رأيت الفساد، رأيت شخصه وظله، حجمه وطوله، رأيت حواجبه المرفوعة الدالة على الاستعلاء. ليس كائنا أسطوريا، ولا كائنا من ورق، بل هو كائن من لحم ودم، له لوننا، وله قسمات وجوهنا، وله لساننا، وله هويتنا.
نعم رأيت الفساد الذى يخيف الناس، رأيته وجها لا يختلف عن وجوهنا، رأيته يأكل ويمشى ويضحك، رأيته ورآه غيري، لكن من رآه خاف أن يشير إليه، فبقي غير مرئي لمن لا يريد أن يرى.
رأيته في كارثة سيول جدة .. رأيته في كارثة سيول تبوك .. رأيته في مأساة رهام، رأيته في استعلاء المسؤول .. رأيته في انهيار سوق الأسهم، رأيته في التعديات على الأراضي العامة والخاصة، رأيته في احتكار السلع الأساسية، رأيته في الأزمات المفتعلة من حين لآخر، رأيته في العمالة السائبة التي لا تعرف كفلاءها الذين لا دور لمعظمهم إلا جباية الأموال دون الإسهام في الإنتاج والتنمية الاقتصادية. والحقيقة أن مشاهد الفساد أكثر في إثارة مخاوفنا من أفلام الرعب الأمريكية.
الفساد الذي يعتقد البعض أنه لا يـرى، له ألوان تفوق ألوان الطيف تلونا وتبدلا، يوجد الفساد في الصمت عن الفاسد، يوجد في الكلام الكاذب عن صلاح الفاسد، يوجد في النفاق الصارخ في تبرير حالات الفساد، يوجد في طمس الحقائق أو التلاعب بها، يوجد في تشكيل اللجان التي يتشكل منها لجان فرعية حتى تموت الحقائق بالتقادم. هل يعقل، مثلاً، أن يرأس أحدهم لجنة هو المتهم في القضية المنظورة أمام اللجنة؟
كل واحد منا رأى في مجال عمله فسادا مختلف الأشكال والألوان. وفي الغالب نصمت بدعاوى مختلفة، إما رغبة في الاستفادة من مميزات الرضا التي يسبغها علينا الفاسد، ولعل من أهمها التغاضي عن فساد نقوم به نحن أيضاً، أو الوعي بأن هذا الفاسد فوقه فاسد أشد فسادا. من هنا شاع الفساد في التعيين، الفساد في الترقيات، الفساد في المناقصات، الفساد في المشاريع، الفساد حتى في حجز سرير في مستشفى، أو أمر علاج في الخارج، الفساد حاضر في كل شؤون الحياة يدير ملفاتنا اليومية والموسمية.
اللافت في الأمر أن الكل يفتي في الفساد حتى المفسدين كبارا كانوا أو صغارا لا يتوانون عن ذكر أضرار الفساد على المجتمع، الكل يشخص الداء لكن لا أحد يجرؤ على القيام بالعلاج، وإن امتلك الجرأة لم يستطع أن يستأصل الداء.
(هيئة مكافحة الفساد «نزاهة») اعتراف رسمي صريح بالفساد في بلد الإسلام ومهبط الوحي، في بلد الخصوصية الاستثنائية!! ولعله يكفي هذه الهيئة إنجازا أنها اعتراف رسمي بتفشي وباء الفساد!! فالأمر لم يعد مجرد افتراء على مجتمعنا.. إن حجم الفساد في بلادنا هو المعطل الحقيقي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هيئة مكافحة الفساد فرصة أخيرة لمعالجة هذا الداء، وعلينا دعمها معنويا من خلال اعتبارها اليد النظامية التي نصحح بها مسارات التنمية في مجتمعنا. ولعل من الضروري أن تتحول إلى برنامج وطني شامل، ففي تصوري هي أهم من قضية السعودة التي شغلنا بها الإعلام مع أنها قضية مفتاحها محاربة الفساد في قطاع الأعمال والتجارة من التستر وغيره. كل مشكلة في مجتمعنا حلها في مكافحة الفساد. فعلى الدعاة وخطباء المنابر مسؤولية كبرى في دعم برامج الهيئة والتنديد بالفساد، كما أن برامج التعليم تتحمل مسؤولية لا تقل أهمية عن المؤسسات الدينية في وضع قضية الفساد ضمن برامجها ومناهجها اللاصفية. فمكافحة الفساد أهم في تصوري من مكافحة التدخين التي امتلأت بها برامج الجامعات مع أن خطر التدخين مهما كان مؤذيا فهو في النهاية خطر فردي..
ولعلي هنا أقترح على إحدى جامعاتنا إنشاء كرسي لمكافحة الفساد لدراسة الظاهرة وكيفية علاجها، ويمكن إشراك هيئة مكافحة الفساد في مشروع هذا الكرسي لكي تتحقق الصفتان الأكاديمية والرسمية الإدارية.
halnemi@gmail.com
نعم رأيت الفساد الذى يخيف الناس، رأيته وجها لا يختلف عن وجوهنا، رأيته يأكل ويمشى ويضحك، رأيته ورآه غيري، لكن من رآه خاف أن يشير إليه، فبقي غير مرئي لمن لا يريد أن يرى.
رأيته في كارثة سيول جدة .. رأيته في كارثة سيول تبوك .. رأيته في مأساة رهام، رأيته في استعلاء المسؤول .. رأيته في انهيار سوق الأسهم، رأيته في التعديات على الأراضي العامة والخاصة، رأيته في احتكار السلع الأساسية، رأيته في الأزمات المفتعلة من حين لآخر، رأيته في العمالة السائبة التي لا تعرف كفلاءها الذين لا دور لمعظمهم إلا جباية الأموال دون الإسهام في الإنتاج والتنمية الاقتصادية. والحقيقة أن مشاهد الفساد أكثر في إثارة مخاوفنا من أفلام الرعب الأمريكية.
الفساد الذي يعتقد البعض أنه لا يـرى، له ألوان تفوق ألوان الطيف تلونا وتبدلا، يوجد الفساد في الصمت عن الفاسد، يوجد في الكلام الكاذب عن صلاح الفاسد، يوجد في النفاق الصارخ في تبرير حالات الفساد، يوجد في طمس الحقائق أو التلاعب بها، يوجد في تشكيل اللجان التي يتشكل منها لجان فرعية حتى تموت الحقائق بالتقادم. هل يعقل، مثلاً، أن يرأس أحدهم لجنة هو المتهم في القضية المنظورة أمام اللجنة؟
كل واحد منا رأى في مجال عمله فسادا مختلف الأشكال والألوان. وفي الغالب نصمت بدعاوى مختلفة، إما رغبة في الاستفادة من مميزات الرضا التي يسبغها علينا الفاسد، ولعل من أهمها التغاضي عن فساد نقوم به نحن أيضاً، أو الوعي بأن هذا الفاسد فوقه فاسد أشد فسادا. من هنا شاع الفساد في التعيين، الفساد في الترقيات، الفساد في المناقصات، الفساد في المشاريع، الفساد حتى في حجز سرير في مستشفى، أو أمر علاج في الخارج، الفساد حاضر في كل شؤون الحياة يدير ملفاتنا اليومية والموسمية.
اللافت في الأمر أن الكل يفتي في الفساد حتى المفسدين كبارا كانوا أو صغارا لا يتوانون عن ذكر أضرار الفساد على المجتمع، الكل يشخص الداء لكن لا أحد يجرؤ على القيام بالعلاج، وإن امتلك الجرأة لم يستطع أن يستأصل الداء.
(هيئة مكافحة الفساد «نزاهة») اعتراف رسمي صريح بالفساد في بلد الإسلام ومهبط الوحي، في بلد الخصوصية الاستثنائية!! ولعله يكفي هذه الهيئة إنجازا أنها اعتراف رسمي بتفشي وباء الفساد!! فالأمر لم يعد مجرد افتراء على مجتمعنا.. إن حجم الفساد في بلادنا هو المعطل الحقيقي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هيئة مكافحة الفساد فرصة أخيرة لمعالجة هذا الداء، وعلينا دعمها معنويا من خلال اعتبارها اليد النظامية التي نصحح بها مسارات التنمية في مجتمعنا. ولعل من الضروري أن تتحول إلى برنامج وطني شامل، ففي تصوري هي أهم من قضية السعودة التي شغلنا بها الإعلام مع أنها قضية مفتاحها محاربة الفساد في قطاع الأعمال والتجارة من التستر وغيره. كل مشكلة في مجتمعنا حلها في مكافحة الفساد. فعلى الدعاة وخطباء المنابر مسؤولية كبرى في دعم برامج الهيئة والتنديد بالفساد، كما أن برامج التعليم تتحمل مسؤولية لا تقل أهمية عن المؤسسات الدينية في وضع قضية الفساد ضمن برامجها ومناهجها اللاصفية. فمكافحة الفساد أهم في تصوري من مكافحة التدخين التي امتلأت بها برامج الجامعات مع أن خطر التدخين مهما كان مؤذيا فهو في النهاية خطر فردي..
ولعلي هنا أقترح على إحدى جامعاتنا إنشاء كرسي لمكافحة الفساد لدراسة الظاهرة وكيفية علاجها، ويمكن إشراك هيئة مكافحة الفساد في مشروع هذا الكرسي لكي تتحقق الصفتان الأكاديمية والرسمية الإدارية.
halnemi@gmail.com