جورجي لويس بورخيس (1899 ــ 1986م). أديب أرجنتيني، حصل على إشادة دولية لكتبه المتميزة، وهي قصص قصيرة لها كثير من خصائص المقالة، وكان أكبر مزاياه جمال لغته الأدبية ومقدرته على تحويل الموضوعات الفلسفية إلى أدب، ونفاذ بصيرته في تنظيم العقل. (...) ومن المعروف أن بورخيس اطلع على نماذج كثيرة من الأدب العربي القديم والحديث، وتأثر بها في أعماله القصصية.
ولهذا نجده يروي سيرته الذاتية في آخر حياته وبعد إصابته بالعمى، فنجد مترجم السيرة إلى العربية عبدالسلام باشا يقول: «إن من الأمور التي لم تذكر في مجموعته طبيعة علاقته بالمرأة وعزوفه عن الزواج حتى جاوز الستين من عمره.. فتزوج زوجته الأولى (الزا استيتي ميلان) عام 1967، ولم يستمر زواجهما سوى ثلاثة أعوام، ثم تزوج (ماريا قدامه) قبل وفاته بشهور».
ويقول إن العمى جعله أكثر قربا من الشعر؛ لأن الشعر محمول يمكن التنقل به من مكان إلى آخر لإعادة نظمه ومراجعته حتى أثناء السفر.
بدأ بورخيس يعمل مع دار (ايميسيه) عام 1943 كمستشار أدبي، كان يقرأ الكتب ويدلي برأيه في نشرها، ويكتب مقدماتها، ويراجع النصوص... إلخ.
منذ سنة 1945 وحتى 1954.. وفي عام 1957 أصبح مديرا للمكتبة الوطنية. وفيما يلي مقاطع ومختارات من سيرته:
كتب أبي رواية طبعها في مايوركا عام 1921 حول تاريخ (فترة ريوس) اسمها (القائد). كما كتب ودمر كتاب مقالات، وطبع ترجمة لطبعة (فيتز جيرالد) لأشعار عمر الخيام، بنفس عروضه الأصلي. كما دمر كتابا للحكايات الشرقية على طريقة ألف ليلة وليلة ومسرحية اسمها (نحو العدم) عن رجل أخاب ابنه أمله. كما طبع بعض السوناتات الجميلة على طريقة (إنريك بانشس).
منذ طفولتي، عندما أصيب أبي بالعمى اعتبر بشكل مضمر أنني سأكمل الطريق الأدبي الذي منعت الظروف أبي من إتمامه. كان شيئا يوهب بلا حساب (وهذه الاعتقادات أكثر أهمية من الأشياء التي تقال). كان من المنتظر أن أصبح كاتبا.
بدأت الكتابة عندما كان عمري ستة أو سبعة أعوام. حاولت أن أقلد الكلاسيكيين الأسبان مثل ثربانتس. وضعت بإنجليزية سيئة للغاية شيئا مثل ملخص لأسطورة يونانية، بدون شك منتحلة من LLEMPRIERE. ربما كانت هذه أولى غزواتي الأدبية. أولى قصصي كانت حكاية لا معقولة إلى حد ما، على طريقة ثربانتس، قصة مجهولة اسمها (القبعة القاتلة). كتبت هذه الأشياء بإسهاب شديد في كراسات مدرسية. أبي لم يتدخل أبدا. كان يريد أن ارتكب أخطائي الخاصة، وذات مرة قال لي: «الأبناء يعلمون آباءهم وليس العكس». في التاسعة ترجمت (الأمير السعيد) لـ(أوسكار وايلد). وطبعته في (البايس)، إحدى الصحف الأرجنتينية. ولأن الترجمة وقعت ببساطة (خورخى بورخيس) اعتقد الناس أنها لأبي.
تذكر سني دراستي الأولى لا يسبب لي أي متعة، لكي أبدأ، فأنا لم أدخل لمدرسة حتى التاسعة، لأن أبي ــ كفوضوي طيب ــ كان لا يثق في المؤسسات الرسمية. ولأنني كنت استعمل نظارة وأضع ياقة وربطة عنق موضة ايتون، كنت أعاني من سخرية واستهزاء معظم زملائي الذين كانوا تلاميذ مشاغبين. نسيت اسم المدرسة، لكنني أتذكر أنها كانت في شارع (ثاميس).
عدنا إلى بوينوس أيرس على متن (الملكة فكتوريا) في نهاية مارس 1921. كانت مفاجأة بالنسبة لي بعد أن عشت في كل هذه المدن الأوربية ــ بعد كل هذه الذكريات من جنيف وزيورخ ونيس وقرطبة ولشبونة ــ أن أكتشف أن المدينة التي ولدت فيها تحولت إلى مدينة كبيرة شاسعة لا نهاية لها تقريبا، مليئة ببيوت قصيرة تمتد غربا إلى ما يسميه الأدباء والجغرافيون (لا بامبا) كانت إعادة اكتشاف أكثر منها عودة. استطعت أن أرى بوينوس أيرس بحماس وبنظرة مختلفة؛ لأننى ابتعدت عنها فترة طويلة. إن لم أكن قد عشت في الخارج أشك في أننى كنت أستطيع رؤيتها بهذا المزيج الغريب من الدهشة والتأثر.
المدينة ــ ليس كلها بالطبع وإنما بعض الأماكن التي لها عندي أهمية عاطفية ــ أوحت لي بقصائد (دفء بوينوس أيرس) أول كتبي المطبوعة.
ولهذا نجده يروي سيرته الذاتية في آخر حياته وبعد إصابته بالعمى، فنجد مترجم السيرة إلى العربية عبدالسلام باشا يقول: «إن من الأمور التي لم تذكر في مجموعته طبيعة علاقته بالمرأة وعزوفه عن الزواج حتى جاوز الستين من عمره.. فتزوج زوجته الأولى (الزا استيتي ميلان) عام 1967، ولم يستمر زواجهما سوى ثلاثة أعوام، ثم تزوج (ماريا قدامه) قبل وفاته بشهور».
ويقول إن العمى جعله أكثر قربا من الشعر؛ لأن الشعر محمول يمكن التنقل به من مكان إلى آخر لإعادة نظمه ومراجعته حتى أثناء السفر.
بدأ بورخيس يعمل مع دار (ايميسيه) عام 1943 كمستشار أدبي، كان يقرأ الكتب ويدلي برأيه في نشرها، ويكتب مقدماتها، ويراجع النصوص... إلخ.
منذ سنة 1945 وحتى 1954.. وفي عام 1957 أصبح مديرا للمكتبة الوطنية. وفيما يلي مقاطع ومختارات من سيرته:
كتب أبي رواية طبعها في مايوركا عام 1921 حول تاريخ (فترة ريوس) اسمها (القائد). كما كتب ودمر كتاب مقالات، وطبع ترجمة لطبعة (فيتز جيرالد) لأشعار عمر الخيام، بنفس عروضه الأصلي. كما دمر كتابا للحكايات الشرقية على طريقة ألف ليلة وليلة ومسرحية اسمها (نحو العدم) عن رجل أخاب ابنه أمله. كما طبع بعض السوناتات الجميلة على طريقة (إنريك بانشس).
منذ طفولتي، عندما أصيب أبي بالعمى اعتبر بشكل مضمر أنني سأكمل الطريق الأدبي الذي منعت الظروف أبي من إتمامه. كان شيئا يوهب بلا حساب (وهذه الاعتقادات أكثر أهمية من الأشياء التي تقال). كان من المنتظر أن أصبح كاتبا.
بدأت الكتابة عندما كان عمري ستة أو سبعة أعوام. حاولت أن أقلد الكلاسيكيين الأسبان مثل ثربانتس. وضعت بإنجليزية سيئة للغاية شيئا مثل ملخص لأسطورة يونانية، بدون شك منتحلة من LLEMPRIERE. ربما كانت هذه أولى غزواتي الأدبية. أولى قصصي كانت حكاية لا معقولة إلى حد ما، على طريقة ثربانتس، قصة مجهولة اسمها (القبعة القاتلة). كتبت هذه الأشياء بإسهاب شديد في كراسات مدرسية. أبي لم يتدخل أبدا. كان يريد أن ارتكب أخطائي الخاصة، وذات مرة قال لي: «الأبناء يعلمون آباءهم وليس العكس». في التاسعة ترجمت (الأمير السعيد) لـ(أوسكار وايلد). وطبعته في (البايس)، إحدى الصحف الأرجنتينية. ولأن الترجمة وقعت ببساطة (خورخى بورخيس) اعتقد الناس أنها لأبي.
تذكر سني دراستي الأولى لا يسبب لي أي متعة، لكي أبدأ، فأنا لم أدخل لمدرسة حتى التاسعة، لأن أبي ــ كفوضوي طيب ــ كان لا يثق في المؤسسات الرسمية. ولأنني كنت استعمل نظارة وأضع ياقة وربطة عنق موضة ايتون، كنت أعاني من سخرية واستهزاء معظم زملائي الذين كانوا تلاميذ مشاغبين. نسيت اسم المدرسة، لكنني أتذكر أنها كانت في شارع (ثاميس).
عدنا إلى بوينوس أيرس على متن (الملكة فكتوريا) في نهاية مارس 1921. كانت مفاجأة بالنسبة لي بعد أن عشت في كل هذه المدن الأوربية ــ بعد كل هذه الذكريات من جنيف وزيورخ ونيس وقرطبة ولشبونة ــ أن أكتشف أن المدينة التي ولدت فيها تحولت إلى مدينة كبيرة شاسعة لا نهاية لها تقريبا، مليئة ببيوت قصيرة تمتد غربا إلى ما يسميه الأدباء والجغرافيون (لا بامبا) كانت إعادة اكتشاف أكثر منها عودة. استطعت أن أرى بوينوس أيرس بحماس وبنظرة مختلفة؛ لأننى ابتعدت عنها فترة طويلة. إن لم أكن قد عشت في الخارج أشك في أننى كنت أستطيع رؤيتها بهذا المزيج الغريب من الدهشة والتأثر.
المدينة ــ ليس كلها بالطبع وإنما بعض الأماكن التي لها عندي أهمية عاطفية ــ أوحت لي بقصائد (دفء بوينوس أيرس) أول كتبي المطبوعة.