بالغ الرئيس الأمريكي في تركيز اهتمامه على اثنتين من أصل ثلاث دول وصفها بأنها تشكّل «محور الشر» لا تملكان أسلحة نووية، فيما أهمل الثالثة التي تمتلكها بالفعل.
وأنا متأكد من أن «كوريا الشمالية لديها سلاح نووي»، تمثل فشلاً ذريعاً للدبلوماسية الأمريكية. ولكي نكون منصفين، لابد من القول إن أشد الدبلوماسيين مهارة وذكاءً في العالم ما كانوا لينجحوا في ردع الكوريين الشماليين عن مساعيهم للحصول على أسلحة نووية، لكن المؤكد هو أن أسلوب الرئيس بوش «المتعنّت» و«الخشبي» في الدبلوماسية، قد شكّل ضمانة لكوريا الشمالية في عملية تطويرها للأسلحة النووية.
فهو الذي ضمّ كوريا الشمالية إلى توصيفاته عن «دول محور الشر» مقلداً بذلك عبارة كان يرددها دائماً «ديفيد فروم» من المحافظين الجدد المتشددين. ولم يكتفِ بوش بذلك، بل سارع إلى الإعلان عن سياسة أمريكا على صعيد «الحروب الاستباقية» وإلى إبلاغ العالم بأسره قائلاً: «أنتم إما معنا، وإما ضدّنا».
ثم أقدم على شن حربين استباقيتين في أفغانستان والعراق، ومع أنه لا يزال يتخبّط في وحول هاتين الدولتين، بادر إلى شن حرب كلامية ضد إيران، وفي الوقت عينه، تراجع مستوى مفاوضاته المزعومة مع كوريا الشمالية، إلى مجرد إطلاق التهديدات، والمطالبات.
وهنا أتساءل: لو كنت «قائد» كوريا الشمالية، فما الذي كنت تستخلصه؟ إن الخلاصة المنطقية هي أن الولايات المتحدة تخطط حتماً لمهاجمة كوريا الشمالية. والرادع الأفضل ضد هذا الأمر هو امتلاك أسلحة نووية. إن الزعيم الكوري الشمالي قد يكون فظاً، لكنه ليس غبياً. إن الدبلوماسية ليست «بيولوجيا خلوية» إنها مجرد عملية تفاوضية، وأول خطأ ارتكبه بوش، كان إشراكه اليابان في المفاوضات، فمن المعروف أن الكوريين الشماليين والجنوبيين، على السواء، يكرهون اليابان، نتيجة لاحتلالها الوحشي لشبه الجزيرة الكورية طوال نصف قرن من الزمن. وكان الأجدر ببوش أن يطلب من اليابان، البقاء بعيدة عن عملية التفاوض.
أما روسيا والصين وكوريا الجنوبية، فهي الدول الثلاث الأكثر نفوذاً وتأثيراً على كوريا الشمالية، ولذلك، كان من المفروض على الرئيس بوش أن يعرض على الكوريين الشماليين، سلة من المحفزات والمغريات، بالتعاون الوثيق مع هذه الدول. لكنه، بدلاً من ذلك رفض كل شيء طالبوا به، مثل التفاوض الثنائي، وتقديم ضمانة أمنية، واكتفى فقط بعرض العضلات وتوجيه التهديدات.
إن الرئيس بوش لن يستطيع فعل أي شيء، بعد أن اكتشف الكوريون الشماليون محاولاته الخداعية، وكوريا الشمالية، حتى بدون أسلحة نووية، هي تنين صغير له أسنان حادة للغاية. ولذلك فإن أي هجوم عليها من شأنه أن يُسفر عن حمام دم يذهب ضحيته عشرات أو مئات الألوف من الناس.
وإذا كان التاريخ يعلّمنا أن الرؤساء والقادة الأذكياء والحكماء، هم الذين يأخذون القرارات الجيدة، التي تنجم عنها أمور مفيدة، فإن مشكلتنا هي أننا نحن اخترنا رئيساً ليس ذكياً جداً في ما يتعلق بالشؤون الخارجية، ولا يحفل بها حتى.
وبدلاً من أن يختار فريقاً من المستشارين الحكماء، أحاط نفسه بأيديولوجيين من المحافظين الجدد، الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة تستطيع «إكراه» باقي دول العالم، على تنفيذ ما يريدونه منها أن تفعل.
* كاتب أمريكي
ترجمة: جوزيف حرب
وأنا متأكد من أن «كوريا الشمالية لديها سلاح نووي»، تمثل فشلاً ذريعاً للدبلوماسية الأمريكية. ولكي نكون منصفين، لابد من القول إن أشد الدبلوماسيين مهارة وذكاءً في العالم ما كانوا لينجحوا في ردع الكوريين الشماليين عن مساعيهم للحصول على أسلحة نووية، لكن المؤكد هو أن أسلوب الرئيس بوش «المتعنّت» و«الخشبي» في الدبلوماسية، قد شكّل ضمانة لكوريا الشمالية في عملية تطويرها للأسلحة النووية.
فهو الذي ضمّ كوريا الشمالية إلى توصيفاته عن «دول محور الشر» مقلداً بذلك عبارة كان يرددها دائماً «ديفيد فروم» من المحافظين الجدد المتشددين. ولم يكتفِ بوش بذلك، بل سارع إلى الإعلان عن سياسة أمريكا على صعيد «الحروب الاستباقية» وإلى إبلاغ العالم بأسره قائلاً: «أنتم إما معنا، وإما ضدّنا».
ثم أقدم على شن حربين استباقيتين في أفغانستان والعراق، ومع أنه لا يزال يتخبّط في وحول هاتين الدولتين، بادر إلى شن حرب كلامية ضد إيران، وفي الوقت عينه، تراجع مستوى مفاوضاته المزعومة مع كوريا الشمالية، إلى مجرد إطلاق التهديدات، والمطالبات.
وهنا أتساءل: لو كنت «قائد» كوريا الشمالية، فما الذي كنت تستخلصه؟ إن الخلاصة المنطقية هي أن الولايات المتحدة تخطط حتماً لمهاجمة كوريا الشمالية. والرادع الأفضل ضد هذا الأمر هو امتلاك أسلحة نووية. إن الزعيم الكوري الشمالي قد يكون فظاً، لكنه ليس غبياً. إن الدبلوماسية ليست «بيولوجيا خلوية» إنها مجرد عملية تفاوضية، وأول خطأ ارتكبه بوش، كان إشراكه اليابان في المفاوضات، فمن المعروف أن الكوريين الشماليين والجنوبيين، على السواء، يكرهون اليابان، نتيجة لاحتلالها الوحشي لشبه الجزيرة الكورية طوال نصف قرن من الزمن. وكان الأجدر ببوش أن يطلب من اليابان، البقاء بعيدة عن عملية التفاوض.
أما روسيا والصين وكوريا الجنوبية، فهي الدول الثلاث الأكثر نفوذاً وتأثيراً على كوريا الشمالية، ولذلك، كان من المفروض على الرئيس بوش أن يعرض على الكوريين الشماليين، سلة من المحفزات والمغريات، بالتعاون الوثيق مع هذه الدول. لكنه، بدلاً من ذلك رفض كل شيء طالبوا به، مثل التفاوض الثنائي، وتقديم ضمانة أمنية، واكتفى فقط بعرض العضلات وتوجيه التهديدات.
إن الرئيس بوش لن يستطيع فعل أي شيء، بعد أن اكتشف الكوريون الشماليون محاولاته الخداعية، وكوريا الشمالية، حتى بدون أسلحة نووية، هي تنين صغير له أسنان حادة للغاية. ولذلك فإن أي هجوم عليها من شأنه أن يُسفر عن حمام دم يذهب ضحيته عشرات أو مئات الألوف من الناس.
وإذا كان التاريخ يعلّمنا أن الرؤساء والقادة الأذكياء والحكماء، هم الذين يأخذون القرارات الجيدة، التي تنجم عنها أمور مفيدة، فإن مشكلتنا هي أننا نحن اخترنا رئيساً ليس ذكياً جداً في ما يتعلق بالشؤون الخارجية، ولا يحفل بها حتى.
وبدلاً من أن يختار فريقاً من المستشارين الحكماء، أحاط نفسه بأيديولوجيين من المحافظين الجدد، الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة تستطيع «إكراه» باقي دول العالم، على تنفيذ ما يريدونه منها أن تفعل.
* كاتب أمريكي
ترجمة: جوزيف حرب