحدث من ظلم وبطش على الشعب الأفغاني، زرت بشاور 1985م زيارة سريعة لم تتجاوز 36 ساعة، ورأيت بعيني اللاجئين وخصوصا الأيتام، وكثيرا من الأطفال المشردين جراء القصف العشوائي الذي كان يشنه الاتحاد السوفيتي، فحركت لدي مشاعر ورغبة جادة في تخفيف المعاناة، فبادرت بالعمل منفردا ومن مالي الخاص، ثم توسعت المسألة كوني لمست تعاطفا صادقا من الناس تجاه الأفغان، بحيث كانوا يدفعون بأموالهم إلي لأتبرع بها عنهم.. وأنا عندئذ نظمت هذه العمليات تماما في مكتبي، وعينت لها محاسبا ومتابعا، فعندما لم أتمكن من إدارتها وحدي اضطررت لتأسيس ما أطلقنا عليها اسم «لجنة البر»، وتأسست بصفة رسمية في المملكة، تحت جناح الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومتابعة من قبل الدولة، وتملك حسابات في البنوك المحلية، وصرنا نشعر بالاعتزاز عندما نجد كيس الدقيق وعليه شعار صوامع الغلال في قمة جبل بأفغانستان، لكن عندما ننتقل إلى أفغانستان نجدها ساحة مفتوحة، نلتقي فيها أصنافا من الناس من كل مكان، فبالمصادفة التقيت إنعام أرناؤوط، وحينها لم يكن يعمل في لجنة البر، بل يساندها في توزيع المبالغ المالية على الأيتام، فعندما أريد التجول في أفغانستان أصحبه معي لمعرفته التامة بطبيعة البلاد وتفاصيلها، فتكونت بيني وبينه صداقة وعلاقة وطيدة. وعندما انتهت القضية، وانتقل المقاتلون إلى كابول، ودب القتال فيما بينهم، فلم نؤيد ذلك واخترنا الانسحاب والعودة إلى المملكة، ولم يبق من السعوديين هناك إلا قلة. لكننا لم نعتبر قضية أفغانستان قد انتهت إلا وقد ظهرت البوسنة، ومن ثم السودان وأفريقيا.

• الملاحظ أن نشاطكم كان في المناطق التي تتحرك فيها القاعدة.

هذا السؤال طرحته على مسؤولة المظالم في مجلس الأمن، وسوف أجيبك بنفس إجابتي لها، فالبوسنة لم تدخلها القاعدة، وكان دخولي السودان قبل أن يذهب إليه أسامة بن لادن، فأنا في السودان منذ سنة 1989م، وبن لادن زارها سنة 1991م، ثم إن القاعدة استحدثت مؤخرا، بعد عودة بن لادن من أفغانستان ومكوثه في جدة بمراحل كثيرة.



علاقتي مع بن لادن

• ضمن المؤشرات التي اعتبرتها لجنة مجلس الأمن دليلا على تمويلكم القاعدة فما هي علاقتكم المتميزة مع أسامة بن لادن .. حدثنا عن حقيقة هذه العلاقة ؟.

أنا أعرف أسامة بن لادن منذ زمن بعيد ونحن في جدة، وبالفعل علاقتي معه جيدة جدا، وتنقلنا سويا داخل أفغانستان، وكان الفكر التكفيري تلك الأيام موجودا في بشاور بصورة محدودة وضعيفة، وكنا نحاربه بقوة، في جلساتنا وفي خطب الجمعة، ونحرص على أن لا يغرر بالشباب المقاتلين، خاصة صغار السن منهم، ولم يكن لدى بن لادن في تلك الفترة هذا التوجه بتاتا، وأنا أقسم على هذا، وبعد عودتنا إلى جدة، كنا نلتقي فيها كثيرا، إلى أن سافر نحو باكستان، ومنها إلى السودان سنة 1991م، فلم أره منذ أن غادر جدة نهائيا.

• وهل كان بينكما تواصل بعدها؟

أبدا، انقطعت علاقتي معه تماما.

• حتى بصفة غير مباشرة؟

لا بصفة مباشرة، ولا غير مباشرة.

• عندما علمت بنبأ مقتل بن لادن.. ما الصورة التي خطرت في بالك حينها؟

إنصافا للحق، فإن بن لادن الذي أعرفه، ليس هو بن لادن الذي أراه في الإعلام، وهذه معرفتي به.

• بن لادن ظهر صريحا بموقف لا يدعو إلى التأويل، فقد أقر بضلوع القاعدة في تفجيرات استهدفت المملكة، ووصف من أقدم على قتل الأبرياء والذميين في تفجيرات الرياض بـ«الشهداء».؟.

نعم، وهذا ما أقوله، لا أدري ما الذي غير مسار فكره وتفكيره، إذ ليس هذا بن لادن الذي كنت أعهده.