-A +A
واس (هونج كونج)
أكد وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي التزام المملكة تجاه النمو الاقتصادي في آسيا، حيث تربطها بدول المنطقة مصالح وطموحات مشتركة تهدف إلى رفع مستويات المعيشة لشعوب المنطقة، مشيرا إلى أن إجمالي الصادرات السعودية من النفط إلى المنطقة قد زاد بنسبة 50 في المئة، كما أصبح لدى المملكة مشروعات مشتركة في كوريا الجنوبية واليابان والفلبين والصين. جاء ذلك، خلال كلمة ألقاها النعيمي في المؤتمر السنوي السادس عشر للاستثمار في آسيا الذي ينظمه كريدي سويس آسيا باسيفيك في هونج كونج. وأوضح النعيمي أن هونج كونج حققت نجاحات متتالية منذ أوائل الثمانينات في مسيرة التنمية، من خلال هذا التطور الهائل والاستثمارات والابتكارات التي شهدتها هونج كونج والمنطقة مما انعكس إيجابا على شعوب المنطقة والاقتصاد العالمي ككل. وبين أن النفط يعد في وقتنا الحالي من أهم أنواع الأصول المالية، حيث يتم تداول كميات هائلة منه بصورة يومية، ويزداد تأثّر سعر النفط بعوامل تتجاوز المخاوف التقليدية بشأن العرض والطلبن مشيرا إلى وجود بعض المفاهيم الخاطئة التي تؤثر على استقرار سوق الطاقة العالمي، والاقتصاد العالمي بأسره، أولها يتعلق بالطاقة الإنتاجية الاحتياطية للمملكة قائلا « من حين لآخر تصدر تقارير عن مؤسسات مالية مرموقة تشكك في هذه الطاقة، وتطرح تساؤلات حول مدى توفرها وإمكانية الحفاظ عليها، ويذكرني ذلك بنظريات ذروة الإنتاج النفطي، فمزاعم نضوب المخزون العالمي من النفط لم تتوقف منذ بدء استخراجه من باطن الأرض، فيما لم تتوقف الاحتياطيات البترولية عن الزيادة خلال تلك الفترة، على الرغم من استهلاك البلايين من براميل البترول؛ وذلك بفضل الإبداع البشري والتطور التقني»، مؤكدا أن مهندسي المملكة وعلماءها في مجال التنقيب والإنتاج يتحدثون عن استمرار إنتاج النفط والغاز حتى فترة متقدمة من القرن المقبل. ولفت إلى أن المسألة الأكثر أهمية في هذا الصدد تدور حول مدى تأثير التقنيات والأساليب والاحتياطات الجديدة على سوق الطاقة العالمي، مؤكدا أن الاحتياطات الجديدة الناجمة عن أنشطة التكسير في الولايات المتحدة، وأنشطة الحفر في المناطق البحرية في البرازيل، وتزايد أعمال التنقيب في القطب الشمالي تدل دلالة واضحة على أن بشائر الوفرة تدحض فكرة النضوب إلى جانب أن الاحتياطات التجارية الجديدة كالزيت الصخري تحمل في طياتها أخبارا سارة للاقتصاد العالمي الذي يعتمد في نموه على مزيد من التنوع في مصادر الطاقة. وقال: « ليس السؤال هو عن تملك المملكة طاقة احتياطية من عدمه، بل ما إذا كنا بحاجة لإنفاق البلايين للحفاظ على هذه الطاقة الفائضة أم لا؟ والإجابة بالطبع هي أننا في المملكة نحافظ على الطاقة الإنتاجية الفائضة لضمان استقرار سوق البترول، وتوفير الإمدادات اللازمة للاقتصادات العالمية، إدراكا منا للدور المحوري الذي تلعبه هذه الطاقة في حماية استقرار الاقتصاد العالمي، وهي مسؤولية أخذناها على عاتقنا بكل جد وأديناها بكل أمانة وموثوقية على مدى عقود عدة». وأشار إلى المفهوم الثاني الخاطئ، وهو ما يسمى « نقطة التعادل» في سعر البترول، مبينا أن هذه النقطة السعرية تتعلق في الأساس بالاقتصاد العالمي أكثر مما تتعلق بحكومة بعينها. وقال : « لو هبط سعر البرميل إلى 40 دولارا، لن تقتصر تداعيات ذلك على المملكة وحدها، بل ستتجاوزها إلى الاقتصاد العالمي، وستنعكس على الاستثمار في المصادر غير التقليدية للطاقة، كما ستكون لذلك عواقبه الوخيمة على الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة». وأضاف « أن الاهتمام الرئيس يكمن في زيادة النمو الاقتصادي العالمي بغض النظر عن السعر، وأن الاعتقاد بأننا نخطط لوسائل تحافظ على السعر عند مستوى معين بهدف تمويل مشروعاتنا المحلية هو أمر غير واقعي. فمستوى إنفاقنا الحالي على البنية التحتية لن يشهد ارتفاعا كبيرا، والواقع أن نمونا الاقتصادي على المستوى المحلي، وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط ككل يعتمد على قوة الاقتصاد العالمي» . وأشار وزير البترول والثروة المعدنية إلى المفهوم الخاطئ الثالث الذي يتعلق بالطلب على الطاقة داخل المملكة ومدى تأثيره على صادراتنا قائلا « إنه لن يكون لهذا الطلب تأثير على الصادرات، فزيادة استهلاك الطاقة من الأمور المتوقعة في الاقتصادات النامية، والدول الآسيوية تدرك ذلك جيدا، ونحن نستثمر الآن في البنية التحتية، وننوع موارد اقتصادنا بعيدا عن مبيعات النفط، كما نسعى إلى إيجاد فرص عمل مستدامة، ويحتاج هذا كله بطبيعة الحال إلى الطاقة، غير أننا نعتمد في مواجهة هذا الطلب على تنويع مزيج الطاقة بشكل متزايد؛ وذلك بالتوجه ــ على سبيل المثال ــ نحو الغاز ومصادر الطاقة المتجددة، ونحن بصدد تطبيق مجموعة من التدابير المتعلقة بكفاءة استهلاك الطاقة، كما أن المستويات الحالية للنمو في استهلاك النفط في المملكة لن تستمر طويلا، ومكانتنا الراسخة كمصدرين يعتمد عليهم في إمداد القارة الآسيوية والعالم كله بالنفط ليست موضع شك».
وأكد، أن القارة الآسيوية تشهد نموا اقتصاديا مطردا، فعندما ضربت الأزمة المالية الولايات المتحدة وأوروبا، توقع كثير من المعلقين أن تتأثر آسيا بهذه الأزمة على نحو حاد، لكن ذلك لم يحدث، والواقع أنه لولا آسيا لكان وضع الاقتصاد العالمي أسوأ بكثير، مشيرا إلى أن العالم يتطلع إلى دور آسيا في دعم نموه الاقتصادي. وألمح إلى العديد من الدروس التي يمكن أن تتعلمها الاقتصادات الغربية المتقدمة من الحكمة الاقتصادية، والإدارة المالية لآسيا، لا سيما فيما يتعلق بتراكم الديون. متوقعا استمرار النمو والرخاء الاقتصادي الآسيوي لسنوات مقبلة، لا سيما في ظل القيادات الجديدة في أنحاء المنطقة.

وحول أسعار البترول، أوضح النعيمي أن أسعار البترول شهدت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية تقلبات لم تشهدها في أي مرحلة سابق، مشيرا إلى أن أول خطاب ألقاه كان في آسيا بعد أن أصبح وزيرا في سنغافورة عام 1996م، وكان سعر البترول آنذاك يزيد قليلا عن (20) دولارا للبرميل، وأكد حينها للحضور أن السعر يبدو «معقولا»، وبعد أربع سنوات على ذلك، ألقى معاليه خطابا في معهد اقتصاديات الطاقة في اليابان، وكان السعر حينها نحو (27) دولارا للبرميل، وأشار إلى أنه لا يزال معقولا، واليوم وبعد أن ارتفع السعر إلى نحو (100) دولار، ويؤكد أن السعر لا يزال أيضا معقولا.
ورأى أن مستويات الأسعار الحالية ستبقى كذلك في المستقبل المنظور، غير أن هذه المستويات لن تحول دون مزيد من النمو الاقتصادي في آسيا. والمملكة بطبيعة الحال لا تحدد السعر، بل يحدده السوق، ورغم أن البترول ينظر إليه على أنه مجرد سلعة مهمة، فهو ينفرد دون غيره من السلع بجوانب كثيرة نظرا لأهميته لنمو الاقتصاد العالمي وتطوره، وغالبا ما تكون المشكلة في هذا الواقع الجديد هي أن الأسعار يمكن أن ترتفع أو تنخفض دون مبرر حقيقي، وإنما نتيجة لأحد التقارير أو مجموعة من الأرقام وقال « عليكم كخبراء أن تتحروا الدقة فيما تنشرون من تقارير، فالسوق بحاجة إلى انتهاج أسلوب أكثر نضجا إزاء التوقعات المستقبلية».
وأكد النعيمي أن أساسيات العرض والطلب في مجال البترول تظل الآن أقوى منها في أي وقت مضى في التاريخ الحديث، وربما تصب التقلبات الشديدة في أسعار البترول في مصلحة قلة من التجار،.
وأشار خلال كلمته إلى الشراكة العميقة بين المملكة وآسيا، مبينا أنها ستزداد عمقا في العقود المقبلة، لأن شراكة المملكة في المنطقة تتجاوز البترول بكثير، ففي 1998م على سبيل المثال أرسلت المملكة عشرة طلاب في بعثة إلى الصين لدراسة اللغة الصينية. واليوم يبلغ عدد المبتعثين السعوديين للدراسات الطبية أو التقنية في الصين وحدها أكثر من (1200) مبتعث، كما يدرس في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية عدد كبير من الطلبة من أنحاء آسيا، وفيما ذهب كثير من السعوديين في وقت ما للدراسة في الولايات المتحدة وأوروبا، أصبح كثير من السعوديين يتجهون الآن نحو الشرق.