-A +A
مها الشريف
يعتبر «بول فيريليو» من الفلاسفة المنهمكين في قراءة الحاضر، وصنفا نادراً من فلاسفة التقنية، فهو لم يتوان عن دراسة الواقع الافتراضي الناتج عن تطور التقنيات الحديثة، ولقد تفاعل الجميع مع هذه الفلسفة وقراءة الحاضر جيدا، والفوز بنتائجه المبهرة، لولا أن بعض الروايات الغريبة غير المفهومة في مجتمعنا، التي ليس لها ترجمة أو فلسفة، بل هي فاقدة للإحالة والدلالة معا، عندما تصدرت أسماء مشهورة ومعروفة إعلاميا قائمة الشهادات العليا المزورة، اعتبرنا تاريخ الطموح مفرطا نحو الاكتمال، وتساءل معظمنا، هل هي مواكبة للتقنيات أو تحريض للتفوق بطرق غير نظامية، أم فات هؤلاء الوفاء لشرف العلم، أم هو خداع التقنية العلمية الذي أصاب العالم الثالث؟
وبما أن التقنية تشكل مظهرا عاما لكل العالم، وترتبط بها مصالح الناس، فهو الأمر الذي يستدعي منا التوقف وليس تسليط الكهرباء عليها لصعقها، اعتمد تطورنا على توظيف الأدوات لتشغيل الآلات وليس العكس، لأن التقنية سبقت العلم بمراحل زمنية طويلة، ثم أتى بعد ذلك عصر المعلومات الذي مكن الإنسان من تخطي الأزمنة القديمة إلى أخرى حديثة، فكانت البداية هي السيطرة على الطبيعة ومعرفة قوانينها وبسط القدرات والمعايير كممارسة اجتماعية تخلق أنماطا مختلفة للحياة بمباركة الجميع، ثم قسمت التقنية إلى ثلاثة أقسام سنذكر الجزء الأكبر الذي يلزمنا قبل أي صناعات ومهارات ومقارنات وشهادات وأساسيات، (تقنية الذات) والعمل على تمدينها واتصالها المباشر بالوعي الذي يمثل أقصى حالات النشاط الذهني وعند علماء النفس الحالة العقلية، التي يتميز بها الإنسان، وبناء عليها تتكون علاقة الفرد بالمجتمع وإدراك طبيعة العلاقة بين التقنية والعلم، الذي يعتبره البعض دروساً نظرية فقط ومؤهلات عليا، بينما هو كل شيء يتعلق بالحياة اليومية، ونحن بحاجة إلى معرفة تقنية الذات أولا قبل فقراتها الثلاث التي تتلخص في الآتي:

1- تقنية موفرة لرأس المال، من الأفضل استخدامها في الدول النامية.
2 - تقنية موفرة للعمل، من الأفضل استخدامها في الدول المتقدمة.
3 - تقنية محايدة، وهي التي تزيد رأس المال والعمل بنسبة واحدة. كلما سعى الإنسان إلى التوافق مع الآخرين أوجد عدة محاور للحياة حوله، وأسقط من قناعاته الطبيعة الملتبسة المحيرة للإدراك، إلا عندما شكل الفساد عقبات عنيفة في عصرنا. وارتفع صوت المحاضر والأستاذ الذي صور علم الأخلاق بلا أفراد والنزاهة بلا آليه، والشرعية والأمانة بلا جنود، إن الفاعلية البشرية المبدعة والمخلصة تطور المجتمعات وتواكب تاريخ الطفرات العلمية والتقنية بالجد والاجتهاد وليس بالتزوير، وتعمل على تأسيس مجتمع منظم ذي سيادة علمية حديثة في ظل وجود وعيه الذاتي. إن ما نبحث عنه هنا هو المظهر اللائق للذات التي هي أساس قدرات الإنسان وآفاقه و مضمون لوحاته الجميلة التي رسم عليها أشكالا مختلفة من الإدراك والإيدلوجيا والإيجابية والسلبية ومحور الرغبة، لقد ولد الإنسان كائنا سياسيا واجتماعيا وعقلانيا ليعيش الكثير من الأنماط المختلفة، ولكن كل الإحداثيات تشير إلى أن واقعنا يتأرجح بين المضمون والمنهج، ويبتعد كثيرا عن الواقع المادي النموذجي.