-A +A
ناصر الحريري كبير شيوخ مدينة درعا والعضو المنشق عن مجلس الشعب السوري، شغل الناس بأخباره عندما كان أول المنشقين من داخل مجلس الشعب، ثم شكل ظهوره المفاجئ في مجلس الشعب بعد اعتقاله وتراجعه عن انشقاقه جدلا واسعا، إلا أنه تمكن من الفرار من إقامته الجبرية مؤخرا.
الحريري روى لـ«عكاظ» الحكاية من البداية قائلا «إن القصة بدأت منذ 19 شهرا، فقد غادرت سورية في 15 مارس 2011 إلى دبي بقصد إجراء عملية قلب مفتوح، وفور وصولي تلقيت اتصالا يخبرني عن استشهاد ثلاثة شبان من محافظة درعا، وكانت هذه الخطوة الأولى لاندلاع الثورة السورية فيما بعد، إلا أن أبوابهم كانت موصدة بوجه أي مكالمة فيها مداخلة عن سورية إلا إذا تم الاتصال بهم مباشرة من داخل سورية». وتابع قائلا «أخبرتهم أنني أريد أن أعلن استقالتي من المجلس النيابي، وفي 23 من نفس الشهر عدت إلى سورية بدعوة من مجلس الشعب بأن هناك جلسة طارئة برئاسة الرئيس، حضرنا الجلسة وفوجئنا أن الجلسة لم تكن للمسايرة ولتضميد ألم وجراح سورية أو التراجع عن الخطيئة. بعد الجلسة طلبوا منا إلقاء السلام على الرئيس، أنا حاولت التهرب والخروج من الباب الخلفي فمنعني الحرس وقالوا لي إنهم يريدونني، فأخذني الحرس ووقفت في أول الصف لإلقاء السلام، فسلمت عليه سلاما جافا، فسألني كيف هي أخبار درعا، فأجبته درعا تنزف وستنتقل هذه العدوى إلى كل المحافظات إن لم تعالج بحكمة الرئاسة، فشد على يدي وقال: شيخ ناصر أطلب منك معالجة الأمر. فقاطعته: بحكمة رئاسة الجمهورية، رد قائلا: بحكمة طبعا، وأنا كلفتك بالموضوع، هناك لجنة أمنية مكلفة مني ومفوضة للحلول، تواصل معهم وعندما تكون جاهزا اتصل بي وستجدني مباشرة في درعا وفي بيت الحريري، أشرب قهوتي معك وأزور كل البيوت المتضررة، وسيارة القصر ستكون بخدمتك. وزاد «كان وعده كذبا، وبدأت الأمور تتصاعد أكثر فأكثر، ثم وفي لقاء ثان مع وفد من درعا وأثناء المغادرة استوقفني مرة أخرى وقال: أين أصبح اتفاقنا، فأجبته أنا من يريد أن يسألك ماذا حدث للاتفاق، أنا مازلت بانتظار سيارة القصر والسيارة لم تصلني بعد، فقال لي: وعد مني خلال 24 ساعة تكون السيارة عندك وأريد أن ألقاك لأمر ضروري جدا يجب أن نجد حلا لأزمة درعا لأنها تتفاقم.

وبعد مرور أسبوعين كانت درعا هادئة لم يحصل فيها إطلاق نار وتظاهر الناس بشكل سلمي وبدون اعتراض الأجهزة الأمنية وفوجئنا أن المجزرة انتقلت من درعا إلى منطقة أخرى حيث كنت متواجدا وأطلق علي ثلاث طلقات فدخلت إلى قائد الفرقة المسؤول عن العمل الأمني حيث قتلوا 15 شخصا، وقالوا لي إنهم أطلقوا النار على عصابات مسلحة، فقلت لهم أين هي هذه العصابات، ها أنتم تنتشرون على أسطح المباني والجيش يراقب المنطقة عن كثب وأجهزة الأمن من حوله فكيف هناك عصابات مسلحة؟، وخلال جدالنا غضب مني قائد الفرقة لأني قلت إن حافظ الأسد ليس رئيسا ولا قائدا، فهذه العبارة أغضبته، وفي اليوم التالي أعلنت استقالتي.
ويتابع الحريري قائلا «طوردت لمدة عشرين يوما حتى تم اعتقالي من أمام باب منزلي في الشيخ مسكين، وتوجهوا بي مباشرة إلى الأركان لدى آصف شوكت وكان ينتظرني على الدرج هو ورئيس المجلس محمود الأبرش، استقبالهما كان كله تمثيل، فآصف شوكت كنا لا نراه إلا في الأحلام، فسلم علي بحفاوة وكأنه يعرفني منذ أربعين عاما». وأضاف «دخلنا إلى القاعة فأجرى اتصالا لإبلاغ الرئيس أنني أصبحت في عهدتهم وقرأ علي أنني قدمت استقالتي نتيجة تهديد بالقتل وتهديد باغتصاب بناتي وحرق منزلي وحرق أسرتي وهذا الكلام حقا لم يتم». وقلت: أنا استقلت بقرار مني وكل كلمة مكتوبة هنا أنا أرفضها، وأنا أتراجع عن استقالتي بطريقتي الخاصة ولن أعلنها تراجعا بل هي تعديل وجهة نظري لمصلحة البلد. فتوجه شوكت بالسؤال إلى الأبرش فقال له: أفضل بكثير مما كتبوه في الصحيفة، دعوه يقول ما يريد. فعاود شوكت الاتصال بالرئيس وقال له الكلمات التي المكتوبة له لن يقولها فلديه أربع أو خمس كلمات أفضل مما كتبناه ومقنعة أكثر، فطلب أن نسمعه ماذا سأقول قبل أن تعلن على الهواء مباشرة، فرافقوني إلى المجلس عبر أربع سيارات مسلحة ورافقوني إلى كرسيي المحدد وكان آخر دخول لي إلى المجلس أو بعمر المجلس كله حيث انتهى دوره التشريعي، ودعيت للكلام، انتهيت وخرجت حيث كانت الدورية الأمنية بانتظاري وعدت إلى الأركان وبعدها غادرت إلى منزلي بأمر من الأفندي بشار».
وأشار «كنت في شبه الإقامة الجبرية، حتى اتصل بي المجلس العسكري لأحضر نفسي فهناك سيارة ستأتي لتأخذني أنا والنسوة وقالوا إن أولادي الشباب سيلحقون بي فيما بعد وكان ذلك في 23 أغسطس».
بهذه الكلمات أنهى الحريري قصة هروبه من درعا ليبدأ مرحلة النضال لإسقاط النظام الأسدي.