-A +A
عبدالعزيز بن عثمان بن صقر
بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي، وحلف وارسو، وهدم سور برلين، تفاءلت دول العالم بانتهاء الحرب الباردة، وزوال الاستقطاب الدولي الذي انقسم معه العالم إلى كلتين أو قوتين عظميين ومن يدور في فلكهما، وتوقع كثير من المحللين انتهاء زمن صراع النفوذ الذي كانت منطقة الشرق الأوسط في مقدمة ضحاياه، وجاء هذا التفاؤل بعد الموقف الروسي من حرب تحرير الكويت، فقد انحازت موسكو آنذاك لقيم العالم الحر، إلا أن موقف موسكو من الأزمة السورية، ومن الملف النووي الإيراني يؤكد بوضوح أن روسيا تسعى إلى استعادة طموحات الاتحاد السوفيتي، وتريد تحقيق الحلم القديم المعروف بـ ( الوصول إلى المياه الدافئة ) خاصة بعد تغير موازين القوى، وغياب مبدأ كارتر، وتغير استراتيجية واشنطن بعد العثرات التي اصطدمت بها في العراق وأفغانستان، وأخيرا تغير ثوابتها في الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي سواء بإرادتها، أو بمشاركتها، أو مجبرة على ذلك .
المحادثات التي جرت نهاية الأسبوع الماضي في برلين بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي لافروف وما تمخض عنها من فشل حول الأزمة السورية، وما كشفته من تأييد موسكو لنظام الأسد، بل اعتبار المقاومة السورية متطرفة، وطالب لافروف واشنطن بالضغط على المعارضة السورية لتجاوز تنحي الأسد واعتبار بقاءه في السلطة ضرورة، مع عدم تقديم أي حلول على الأرض باستثناء اجترار المطالب بالحوار مع نظام يمارس القتل كل لحظة ضد شعب فقد أكثر من 70 ألف قتيل، وتهجر منه أكثر من مليون لاجئ.

الموقف الروسي يزداد دعما لنظام الأسد، وللنظام الحاكم في طهران دون مراعاة لمعاناة الشعوب، أو قيم الحرية والعدالة، ولا يعنيه القتل والتشريد، في وقت انحسرت فيه الاستراتيجية الأمريكية فيما عدا حماية إسرائيل، وتأمين مصالح واشنطن في الشرق الأوسط بمهادنة روسيا، وإبرام صفقات سرية مع إيران، وإغراق شعوب المنطقة العربية بالفوضى تحت غطاء الربيع العربي. ما يتطلب ضرورة أن تسعى دول المنطقة إلى إعادة تقييم الموقف الراهن إقليميا ودوليا قبل فوات الأوان .
*رئيس مركز الخليج للأبحاث