اعترف الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي أن المنظمة استنفدت كل جهودها لإيجاد حلول للأزمة السورية المستفحلة، بيد أنه أعرب عن أمله في أن تخرج القمة الإسلامية التي ستعقد في القاهرة بعد غد الأربعاء بموقف موحد إزاء الأزمة السورية وجميع القضايا التي تهم الأمة الإسلامية، وبشكل توافقي يخدم تعزيز التضامن الإسلامي. وأوضح إحسان أوغلي في حوار أجرته معه «عكاظ»: «يجب أن ندرك أن العجز البادي في معالجة الأزمة السورية هو امتداد للعجز الدولي بشكل عام».
وأفاد أن القضية الفلسطينية وبخاصة مسألة تهويد القدس، والاستيطان، وأزمة مالي وملف مسلمي الروهينغيا، والإسلاموفوبيا، ستكون من القضايا الأساسية التي ستكون محور البحث في قمة القاهرة. وفيما يلي نص الحوار:
• في البداية ما أبرز القضايا التي ستكون محور اهتمام القادة في قمة القاهرة الإسلامية؟
ستكون عدد من القضايا الساخنة مطروحة على جدول الأعمال خاصة الملف السوري الذي يعاني تداعيات دموية لها انعكاساتها السلبية على المنطقة بشكل عام.
لكن يجب أن نعرف بأن قمة منظمة التعاون تعتبر أرفع اجتماع فيها، يحضرها الملوك والأمراء ورؤساء الدول، ومن المؤكد أن قراراتها لها أهمية تتجاوز الاجتماعات الدورية العادية التي تعقدها المنظمة إن كان ذلك على مستوى وزراء الخارجية أو الاجتماعات الأخرى. كما ستبحث القمة في هذا الظرف الحساس من تاريخ الأمة الإسلامية، جملة من القضايا الهامة التي تحتاج إلى موقف إسلامي موحد، وقد يكون أبرزها القضية الفلسطينية وبخاصة مسألة تهويد القدس والاستيطان، كما ستبحث قضايا هامة مثل قضية مالي وملف مسلمي الروهينغيا ومسألة ما يعرف بالإسلاموفوبيا، كما أن القمة تعقد فيما بعد التطورات التي شهدتها العديد من الدول الأعضاء، وكذلك مصر، الدولة المضيفة، وهي تطورات إيجابية أسفرت عن قيام أنظمة ديمقراطية تشهد تطبيقا لما ينادي به ميثاق المنظمة من ديمقراطية وتداول سلطة واحترام حقوق الإنسان.
• هل هناك أفكار جديدة ستطرحها المنظمة في قمة القاهرة لتفعيل آليات عمل المنظمة وتعجيل تنفيذ القرارات الصادرة منها ؟
بالفعل هناك جملة من الإجراءات والقرارات التي اتخذت من أجل تفعيل قرارات المنظمة وبخاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية، وإجماع الدول ضمن مواقف المنظمة الداعمة للقضية الفلسطينية والحقوق المشروعة في الحرية وإقامة الدولة المستقلة. هذا فضلا عن الإجراءات التي حرصنا على تطبيقها في أعمال القمة في سبيل تقنين القرارات، والخروج بجملة من القرارات القابلة للتنفيذ، مع الحرص على عدم تكرارها.
• هل تم تحديد شعار القمة وهل طرحت مصر الدولة المضيفة للقمة أفكارا ورؤى لتفعيل العمل الإسلامي المشترك ؟
عنوان القمة يتمثل في (التحديات المستقبلية والفرص المتنامية في العالم الإسلامي)، أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، بالتأكيد لدى كل الدول الأعضاء رأيها، والذي يتم بحثه في الاجتماعات التمهيدية للقمة، والخروج بموقف موحد إزاء كل القضايا، وبشكل توافقي يخدم هدف المنظمة في التضامن، والعمل الإسلامي المشترك.
• كيف تقيمون التجاوب مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين المذاهب الإسلامية؟
لقيت المبادرة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ترحيبا وحفاوة كبيرة وسط الدول الأعضاء خلال انعقاد القمة الإسلامية في مكة، وهي خطوة كبيرة تخدم أهداف المنظمة في التقريب بين المذاهب، خاصة وأن المنظمة كان لها جهودا في العراق أثمرت عما يعرفه الجميع بوثيقة مكة والتي كان لها الأثر الأكبر في درء فتنة طائفية كادت تعصف بذلك البلد قبل سنوات.
وأنا متأكد أن المركز سيعزز هذه الجهود، ويتوجها، ويدفع بالعمل الإسلامي المشترك إلى الأمام.
• إلى أي مدى ترون أن مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان قد حققت أهدافها وما الجهود التي بذلتها المنظمة لتعزيز هذه المبادرة ؟
ما من شك أن المبادرة قد أتت في وقت يعد العالم في أمس الحاجة إلى حوار يقرب بين الحضارات في ظل اختلاط الصور، وظهور بعضها على غير حقيقته، وتشويه الدين الإسلامي الحنيف في وسائل الإعلام، الأمر الذي يحتاج إلى وقفة جادة لإبراز المعنى الحقيقي والسامي للإسلام.
إن مبادرة خادم الحرمين الشريفين تؤكد مجددا حرصه على وضع الأسس السليمة والعقلانية للحوار الذي يمهد للسلام العالمي، ونحن في المنظمة باركنا هذه الخطوة، وأكدنا أهميتها، وضرورة دعمها وتعزيز هذا النهج، وهو بالفعل ما تقوم به المنظمة استرسالا من خلال العديد من الأنشطة، والمبادرات التي ربما كانت اجتماعات وتيرة اسطنبول، وأعتقد أن هذه الاجتماعات تمثل حلقة حوارية هامة في ضرورة الوصول إلى تفاهم مشترك إزاء الآليات والإجراءات الواجب اتخاذها لتفادي سوء الفهم والصور المغلوطة بين الجانبين.
• كيف تقيمون عجز العالم الإسلامي عن اتخاذ قرارات مصيرية حيال الأزمة السورية وما هي مقترحاتكم لمعالجتها ؟
أعتقد أن الحل السياسي يظل هو الخيار الوحيد المطروح على الساحة، مهما احتدمت الأوضاع الأمنية في سورية، وهو المخرج الوحيد للأزمة، والبدائل ستكون مرعبة ولها تأثيرات سلبية على المنطقة برمتها.
ولقد جهدت المنظمة ومنذ اليوم الأول لتأكيد موقفها المؤيد لتطلعات الشعب السوري، نحو الحرية والديمقراطية والكرامة، وطالبنا القيادة السورية في كل بياناتنا التي أكدت موقفنا الثابت بضرورة تلبية هذه التطلعات، وإجراء الإصلاحات الضرورية في باكورة الأزمة، وبادرنا بإرسال مبعوث خاص إلى القيادة السورية، والذي لم يلق أذنا صاغية، وعقدنا اجتماعين طارئين على مستوى اللجنة التنفيذية لوزراء الخارجية، وبحثت قمة مكة المكرمة الاستثنائية الأزمة، وأقرت تجميد عضوية سورية لعدم تلبيتها المطالب، والقرارات الصادرة عن الاجتماعين السابقين وأكدت موقف المنظمة المؤيد لمطالب السوريين في الديمقراطية وتداول السلطة .. واليوم تبحث القمة الإسلامية العادية في القاهرة الشأن السوري، أخذا في الاعتبار التطورات الجارية هناك، ونأمل الخروج بموقف قوي إزاء الأزمة.
لقد استنفدت المنظمة كافة أدواتها في معالجة الأزمة السورية، ولم تؤل جهدا في تقديم كل ما يمكنها لإيجاد حل سلمي، ودعمت مبادرة المبعوثين الأمميين عنان والحالي الإبراهيمي في جهودهما لإيجاد حل للأزمة. وأجدد تحذيري من أن جمود الوضع الدولي تجاه الأحداث هناك قد ينعكس سلبا على الصعيد الإقليمي، وهو أمر لا نحبذه بالمطلق.
ويجب أن ندرك أن العجز البادي في معالجة الأزمة السورية، هو امتداد للعجز الدولي بشكل عام، وقد كررت أكثر من مرة بأن المجتمع الدولي غير متفق على ما يجب فعله في سورية، في مقابل إجماع على ما لا يجب فعله هناك .. وهنا تكمن العقدة.
• لماذا غابت أزمة مالي عن المنظمة ؟
بالعكس المنظمة موجودة في الأزمة من قبل تفاقمها، وقد قامت المنظمة بإرسال وفود إلى منطقة الساحل قبل أشهر من تفاقم الوضع العسكري في مالي، وواكبت تلك الزيارة جهودا حثيثة من قبل المنظمة لإطلاق حوار لرأب الصدع، والحيلولة دون وصول الوضع إلى ما هو عليه اليوم وترافقت جهودنا بإرسال وفد إنساني لدراسة الأوضاع المتردية في منطقة الساحل بشكل عام ومالي بشكل خاص.
ومؤخرا عينت وزير خارجية بوركينا فاسو، جبريل باسولي، مبعوثا خاصا لي إلى الأزمة في مالي، والقمة الإسلامية في القاهرة سوف تخصص مساحة واسعة للنقاش، وبحث أوجه المساعدة والمساهمة التي يمكن أن تقدمها المنظمة في الفترة المقبلة لصالح احتواء الأزمة هناك.
• ما يزال الاحتلال الإسرائيلي يشكل تهديدا للمقدسات في القدس، ما هو تصوركم لتعامل القمة مع الصراع العربي الإسرائيلي؟
سوف تتسم القمة بطريقة مغايرة في معالجة القضايا المصيرية التي تبحثها، والمسألة الفلسطينية على رأس أولويات المنظمة .. والقمة التي تتخذ من (التحديات المستقبلية والفرص المتنامية) عنوانا لها سوف تركز مناصفة مع هذا العنوان على قضية الاستيطان الإسرائيلي، وسوف يتم العمل على اتخاذ موقف واضح وعملية إزاء هذه المسألة التي تضع عقبات كبرى أمام حلم الدولة الفلسطينية.
وفي مقابل هذا التحرك الذي سوف تشهده القمة هناك تحركات أخرى، وقرارات من شأنها أن تضمن تدابير لرص الصف الإسلامي، وتدعيمه بغية دعم الحقوق الفلسطينية، ليس نظريا كما تشهده جلسات القمم، بل وبأسلوب عملي يضمن التطبيق اللاحق لهذه القرارات.
وعلى صعيد دعم الحقوق الوطنية الفلسطينية لعبت المنظمة دورا محوريا في دعم مسعى توسيع دائرة الاعتراف الدولي بفلسطين، والتصويت في الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، حيث صوتت 53 دولة عضو بالمنظمة لصالح عضوية فلسطين دولة غير عضو ـ مراقب. كما كان للجهد الذي بذلته المنظمة أثرا إيجابيا انعكس في انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو وهو الأمر الذي نعده إنجازا مهما ما كان ليتحقق لولا وحدة الجهد الإسلامي ودقة تنسيقه.
• القضية الفلسطينية كانت الأساس في نشوء منظمة التعاون ماذا فعلت المنطمة بشأنها ؟
تشكل قضية فلسطين والقدس الشريف عصب اهتمامنا، وتتربع على جدول أعمال المنظمة منذ إنشائها في أعقاب الحريق الآثم الذي تعرض له المسجد الأقصى، وقد كثفت المنظمة في الفترة الأخيرة من جهودها لدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية ولحماية مدينة القدس في ضوء اشتداد الهجمة الإسرائيلية الهادفة لتهويدها.
أما على صعيد دعم القدس، فإن مختلف المؤسسات والأجهزة المنضوية في إطار المنظمة تقوم كل في مجال اختصاصها بكل ما تستطيع للحفاظ على المدينة المقدسة، بالإضافة إلى ما يقوم به البنك الإسلامي للتنمية الذي يعمل حاليا على تمويل عدد من المشاريع في القطاعات الحيوية التي تحتاجها المدينة المقدسة للوقوف في وجه محاولات التهويد والأسرلة التي تعرض لها.
إن ما يتم تقديمه للقدس يعد ضئيلا جدا بالقياس للاحتياجات الفعلية للمدينة المقدسة. إن أكثر ما تحتاجه القدس هذه الأيام هو تكاتف الجهود لدعم أهلها ومؤسساتها لتمكينها من التصدي لمحاولات تهويدها وتغير هويتها الأصيلة.
• ما هي مقترحاتكم للارتقاء بأداء منظمة التعاون ؟
لا يمكن الإحاطة بقائمة الإنجازات والأنشطة التي قامت بها المنظمة منذ بدأنا عملية الإصلاح فهي طويلة ومتفرعة، لكن دعني أقول إننا نجحنا في ارتقاء مكانة تتلاءم وحجم المنظمة التي تعد ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، هذا بالإضافة إلى الثقة الدولية التي ترجمتها شراكات عقدناها مؤخرا مع الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، فضلا عن مأسسة العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، وبريطانيا والصين وروسيا ودول تسعى بجدية لنيل عضوية المراقب في المنظمة. لقد أصبح للمنظمة كلمة مسموعة في المجتمع الدولي، وأصبح لها ثقل في أروقة الجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان الدولي، واليونيسكو وكثير من المنظمات الدولية. باختصار أصبحت منظمة التعاون لاعبا دوليا فاعلا وهاما، وأعتقد أن المرآة الإعلامية تعكس ذلك بوضوح.
وتظل هناك العديد من التحديات، تتمحور في أهمية أن تستكمل الدول الأعضاء التصديق والتوقيع على الاتفاقيات التجارية، ولوائح الإجراءات لمنظمات متفرعة عن المنظمة، ودعم تأسيس وحدات وإدارات جديدة وضرورية لعمل المنظمة .. فالعمل في (التعاون الإسلامي) الذي يتكون من 57 دولة عضو من أربع قارات، يجري بتؤدة، وطريقة تشوبها بعض البيروقراطية التي تحد من سرعة تطورها بالشكل الذي يواكب المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم.
وأعتقد أنه لو تم تجاوز هذه الإجراءات الطويلة والمعقدة، والتي يتصل كثير منها بضرورة موافقة البرلمانات والمجالس التشريعية في الدول الأعضاء، فإن المنظمة ستكون قادرة على تعزيز عملها، والنهوض به بالصورة التي تلبي تطلعات الشعوب المسلمة وأكثر.
أنا متفائل بمستقبل المنظمة، وأعتقد أنها استطاعت على مدى السنوات الماضية، أن تقف على ساقين قويتين تمكنها من الاستمرار والصمود، وتكتسب ثقة الدول الأعضاء، وقمة القاهرة دليل على ذلك، حين نعرف أن القيادة المصرية الجديدة كانت حريصة على عقدها رغم الظروف التي تمر بها، ولم ذلك ليتحقق لولا قناعة مصر بأهمية المنظمة، ودورها. لقد وضعت المنظمة لنفسها برنامجا عشريا ينتهي في عام 2015، ورفدت عملها بميثاق جديد يكفل لها مبادئ جديدة، تتلاءم ولغة العصر، وأعتقد أن استمرارية هذه الروح التي اكتسبتها سوف تدعمها إلى القيام بالمزيد، والتغلب على التحديات التي تواجهها.