-A +A
رندا الشيخ
من حسن الخلق أن نهتم دوما برد الجميل لمن غمرونا بكرمهم وإحسانهم، وأن نتحين الفرص لإظهار تقديرنا لحسن صنيعهم، خاصة حين يكون عطاؤهم ذلك بعيدا عن أي تملق! هذا فيما يتعلق بالغريب، ولكن ماذا عن القريب؟ لماذا يثمن البعض فضل الغريب، ومبادراته على حساب القريب؟ وأي قريب؟ الوالدان!
إن سبب كتابتي لهذا المقال، هو ما ألمسه من حولي من حالة تصحر في المشاعر تجاه الوالدين، لدرجة تجعل شريحة كبيرة في المجتمع تنظر إلى الفرد البار بوالديه نظرة تشعرك بأنه مثال لا يتكرر من التضحية، وكأنه يقوم بعمل غير متوقع أو غير مسبوق، أو يتفضل عليهما بكرمه إن أظهر اهتمامه بهما أو باحتياجاتهما! والمزعج أكثر هو تقبل فكرة انتشار العقوق وهجر الوالدين، وتبرير ذلك بأنه نتيجة طبيعية للتوسع العمراني، وازدياد المسؤوليات على الفرد، والعولمة! وهنا أتساءل.. ماالذي يحدث؟ منذ متى أصبح لعقوق الوالدين مبررات؟ وكيف تحول رفع الصوت لدى البعض والذي تطور إلى التهديد والتشابك بالأيدي والطرد من المنزل، من حالات فردية مستنكرة إلى ظاهرة منتشرة؟ أين ما تعلموه مذ كانوا في المرحلة الإبتدائية، وأين ما حفظوه عن ظهر قلب ورددوه وكتبوه على الأوراق حين تخرجوا متباهين بشهاداتهم؟ كيف نسوا أن رضا الله من رضا الوالدين، وسخطه من سخطهما؟ كيف يجرؤون على اللهث خلف أهداف وأحلام، ويطمعون في بناء حياة سعيدة بعد أن أحرقوا خارطة التوفيق بأيديهم؟ وإن كنا كبشر أولا ومسلمين ثانيا نحض بعضنا بعضا على عدم الإساءة إلى الأعداء فكيف بأرحم الناس بنا؟
أخيرا، دعني أخبرك يا قارئي العزيز بما رأته عيناي حين كنت في زيارة لإحدى العائلات. فأنا وبعد أكثر من سبع سنوات مرت على تلك الحادثة، مازلت أذكر كيف انفطر قلبي لمنظر والدة مريضة طريحة الفراش وهي تنهر من ابنتيها لأنها كانت تشكو همومها وآلامها لمن حضر من الضيوف! لكن العبرة ليست هنا! العبرة فيما حدث بعد وفاة الوالدة التي استراحت مما أراه تعذيبا غير إنساني، فالمشهد ذاته تكرر باختلاف تفاصيله، ولكن هذه المرة للفتاتين من أبنائهما! وكما يقال: هذا الكعك من ذاك العجين!



Randa_sheikh@yahoo.com