مع أن هناك من يقيم تصوره على مصير التيارات والمذاهب الفكرية على تقدير اتجاه سيرها وأبعادها، إلا أن تغيير الأحداث يغير من تلك التقديرات في اتجاه غير متوقع لتلك التيارات والمذاهب.
وثمة طرق مختلفة لاعتناق تلك المذاهب والتيارات من معتنقيها، إما لأنها إلهية التنزيل، أو فكرية الاستقاء، أو فلسفية الدراسة، وربما استوقفت انتباه الكثيرين المتخصصين وغيرهم، فصبغ بعضها بطابع عقدي وأخرى بطابع عقلاني.. «وللناس فيما يعشقون مذاهب».
سيادة وعروبة
يناضل «الأحواز» من أجل تحرير الإنسان والأرض الأحوازية والعودة إلى «العروبة» بدولة عربية مستقلة عن إيران، وكسب الاعتراف الدولي بحقه في استرجاع سيادته واستقلاله وحقوقه والعيش بكرامة وحرية، وبناء الدولة العربية الأحوازية على أساس نظام جمهوري برلماني ديمقراطي على أرض الأحواز.
فمنذ ما يزيد على ثمانية عقود، وتحديدا عام 1925م، تحول الشعب العربي الأحوازي من سيد على نفسه إلى مستبعد من السيادة بقوة السلاح من قبل الاحتلال الفارسي لمنطقة الأحواز كما يذكر الكتاب الأحوازيون، فظهرت العديد من حركات التحرير؛ لإيمان أبنائها بأن النضال الثوري والجماهيري هو الطريق الوحيد لاسترجاع الأرض والسيادة والحقوق المغتصبة، وأصبح النضال لدى أبناء «الأحواز» عقيدة راسخة ومواصلة الثورة لتحرير بلادهم وإقامة الدولة الأحوازية العربية المستقلة.
ويدين شعب الأحواز بـ«الإسلام»، ويتحدثون «العربية» وهي اللغة الرسمية والوحيدة، ومساحة أرضهم 375 ألف متر مربع، وعدد سكانها نحو ثمانية ملايين نسمة، كان 99 في المائة من أصل السكان عربا، ولكن النسبة اختلفت فأصبحت 95 في المائة من العرب والخمسة في المائة الباقية من الفرس والقوميات الأخرى.
ونقصت نسبة العرب في «الأحواز» كما يذكر بعض مؤرخي ومثقفي الأحواز الذين أرجعوا ذلك إلى سياسة إيران في تشجيع الإيرانيين إلى الهجرة إلى إقليم «الأحواز» والاستيطان فيه، وتهجير السكان العرب الأصليين منه؛ لإضفاء الصبغة الفارسية على الأحوازيين وطمس الهوية العربية.
مقاومة أحوازية
وأفصح بعض من أبناء الأحواز أنهم عانوا من الحرمان والتفقير والإهانة والإذلال، وكان آباؤهم أجبروا منذ بداية الاحتلال على إضافة أسماء فارسية لألقابهم بعد إلغاء الألقاب العربية ضمن سياسة «التفريس» (أي جعل كل شيء فارسيا) للمنطقة وطمس الهوية القومية للشعب الأحوازي، وفرض اللغة الفارسية في المرافق التعليمية والدوائر الرسمية، وتغيير أسماء المدن والقرى والأحياء العربية إلى «الفارسية»، ومنع ارتداء الزي العربي وتسمية المواليد بأسماء عربية، وتنفيذ المشروعات الاستيطانية وبناء المستوطنات ومنح ساكنيها من الإيرانيين امتيازات السكن والوظيفة والرفاهية والخدمات المتنوعة على حساب الشعب الأحوازي، وفي المقابل تهجير العرب من أراضيهم، وممارسة الإبادة الجماعية بحقهم، ونهب ثروات أبناء الأحواز وخيراتهم وحرمانهم منها، ومصادرة الأراضي الزراعية بحجة تنفيذ مشاريع حكومية.
وتعمل الحركات النضالية الأحوازية في عدة اتجاهات، منها: العمل على المقاومة بكل أشكالها الشرعية من ضمنها الكفاح المسلح الذي كفلته القوانين الشرعية والوضعية بما فيها ميثاق الأمم المتحدة والجامعة العربية، والعمل الميداني على تنظيم الشارع الأحوازي لتأخذ الانتفاضات الشعبية منحاها المنظم والخروج من العفوية، والعمل السياسي عربيا ودوليا لكسب الرأي العام الدولي لصالح القضية الأحوازية من خلال الاتصال بالمنظمات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية والمؤسسات التابعة لها والدول الفاعلة والمناصرة لقضايا الشعوب المضطهدة لشرح القضية الأحوازية وأبعادها، والعمل الإعلامي بمد الجسور مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية لإيصال الصوت الأحوازي والتعريف بقضيته وبث الوعي الثوري والشعور الوطني والقومي في نفوس الأحوازيين، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية بتوحيد صفوف أبناء الشعب الأحوازي وخصوصا الفصائل الوطنية.
نضال تاريخي
وكان الأحوازيون عبر تاريخ نضالهم ضد «الفرس» قد خاضوا معارك عدة، حيث قاموا بسلسلة من الانتفاضات والثورات اتسم أغلبها بالطابع العشائري والعفوي واستمرت حتى منتصف الأربعينيات ليأخذ المنحى التنظيمي والسياسي والعسكري بتأسيس أول فصيل أحوازي يعتمد الأسلوب التنظيمي وهو «حزب السعادة» الذي أنشئ عام 1946م، وفي منتصف الخمسينيات تشكلت «جبهة تحرير عربستان» التي أفرزت اللجنة القومية العربية العليا عام 1956م، توالت بعد ذلك فصائل ثورية عديدة مثل: الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز والجبهة العربية لتحرير الأحواز.
وتناضل الحركات النضالية الأحوازية، ففي بيان لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، أكدت الحركة أنها تناضل من أجل استرجاع الأرض والسيادة والحقوق المغتصبة ضمن استراتيجية ثورية، وانطلاقا من المبادئ والأهداف.
ووضعت حركة النضال العربي لتحرير الأحواز عدة مبادئ عامة، منها: استعادة أرض الأحواز موطن الحضارة العيلامية العريقة، وإعادة تاريخ ولغة وثقافة وانتماء الأحواز إلى الشعب العربي، وترسيخ العروبة والدين لأبناء الأحواز كمكونين ثقافيين بارزين في حياة المجتمع الأحوازي كأغلبية مع احترام الأقليات الدينية الأخرى كالصابئة والمسيحية، واستعادة حرية الإنسان الأحوازي، والتمتع بالديمقراطية التي تتمثل في الخيارات في تقرير نمط الحكم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يتناسب مع طبيعة المجتمع الأحوازي وتكويناته بإقامة المؤسسات المدنية والديمقراطية والأحزاب والنقابات والجمعيات وغيرها، إضافة إلى تحرير المجتمع من العادات القبلية القديمة السلبية، ورفع معاناة المرأة الأحوازية من العنصرية الاحتلالية والذكورية ومنحها حقوقها في التعليم والثقافة والمشاركة في القرار السياسي والاجتماعي.
تغير ديمغرافي
رغم التغير الديمغرافي لأبناء الأحواز ودخول الصناعة والتكنولوجيا في حياة الناس، إلا أن بعض تلك العادات والتقاليد والقيم القبلية السلبية ما زالت تنخر حاليا في جسد المجتمع الأحوازي، وكانت عائقا أمام نهضة المجتمع نحو الحرية والديمقراطية والتحرير.
ورغم ما قدمته القبيلة سابقا في المجتمع الأحوازي من الحفاظ على الهوية للإنسان العربي الأحوازي في مواجهة الهجمة الشوفينية العنصرية ومحاولة استلاب هويته القومية العربية، فإن آثارها السلبية تنعكس على عملية التطور الثقافي والحضاري التي تشكل عائقا أمام تحرر الفرد وتقبله للأفكار التحررية والديمقراطية.
ويؤكد بعض المثقفين الأحوازيين أنه لن يستطيع الأحواز تجاوز المجتمع القبلي التقليدي إلى مجتمع حديث مدني إلا عن طريق مشروع تنموي نهضوي ثوري شامل ذي رؤية متبصرة لأهداف وغايات هذه النهضة الثورية التي تقتضي توافر استراتيجية ثقافية شاملة تتظافر في صنعها كل الطاقات الأحوازية بمختلف رؤاها ومشاريعها الفكرية والتنظيمية.
الأحواز الحديثة
وكما تذكر كتب التاريخ، فإن الأحوازيين شعب عريق في عروبته، ينتمون إلى قبائل عربية جاءت في موجات متتالية إلى «الأحواز» من شبه الجزيرة العربية واستقرت فيها قبل الإسلام وبعده، وجاءت إليه بعد أن أخذت المياه تنحسر عنه منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وبدأت أرضه تتكون من رواسب الطمي التي تحملها مياه كارون وروافدها وشط العرب ودجلة والفرات.
أما حدود الأحواز، فمن الشرق: إيران بسلسلة جبال «البختيارية» التي هي امتداد لجبال «زاجروس» الشاهقة الارتفاع، ومن الغرب: العراق وشط العرب وحوض الخليج العربي، ومن الجنوب الغربي: الخليج العربي، ومن الجنوب: بلوشستان، ومن الشمال: جبال «زاجروس»، وعلى جابنها الآخر كردستان إيران.
ويشق العاصمة «الأحواز» نهر كارون (دجيل الأحواز، تصغيرا لنهر دجلة في العراق)، ويقسمها إلى منطقتين أو ضفتين إحداهما «الناصرية» والأخرى «الأمنية».
ومن مدن الأحواز: عبادان، المحمرة، الخافجية، السوس، الصالحية، دسبول، مسجد سليمان، بندر بوشهر، بندر لنجة، ديلم، الفلاحية، الحويزة، البسيتين، الدورق، والحميدية.
ولما تمتلكه من أنهار مثل: كارون والكرخة والجراحي وشطيط وعجيرب، فإن الكثير من أبنائها يمتهنون «الزراعة»، ولذلك فإن «الأحواز» تشتهر بالكثير من الموارد الزراعية، مثل: الحنطة، الشعير، الرز، الزبيب، قصب السكر، القطن، العنب، الرمان، التين، التوت، المشمش، البرقوق، الحمضيات، الفول، الحمص، الجوز، والخضروات بأنواعها، ويكثر فيها البصل الأحمر البارد، كما أنها تشتهر بعدد الأشجار، مثل: النخيل، الغرب (الخلاف)، الصفصاف، الطرفة، والكيريكون.
وتحفل بلاد «الأحواز» بالكثير من الموارد الطبيعية، مثل: البترول والكبريت والجير والأملاح، وتمتلك العديد من الصناعات، مثل: تغليف التمور، العسل المحسن من التمر، السكر المائع من التمر، المبار من ألياف النخيل، الصابون، النسيج، الحرير، السجاد، عصير الفواكه، الأواني الزجاجية، ولكنهم يشتهرون بصناعة البشوت (المشالح)، وتمتلك أيضا ثروة حيوانية كبيرة، وكثير من أبناء الأحواز يمتهنون «الرعي»، إضافة إلى مهنة التجارة، حيث يصدرون الكثير من المنتجات الزراعية والصناعة إلى العديد من الدول العربية والأعجمية.
مسميات الأحواز
التاريخ القديم يؤكد أن عرب الأحواز ظلوا أسيادا في الساحل الخليجي العربي، وأن الفرس لم يتمكنوا من التقدم نحو البحر، ويجمع الباحثون في كتابات الرحالة الذين جابوا المنطقة على أنه ليس بين هؤلاء الرحالة من أشار إلى تبعية «الأحواز» للحكم الفارسي، بل إنها كانت عربية الطبيعة تماما، وأنها تعتبر من القسم الأسفل من بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية وحضارية شاركت في الماضي في ازدهار الحضارة السومرية والأكادية ثم برزت بعدها سماتها العربية، وترسخ سلطان حكمها العربي حتى جاء النفوذ العربي الإسلامي وامتد عبر تاريخ فارس وتجاوزها.
وأطلق المستعمرون على «الأحواز» عبر التاريخ عدة مسميات، منها:
عربستان:
وتعني «بلاد العرب» بلغة العجم، وأطلقه الفرس على «الأحواز» في عهد الشاه إسماعيل الصفوي اعترافا منهم وفي عهد حكمهم الفارسي في إيران بأن أرض «الأحواز» أرض عربية وأن شعبها عربي.
واستعمل هذه التسمية العثمانيون والإنجليز والبرتغاليون والهولنديون ودول غربية أخرى استعمارية في وثائقهم ما قبل عام الاحتلال الفارسي للأحواز.
خوزستان:
أطلقه الفرس عام 1925م، أي بعد الاحتلال الفارسي العسكري للأحواز بهدف طمس هويتها العربية لإعطائها طابعا فارسيا، واستندوا في اعتماد التسمية على «الأقوام الخوزية»، وهي أقوام جاءت إلى الأحواز بغرض الاستيطان في أرض العرب.
وتلك الأقوام الخوزية لم يعد لها أثر في الأحواز العربية، إما لأنها انجلت وذابت في المجتمع العربي الأحوازي، وإما ذهبت إلى موطنها الأصلي.
الأهواز:
وهي التسمية الفارسية التي أطلقت عام 1925م على مدينة «الأحواز» بهدف تغيير الهوية العربية للمدينة وإضفاء الصبغة الفارسية عليها.