ينهي الأستاذ يحيى حقي بعض ذكرياته في جدة ويقول:
(دخل علينا شخص لم يكن مدعوا لهذا الاجتماع، ولكنه سمع أصواتنا فدخل على حياء إلى البيت، وهمس لي دون أن يسمعه بقية جيرانه أنه تردد على السلم، هل يطلع أم ينزل، نزاع بين أدبه وطربه، انتصر الطرب على الأدب فدخل علينا وكان الجميع يعرفونه فقابلوه بفرح شديد).
الجدير بالذكر أن الأستاذ أحمد شفيق كامل مؤلف «انت عمري» وغيرها أقام في جدة من خلال عمله في السفارة المصرية بجدة في بداية الستينيات الميلادية وقد كان حريصا على أن يتعرف على المجتمع الجداوي وكانت له صداقات كثيرة، وفي جدة أتاه الإلهام وألف رائعته (إنت عمري) التي أطلق عليها لقاء السحاب التي غنتها أم كلثوم بلحن عبد الوهاب عام 1962، إذن جدة أثرت كما تأثرت.
بمناسبة السفارة المصرية فقد كانت واحدة من السفارات التي تعرض أفلاما سينمائية مصرية مرة في الأسبوع وكنت وأصدقائي من مرتاديها إلا أنه كان من شروطهم الدخول بالملابس الإفرنجية.
من أظرف ما رأيته ذات مساء في مدخل السفارة أن أحد المرتادين كان يلبس ثوبا وحينما منعه الموظف من الدخول سأله لماذا؟ أجابه لأنك لابس ثوب فما كان من الرجل وبتصرف سريع رفع ثوبه وأدخله داخل سرواله الطويل، وقتها ضحك الرجل وسمح له بالدخول، بالطبع كان لهم العذر في ذلك الوقت لأن عرض الأفلام في تلك الفترة كان من المحظورات.
كم كنت أتمنى لو أن العمر امتد بالأستاذ يحيى حقي وعاش بيننا الآن فى جدة ليرى كيف أن الحال تغير 180 درجة ليرى النهضة الفنية والثقافية بكافة أفرعها ومذاقاتها ومشاربها ويرى كيف أن السماء تمطر كل لحظة قنوات فضائية تبث كافة أنواع الطرب الذي لم يعد،، كتيمي،، كذلك الأفلام المحترمة وغير المحترمة..
هي سنة تطور الحياة والأمم، عجلة دائمة الدوران وبسرعة مذهلة، لايمكن أن تتوقف أو تعود إلى الخلف.