حضر أحد الزملاء الأكاديميين مناسبة ما على أنها لشاب حصل على شهادة الدكتوراة، وقبل العشاء جلس بجوار المحتفى به ودار بينهما حوار حول رسالته وأطروحته في الدكتوراة، ثم تبين له أن الأمر أسهل بكثير من أن يقدم بحثا أو رسالة علمية جادة، بل كان الأمر أعجب من ذلك حين اكتشف صاحبنا أن الدكتور المحتفى به حصل على الشهادة من دولة البحرين، عبر مكتب متعاون مع جهات أوروبية مجهولة المصدر، والأكثر غرابة أن مدة الحصول على الدكتوراة لم تتجاوز أربعة أشهر!
أسقط في يدي الأكاديمي الوقور واحتمى بالصمت، مكتفيا بابتسامات خجولة يوزعها هنا وهناك مجاملة لفلاشات التصوير والتوثيق بالفيديو لهذه المناسبة الكبيرة، وهو يرى الهدايا الثمينة، ويستمع للمعلقات الشعرية والمدائح للقيمة العلمية والمستوى الثقافي للمحتفى به، وكلمات الحضور الإطرائية مستسمنين ذوي الأورام! وكانت الملاحم التي أصمت أذنيه قد تجاوزت حدود الجانب العلمي إلى الجدارة في الحسب والنسب والاستحقاق العائلي والقيمة الاجتماعية.. تعجب من كل هذه الحفاوة بهذا الاحتفال المبالغ فيه لشهادة جاءت بنفسها تتهادى وتحبو وتركض وتعرض نفسها وتعري قيمتها الجوهرية، أخذه القلق على مستقبل الشباب العلمي من خلال هذا الابتذال لشأن العمل البحثي وتفريغه من قيمته الحقيقية وضياع هيبته من خلال استسهال الحصول على شهادة علمية دون كد بحثي أو جهد حقيقي؟
تذكر صاحبنا العمل المضني الذي بذله عندما كان يدرس الدكتوراة في جامعة معترف بها، وكيف أنه وجد دونها خرط القتاد والعناء والسهر 5 سنوات، حيث البحث وراء المعلومة والاهتمام بالمصادر والمراجع والتحليل والتحري والمقارنة والدراسة المنهجية!!
الرجل انسحب بهدوء واعتذر من صاحب الحفل عن عدم البقاء بأدب ولطافة لسبب وحيد، إنه لا يريد أن يكون شاهد زور على عمل غير نزيه ومغنم غير مستحق؟. ونحن لا نفهم سر ذلك اللهاث العجيب وراء الحصول على شهادات الدكتوراة دون تقديم الثمن الحقيقي لها، وليس من ذلك الثمن المادي المالي، ثمنها الدراسة والعلم والإلحاح على الإفادة العلمية من وراء الشهادة، وليس الإلحاح الاجتماعي الذي يؤز الناس أزا للصعود على منصة غير حقيقية وارتداء روب وقبعة التخرج في جامعة خارجية مجهولة الهوية دون دراسة، دون كد، دون عمل، دون عناء نبيل المقصد سامي الغاية.
* أن تعتقد أنك تغش العالم من حولك فأنت مخطئ؛ لإن للزمن لسانا لا يكذب ولا يجامل ولا يداهن.
للحقيقة وجه لا يمكن حجبه عن الناس، وإن تبرقع المرء بثناء مستعار، وإن تلفع بشال التزين والتجمل.
nrshdan@gmail.com
أسقط في يدي الأكاديمي الوقور واحتمى بالصمت، مكتفيا بابتسامات خجولة يوزعها هنا وهناك مجاملة لفلاشات التصوير والتوثيق بالفيديو لهذه المناسبة الكبيرة، وهو يرى الهدايا الثمينة، ويستمع للمعلقات الشعرية والمدائح للقيمة العلمية والمستوى الثقافي للمحتفى به، وكلمات الحضور الإطرائية مستسمنين ذوي الأورام! وكانت الملاحم التي أصمت أذنيه قد تجاوزت حدود الجانب العلمي إلى الجدارة في الحسب والنسب والاستحقاق العائلي والقيمة الاجتماعية.. تعجب من كل هذه الحفاوة بهذا الاحتفال المبالغ فيه لشهادة جاءت بنفسها تتهادى وتحبو وتركض وتعرض نفسها وتعري قيمتها الجوهرية، أخذه القلق على مستقبل الشباب العلمي من خلال هذا الابتذال لشأن العمل البحثي وتفريغه من قيمته الحقيقية وضياع هيبته من خلال استسهال الحصول على شهادة علمية دون كد بحثي أو جهد حقيقي؟
تذكر صاحبنا العمل المضني الذي بذله عندما كان يدرس الدكتوراة في جامعة معترف بها، وكيف أنه وجد دونها خرط القتاد والعناء والسهر 5 سنوات، حيث البحث وراء المعلومة والاهتمام بالمصادر والمراجع والتحليل والتحري والمقارنة والدراسة المنهجية!!
الرجل انسحب بهدوء واعتذر من صاحب الحفل عن عدم البقاء بأدب ولطافة لسبب وحيد، إنه لا يريد أن يكون شاهد زور على عمل غير نزيه ومغنم غير مستحق؟. ونحن لا نفهم سر ذلك اللهاث العجيب وراء الحصول على شهادات الدكتوراة دون تقديم الثمن الحقيقي لها، وليس من ذلك الثمن المادي المالي، ثمنها الدراسة والعلم والإلحاح على الإفادة العلمية من وراء الشهادة، وليس الإلحاح الاجتماعي الذي يؤز الناس أزا للصعود على منصة غير حقيقية وارتداء روب وقبعة التخرج في جامعة خارجية مجهولة الهوية دون دراسة، دون كد، دون عمل، دون عناء نبيل المقصد سامي الغاية.
* أن تعتقد أنك تغش العالم من حولك فأنت مخطئ؛ لإن للزمن لسانا لا يكذب ولا يجامل ولا يداهن.
للحقيقة وجه لا يمكن حجبه عن الناس، وإن تبرقع المرء بثناء مستعار، وإن تلفع بشال التزين والتجمل.
nrshdan@gmail.com