-A +A
فهيم الحامد
تاريخيا شكلت باكستان الخاصرة الرئيسية التي تعتمد عليها واشنطن في نجاح استراتيجيتها العسكرية في أفغانستان منذ الغزو السوفيتي وحتى الحرب الأمريكية ضد طالبان، سواء في التعاون الاستخباراتي والأمني أو عن طريق فتح الإمدادات للناتو عبر أراضيها، وملاحقة أعضاء تنظيم القاعدة وطالبان في الداخل الأفغاني وفي منطقة القبائل الحدودية.
ومن المؤكد أن إعلان الرئيس أوباما سحب نصف القوات الأمريكية، أي 34 ألف عسكري، من أفغانستان خلال عام يعني أن باكستان وأفغانستان ستعودان إلى نقطة التلاقي، وهذا مستبعد أو العودة إلى المربع الصفر من الناحية الأمنية وهذا متوقع. ولكن هناك أمران هما أن أهمية باكستان ستبرز مجددا فى تحقيق الاستقرار في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي، ولعب أدوار استراتيجية في تحجيم نشاطات طالبان والقاعدة والجماعات المتطرفة في أفغانستان أو «تأجيجها»، والأمر الثاني وهو الذي يشكل أهمية كبرى والذي تعتمد عليه واشنطن وهو قيام باكستان بدفع «حركة طالبان» نحو الحوار مع أفغانستان من أجل تحقيق المصالحة الداخلية.

الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يضع عبئا إضافيا على الرئيس كرازي خاصة أن بلاده لاتزال تفتقر إلى البنية التحتية الأمنية وهذا يعني أن أمريكا ستترك وراءها بلدا يعيش حالة من الفوضى ويعاني من عدم الاستقرار الأمني، الأمر الذي يفرض على كرازي التعامل مع تداعيات الانسحاب بعقلية مفتوحة، وإعادة الثقة مع الجارة «الباكستان» التي تفكر أيضا مليا حيال كيفية التعامل مع الفراغ الأمني الذي سيتركه الانسحاب، وانعكاسات ذلك على الوضع الأمني المتدهور في الباكستان، وإمكانية حدوث موجة جديدة من الأعمال الإرهابية. وليس معروفا حتى الآن هل ستسمح كابل لباكستان بلعب دور رئيسي في ترتيب الأوضاع في أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، حيث ستحافظ الولايات المتحدة على نفوذها العسكري والاستخباراتي بعد الانسحاب للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية داخل أفغانستان وفي منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، وفي باكستان أيضا التي ترغب واشنطن أن تكون نافذة تطل عليها من أفغانستان بهدف الحد من التأثير الصيني والروسي وإلايراني والهندي على أفغانستان وحيث تسعى الصين وروسيا لمد نفوذها إلى أفغانستان في محاولة لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وبعد أكثر من 30 عاما من التواجد في أفغانستان، قد تكون واشنطن تمكنت من اجتثاث القاعدة في أفغانستان، إلا أنها فشلت في القضاء على البنية التحتية «لحركة طالبان». وللأسف فإن إدارة أوباما فشلت في إيجاد حكومة وحدة وطنية قوية في أفغانستان تكون قادرة على تحقيق الأمن، وتشكيل جيش وطني قوي يستطيع مواجهة مرحلة مابعد الانسحاب باقتدار.
وعندما يعلن أوباما أن إدارته تنوي الانسحاب من أفغانستان، فإن معنى ذلك أن أمريكا بدأت تجهز الرأي العام الأمريكي لإعلان الهزيمة الأمريكية في أفغانستان؟.