رها حسن محرق، بنت بلدة العالية في جازان، اتخذت من اسم قريتها منصة انطلاق «عالية» لتصعد إلى أعلى القمم في جبال الهملايا والقطب الجنوبي وجبال أوروبا. اختارت الفتاة السعودية طريقا وعرا وسجلت اسمها كأول سعودية تصل إلى قمم الجبال العاليات لتحقق حلم طفولتها باكتشاف العالم، ودفعها تصميمها وإرادتها كي تصبح أول سعودية وثاني عربية تصعد إلى قمة جبل فنسون ماسف في القطب الجنوبي، وهي أول سعودية تعتلي قمة جبل «البروس» في روسيا (أعلى جبل في قارة أوروبا)، والآن في طريقها لتصبح أول سعودية أيضا تصعد أعلى قمة في أمريكا الجنوبية في جبل (أكونكاجوا) في الأرجنتين.
«عكاظ» حاورت الشابة «رها» لتتعرف على سر تعلقها بالجبال والقمم العالية وتجاربها قبل توجهها في مهمة جديدة لصعود قمة أخرى.
• من هي رها؟.
اسمي رها حسن محرق من مواليد قرية العالية في جازان ومتخرجة من الجامعة الأمريكية في الشارقة قسم تصميم وتصوير.
الوالد يتحفظ ويوافق
• تسلق الجبال رياضة صعبة وشاقة، كيف كانت بدايتك؟ ولماذ الإصرار على تسلق المخاطر؟.
منذ طفولتي أعشق المغامرة. والدي كان يقول لي إن اسمي مناقض لشخصيتي، كان العائق الأول هو إقناع عائلتي بهوايتي وطلبت من والدي بأن يسمح لي بالذهاب إلى أفريقيا لأسبوعين وتسلق أعلى القمم هناك.
وأتذكر أنه أجاب بمشيئة الله بعد سنوات سأفكر في هذا الموضوع!، لكن تفهم والدي وعائلتي إضافة إلى إصراري جعل الأمر يمر بنجاح، وكانت بداية الموضوع بالنسبة لي حين كنت مجتمعة بصديقات يتحدثن عن الفتيات السعوديات والرياضة، ومعنا فتاة ذهبت في وقت سابق إلى جبل (كليمانجارو) في أفريقيا وقالت إن أي فتاة سعودية لن تصل إلى ماوصلت هي إليه. ومن ذلك الوقت اختمرت الفكرة في رأسي وقررت المغامرة.
• من حفزك على هواية تسلق الجبال؟ أفلام وثائقية أم قراءتك لتجارب شخصية؟.
طوال حياتي أعشق المغامرة بكل أنواعها، وبدأ الأمر كعناد وتحد لأثبت لنفسي مدى قدرتي على الإنجاز حتى لو كان الأمر في غاية الصعوبة.
• تسلق الجبال يحتاج إلى قوة جسدية وبدنية، كيف تغلبتي على المشكلة؟ وما نوعية التمارين التي خضعتي لها؟.
القوة الجسدية تمثل 50% فيما يلعب الإصرار والعزيمة الدور الأهم مهما حاولت تأهيل جسدك وعضلاتك ستصل إلى حد يصبح الجسد غير قادر على التحمل، فالجانبان الذهني والنفسي في غاية الأهمية. خضعت لتمارين جسدية مكثفة للأقدام وعلى مستوى الركبة والعضلات لتقويتها حتى تتحمل مزيدا من الضغط والألم لأن جهد السير في الرحلة والتسلق مضنيان ويحتاجان نفسا كبيرا وهو ما تحققه بعض من الرياضات التي أحرص عليها كالسباحة وركوب الخيل.
الوصول إلى القمم
• كيف كان الترتيب والإعداد للرحلة الأولى؟.
كانت لي معرفة وصداقة مع فريق من الأصدقاء ساعدوني للدخول في تفاصيل الرحلة. وكانت أولى الرحلات إلى جبل (كليمانجارو) في أفريقيا الذي يبلغ ارتفاعه 5895 مترا فوق سطح البحر وهي أول تجربة لي.
• مثل هذه الرحلات، كيف تتم بشكل فردي أو مع فريق جماعي؟، ما هي الجبال والمرتفعات التي صعدتي إلى أعلاها حتى الآن؟.
رحلاتي تعد بالتنسيق مع فريق استكشافي، وهناك تدريبات على مستوى عال نخضع لها للوصول إلى أعلى مستوى من الجاهزية، ويتواجد معنا عدد من الأشخاص من جنسيات مختلفة شبابا وفتيات يحلمون بتسلق الجبال والوصول إلى قممها. وصلت إلى أعلى جبل في قارة أوروبا وهو (البروس) في روسيا ويبلغ ارتفاعه أكثر من 5600 متر، كما تسلقت مع عدد من الفتيات السعوديات قاعدة جبل إيفرست التي يبلغ ارتفاعها 5364 متر، وخضت دورات تدريبية في جبلين بالمكسيك هما (استاسيواتل) بعلو 6230 مترا و(بيكوأوريزانا) بارتفاع 5536 مترا ليساعدني ذلك في التأهيل للوصول إلى رحلتي نحو القطب الجنوبي، كما وصلت إلى قمة جبل (كلابافار) الذي يقع في الهمالايا بارتفاع أكثر من 5500 متر.
حمل ثقيل على الظهر
•ماذا عن رحلتك المثيرة إلى القطب الجنوبي خاصة أنك أول فتاة سعودية تصلين إلى هناك؟ كيف كانت، وما المواقف التي صادفتك؟.
الرحلة إلى القطب الجنوبي كانت صعبة لكني عزمت على تسلق الجبل الشاهق الموحش، المشكلة الكبيرة التي واجهتني تمثلت في الأمتعة التي أحملها، عكس رحلات جبل كليمانجارو فهناك من يتولى حمل الأمتعة نيابة عن المتسلق، وفي القطب الجنوبي يحمل المستلق أمتعته بنفسه. بدأنا مع مجموعة من الأصدقاء في تسلق جبل (فنسون ماسف) وكنت أحمل حقيبة وزنها 18 كيلوغراما مع معدات على الظهر فضلا عن الأطعمة وحقيبة أخرى بأوزان تصل إلى 20 كيلوغراما كما أن لبس التسلق نفسه مكون من أربعة طبقات لمواجهة الطقس البارد وحذاء كبير مزروع له بأشواك للتثبيت. مضيت بين الصخور والمنحدرات ومختلف التعرجات وسط ظروف مناخية باردة ورياح عنيفة وجافة تتسبب في حجب الرؤية وتشقق الوجه، المشكلة الكبرى تكمن في رحلة العودة إلى الأسفل حيث يكون الوضع صعبا وتتحمل القدم والركبة ضغطا رهيبا.
علم السعودية في القمة
• صفي لنا قصة وصولك إلى أعلى قمة في القطب الجنوبي ماذا فعلتي وكيف تعاملتي مع إنجازك؟.
عندما صعدت إلى القمة رأيت الثلج في كل مكان على امتداد البصر، رأيت انحناء الأرض، لا أستطيع أن أصف مشاعري وهذا الشعور يجعلني أغامر لأصعد على قمم كل قارات العالم، وكنت فخورة جدا وأنا أرفع علم بلادي السعودية في أعلى القمم.
• ما هي المخاطر التي واجهتك أثناء رحلاتك هل شعرتي بلحظة ندم على تسلقك الجبال؟
لحظات الخطر موجودة. رأيت بعيني أناسا يموتون وبالرغم من ذلك لم تنثن عزيمتي عن المواصلة والصعود إلى القمة، وفي القطب الجنوبي لم نكن نتحدث مع بعضنا أثناء الصعود إلى الجبل بسبب الإرهاق الجسدي الكبير والأحمال الثقيلة والطقس البارد خاصة أن رحلة الصعود تستغرق أكثر من عشر ساعات، ما كان يزعجني هو انقطاع الاتصالات، بسبب مصاعب الرحلة كنت لا أتواصل مع عائلتي هاتفيا إلا بعد أيام ما يقلقهم كثيرا على سلامتي.
• الاستعدادات لرحلات التسلق هل كانت تمر بسهولة؟.
العكس تماما، هناك الكثير من المصاعب مثل المتطلبات اللازمة، فحين كنت أود تسلق جبل فنسون في القطب الجنوبي أخبروني بضرورة التدرب أولا عن طريق تسلق جبلين في المكسيك كعملية تأهيلية للصعود إلى هناك وكان المدرب قاسيا في التعامل معنا في التدريبات حتى لا يشترك بالرحلة غير المؤهلين والمتدربين بشكل جيد.
• هواياتك خارج إطار الرياضة، هل أنت راضية عن نفسك؟.
أهوى جمع الكاميرات وعدسات التصوير وأحتفظ بواحدة عمرها أكثر من خمسين عاما ولا تزال تعمل حتى الآن، وأطمح على المستوى الشخصي أن أعد معرضا لأعمالي، أشعر بأنني راضية عن نفسي فأنا في كل مرحلة أرسم هدفا ثم أسعى لتحقيقه.
• هل تسعين إلى كتابة مذكراتك عن رحلاتك إلى قمم الجبال؟.
للأمانة، والدي دائما يطالبني بأن أكتب يومياتي ومذكراتي حتى يستفيد منها من يطلع عليها ويكون ذلك توثيقا لرحلاتي. كنت أكتب عن بعض التفاصيل أثناء الرحلات وأحيانا لا أستطيع.
• ما هي خططك المقبلة؟.
بعد نهاية حواري الآن، سأتوجه إلى المطار في طريقي إلى الأرجنتين استعدادا لصعود قمة جبل (أكونكاجوا) ولدي مخطط في اللصعود إلى أعلى قمة جبل إيفرست في الأشهر الأربعة المقبلة.