ضمن فعاليات المدينة عاصمة الثقافة وعلى هامش المؤتمر الرابع للأوقاف في الجامعة الإسلامية أقيمت محاضرة فكرية بعنوان: «البناء الثقافي للشباب المسلم في عصر العولمة» ألقاها أستاذ الشريعة بجامعة الإمام الدكتور عبدالرحمن الزنيدي مساء الأحد من الأسبوع الماضي.
ومن ضمن ما عرج عليه الزنيدي في حديثه ثلاثة عناصر حول البناء الثقافي هي: « أولا: وعي الرؤية بمعنى أنه لا مثقف إلا برؤية تمثل حراكه الثقافي إذ إن حركته التغييرية لابد أن تنبثق من رؤية فلسفية أو عقائدية، أي يحمل تفسيرا كاملا لقضية الوجود، وهي بالنسبة للمسلم تتمثل بالاعتماد على القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهو تفسير واضح جاء به الوحي لكن الفكر الكلامي عتم تلك الرؤية. أما العنصر الثاني فهو الوعي العلمي ولا يتحقق هذا الوعي إلا بعلم منهجي متخصص. والعنصر الثالث هو الوعي الواقعي وهو يخدم الخاصية الثانية للمثقف ويقصد لها الفاعلية الثقافية، والواقع هو مجال المثقف».
وإذ أنقل رأي المحاضر باختصار، فإنني أريد التأكيد على أنني أتفق معه في بعض ما قال هنا، لكن يبدو في بعض نقاطه التي سردناها سريعا أنه أعطى نوعا من النخبوية الثقافية التي ربما لا تتناسب مع الحراك الشبابي الذي جاء الزنيدي ليؤسس بناءه الثقافي من أجلهم !.
وامتدادا للرؤية التي سبقت يقول الزنيدي: «إننا لابد أن ندرك أمرين متوازيين هما : النضج العلمي واليقظة الدينية، موضحا أن التدين في العالم الإسلامي آخذ في التوسع والعمق وهو ذو منحى سلفي».. وأتساءل هنا كيف اعتبر الزنيدي أن العالم الإسلامي آخذ في اليقظة الدينية رغم أنه لم يخرج من الدين من الأساس ؟!.
هذا من جهة. من جهة أخرى يبدو أن هذه اليقظة جاءت سلفية المنهج كما يقرر في محاضرته رغم أن مفهوم السلفية واسع جدا، وأعتقد أن الزنيدي يعرف ذلك تماما، إضافة إلى أن الدول (إن كان يقصد ذلك) التي وصل الإسلاميون فيها إلى سدة الحكم لم يكونوا من الأحزاب السلفية، بل هو توجه إسلامي عام.. هنا يحتاج الدكتور الزنيدي أن يكون أكثر دقة فيما يقول.
لقد حاول الدكتور الزنيدي طيلة محاضرته التي تفاعل معها المداخلون تفاعلا كبيرا تأييدا من جهة، ونقدا من جهة أخرى ــ أقول: لقد حاول الزنيدي أن يعطي نموذجا ثقافيا للشباب المسلم في عصر العولمة يتمثل في صورة تكاد تتقلص من حالة العموم الثقافية للأمة وتشاركيتها الفكرية، إلى أن تصل لنموذج مثقف وحيد يراه الزنيدي ممثلا لهذه الأمة، وهو الذي يمكن أن نسميه بـ «المثقف الإسلامي» ، وإن كنت لا أعترض على وجود هذا المثقف، إلا أنني أرى أن المحاضر الكريم جعله النموذج الأوحد، بل وصل بهذه النمذجة «ضمنا» إلى أن يجعلها في المثقف السلفي دون غيره، وإن كان لم يقلها صراحة إلا أنني فهمت ذلك (وأعتذر له إن أسأت الفهم) من حالة التقليص التي بدأ بها محاضرته حتى وقف عند إقراره بأن العالم الإسلامي يتجه صوب السلفية ليتشكل لدي تصور أنه أراد من ذلك نوعا من النمذجة الإسلامية التي ربما يتفق معه البعض أو يخالفه فيها، إلا أنه بالتأكيد سحب البساط عن غير المثقف الإسلامي، وكاد أن ينفي عن غير الإسلاميين صفة المثقف حتى أخرج صراحة كتاب الصحف من دائرة المثقف «الحقيقي» الذي يريد، فهل نحن أمام نمذجة ثقافية للشاب المسلم، أم نحن أمام إقصائية فكرية منمقة ؟!.
يبدو أن محاضرنا قد أخذه الحماس في صعود التيارات الإسلامية في العالم الإسلامي (الذي لم يخرج عن إسلاميته من قبل) ليؤسس ما هو متأسس ضمنا، وليعيد اكتشاف العجلة من جديد كما يقال.
ثم إن التيارات الإسلامية فاعلة منذ فترة طويلة، ولم تخرج من الساحة يوما حتى تعود إليه إلا إذا اعتبرنا الساحة هي سدة الحكم الذي وصل إليه الإسلاميون مؤخرا فهذا أمر آخر لا أعتقد أن محاضرنا قد قصده.
لقد كثرت في المحاضرة كلمات من قبيل «المثقف الحقيقي» و «المثقف النموذج»، وهي دلالات يمكن أن نعتبرها وثوقية ثقافية وقع بها المحاضر، إضافة إلى تجيير الحراك الشبابي في العالم الإسلامي لصالح فئة الإسلاميين رغم أن الحراك الشبابي في الثورات العربية شاركت فيها الأحزاب جميعها: الإسلامية والليبرالية والعلمانية والقومية، وهنا مكمن عملية الاختزال التي مارسها الشيخ الزنيدي في محاضرته بحيث لم يعد أحد يمكن له أن يزاحم الإسلامي القيادة الثقافية، وهذه ــ برأيي ــ رؤية ترفض الاختلاف الثقافي؛ لتكرس أحادية فكرية دائما ما اتهم الإخوة الإسلاميون بها.
ومن ضمن ما عرج عليه الزنيدي في حديثه ثلاثة عناصر حول البناء الثقافي هي: « أولا: وعي الرؤية بمعنى أنه لا مثقف إلا برؤية تمثل حراكه الثقافي إذ إن حركته التغييرية لابد أن تنبثق من رؤية فلسفية أو عقائدية، أي يحمل تفسيرا كاملا لقضية الوجود، وهي بالنسبة للمسلم تتمثل بالاعتماد على القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهو تفسير واضح جاء به الوحي لكن الفكر الكلامي عتم تلك الرؤية. أما العنصر الثاني فهو الوعي العلمي ولا يتحقق هذا الوعي إلا بعلم منهجي متخصص. والعنصر الثالث هو الوعي الواقعي وهو يخدم الخاصية الثانية للمثقف ويقصد لها الفاعلية الثقافية، والواقع هو مجال المثقف».
وإذ أنقل رأي المحاضر باختصار، فإنني أريد التأكيد على أنني أتفق معه في بعض ما قال هنا، لكن يبدو في بعض نقاطه التي سردناها سريعا أنه أعطى نوعا من النخبوية الثقافية التي ربما لا تتناسب مع الحراك الشبابي الذي جاء الزنيدي ليؤسس بناءه الثقافي من أجلهم !.
وامتدادا للرؤية التي سبقت يقول الزنيدي: «إننا لابد أن ندرك أمرين متوازيين هما : النضج العلمي واليقظة الدينية، موضحا أن التدين في العالم الإسلامي آخذ في التوسع والعمق وهو ذو منحى سلفي».. وأتساءل هنا كيف اعتبر الزنيدي أن العالم الإسلامي آخذ في اليقظة الدينية رغم أنه لم يخرج من الدين من الأساس ؟!.
هذا من جهة. من جهة أخرى يبدو أن هذه اليقظة جاءت سلفية المنهج كما يقرر في محاضرته رغم أن مفهوم السلفية واسع جدا، وأعتقد أن الزنيدي يعرف ذلك تماما، إضافة إلى أن الدول (إن كان يقصد ذلك) التي وصل الإسلاميون فيها إلى سدة الحكم لم يكونوا من الأحزاب السلفية، بل هو توجه إسلامي عام.. هنا يحتاج الدكتور الزنيدي أن يكون أكثر دقة فيما يقول.
لقد حاول الدكتور الزنيدي طيلة محاضرته التي تفاعل معها المداخلون تفاعلا كبيرا تأييدا من جهة، ونقدا من جهة أخرى ــ أقول: لقد حاول الزنيدي أن يعطي نموذجا ثقافيا للشباب المسلم في عصر العولمة يتمثل في صورة تكاد تتقلص من حالة العموم الثقافية للأمة وتشاركيتها الفكرية، إلى أن تصل لنموذج مثقف وحيد يراه الزنيدي ممثلا لهذه الأمة، وهو الذي يمكن أن نسميه بـ «المثقف الإسلامي» ، وإن كنت لا أعترض على وجود هذا المثقف، إلا أنني أرى أن المحاضر الكريم جعله النموذج الأوحد، بل وصل بهذه النمذجة «ضمنا» إلى أن يجعلها في المثقف السلفي دون غيره، وإن كان لم يقلها صراحة إلا أنني فهمت ذلك (وأعتذر له إن أسأت الفهم) من حالة التقليص التي بدأ بها محاضرته حتى وقف عند إقراره بأن العالم الإسلامي يتجه صوب السلفية ليتشكل لدي تصور أنه أراد من ذلك نوعا من النمذجة الإسلامية التي ربما يتفق معه البعض أو يخالفه فيها، إلا أنه بالتأكيد سحب البساط عن غير المثقف الإسلامي، وكاد أن ينفي عن غير الإسلاميين صفة المثقف حتى أخرج صراحة كتاب الصحف من دائرة المثقف «الحقيقي» الذي يريد، فهل نحن أمام نمذجة ثقافية للشاب المسلم، أم نحن أمام إقصائية فكرية منمقة ؟!.
يبدو أن محاضرنا قد أخذه الحماس في صعود التيارات الإسلامية في العالم الإسلامي (الذي لم يخرج عن إسلاميته من قبل) ليؤسس ما هو متأسس ضمنا، وليعيد اكتشاف العجلة من جديد كما يقال.
ثم إن التيارات الإسلامية فاعلة منذ فترة طويلة، ولم تخرج من الساحة يوما حتى تعود إليه إلا إذا اعتبرنا الساحة هي سدة الحكم الذي وصل إليه الإسلاميون مؤخرا فهذا أمر آخر لا أعتقد أن محاضرنا قد قصده.
لقد كثرت في المحاضرة كلمات من قبيل «المثقف الحقيقي» و «المثقف النموذج»، وهي دلالات يمكن أن نعتبرها وثوقية ثقافية وقع بها المحاضر، إضافة إلى تجيير الحراك الشبابي في العالم الإسلامي لصالح فئة الإسلاميين رغم أن الحراك الشبابي في الثورات العربية شاركت فيها الأحزاب جميعها: الإسلامية والليبرالية والعلمانية والقومية، وهنا مكمن عملية الاختزال التي مارسها الشيخ الزنيدي في محاضرته بحيث لم يعد أحد يمكن له أن يزاحم الإسلامي القيادة الثقافية، وهذه ــ برأيي ــ رؤية ترفض الاختلاف الثقافي؛ لتكرس أحادية فكرية دائما ما اتهم الإخوة الإسلاميون بها.