-A +A
عبدالعزيز بن عثمان بن صقر
زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للمملكة تأتي ضمن جولة مهمة يقوم بها آبي تشمل المملكة، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتركيا، وروسيا، وتولي اليابان هذه الزيارة أهمية كبيرة، وهذا ما لمسته خلال زيارتي الأخيرة لطوكيو في منتصف شهر ابريل الحالي، حيث بدت رغبتهم في زيادة حجم العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري والاستثماري مع المملكة، وبدت اهتمامات المسؤولين اليابانيين واضحة بالمملكة كمكانة إقليمية ودولية، وسوق ضخم، مورد نفطي هام داعم للاقتصاد الياباني العملاق، مع وجود فرص مواتية لارتياد مجالات جديدة للتعاون المفيد للطرفين خاصة أن العلاقات الثنائية تمر بمرحلة متميزة ومهمة حاليا ضمن مراحل تاريخها الطويل الذي بدأ منذ عام 1938م، بزيارة مبعوث جلالة الملك عبد العزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ، المرحوم حافظ وهبة لحضور افتتاح مسجد طوكيو، ثم زار المملكة مبعوث ياباني لأول مرة في العام التالي مباشرة أي في عام 1939م، وهو ماسايوكي يوكوياما، والتقى جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز، ثم تطورت هذه العلاقات بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن تمت إقامة علاقات دبلوماسية رسمية كاملة بين المملكة واليابان في عام 1955م، وانطلقت بعد ذلك الزيارات الرسمية لكبار المسؤولين في البلدين، وبدأت بزيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ إلى اليابان عام 1960م عندما كان وقتئذ وزيراً للمواصلات، ثم زيارة الملك فيصل عام 1971م، وتلا ذلك تبادل الوفود إلى أن توثقت عرى هذه العلاقة بين البلدين في الآونة الأخيرة خاصة عندما زار المملكة رئيس الوزراء الياباني ريوتارو هاشيموتو، واستقبله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ في عام 1997م، وصاغا (الشراكة الشاملة نحو القرن الحادي والعشرين)، وفي العام التالي زار طوكيو ولي عهد المملكة آنذاك، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ يحفظه الله ـ حيث تم التوقيع على اتفاقية التعاون السعودي الياباني مع رئيس الوزراء الياباني كييزو اوبتشي. واليابان تقدر مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ يحفظه الله ـ للحوار بين أتباع الأديان والحضارات، كما استقبلت منذ عدة سنوات الأسبوع الثقافي السعودي الذي أقيم في مدينة اوساكا بكل حفاوة وترحيب، إضافة لوجود حوالي 400 طالب سعودي يلتحقون بالجامعات اليابانية. وإذا كانت العلاقات الثنائية بين المملكة واليابان تطورت بهذه السرعة على الصعيد السياسي، فهي حققت قفزات مهمة على الصعيد الاقتصادي، إلى أن تبوأت اليابان مرتبة الشريك الثاني للمملكة، وإحدى أكبر الدول المستثمرة في السعودية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان حوالي 180 مليار دولار، وحجم التبادل التجاري بين المملكة واليابان أكثر من 52 مليار دولار سنوياً، كما أن طوكيو التي تستورد 90% من احتياجاتها من الطاقة النفطية من منطقة الخليج، تبلغ حصة المملكة منها أكثر من مليون برميل، كما أن المملكة بادرت إلى سد العجز في الواردات اليابانية من النفط بعد فرض الحصار الاقتصادي على إيران التي كانت واحدة من أهم الدول التي تعتمد عليها طوكيو في استيراد النفط، ويأتي ذلك في الوقت الذي تحتل فيه اليابان المرتبة الثانية في العالم من حيث قيمة الناتج الوطني الإجمالي بحوالي 5.5 تريليون دولار في عام 2010م، كما أنها ثالث قوة تجارية في العالم، وتأتي الصناعة دعامة رئيسية في اقتصاد هذه الدولة، إذ تعد المنتج الأول للحديد والصلب في العالم، وثالث قوة في تكرير البترول، وأول منتج للسيارات، وتساهم بحوالي 40% من الإنتاج العالمي للسفن، ولديها أكبر أسطول تجاري في العالم. السؤال المطروح الآن على هامش هذه الزيارة هو: ما هي أوجه التعاون التي يمكن أن ترتادها الرياض وطوكيو بشكل أكبر والتوسع فيها من أجل إيجاد شراكة مفيدة ونافعة للبلدين؟ والإجابة توضح أن هناك آفاقاً رحبة ومفيدة للجانبين وفي مجالات عديدة لا تقف فقط عند النفط السعودي أو الواردات التقليدية من اليابان، ويمكن أن يمتد هذا التعاون إلى مجالات كثيرة منها: الطاقة الجديدة والمتجددة وإدارتها وتأمينها، فاليابان لديها تجارب مهمة في تأمين محطات الطاقة النووية، حيث سبق لها أن أغلقت 51 محطة نووية بعد حادث فيكوشيما وأجرت عليها تجارب الأمان النووي ولم يتسرب منها أي اشعاعات ضارة، حيث لليابان تجارب طويلة ومتكررة مع الكوارث الطبيعية باعتبارها تقع ضمن حزام زلزالي نشط في الوقت الذي تعتمد فيه كثيراً على الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأيضا لدى طوكيو تجارب في توليد الطاقة عبر الرياح أو الطاقة الشمسية أو التي تعتمد على الانبعاث الحراري من باطن الأرض، والمملكة في حاجة إلى الطاقة من هذه المصادر بما تملكه من مساحة ومناخ ما يتيح لها الاستفادة من هذا النوع من الطاقة بديلاً للوقود الاحفوري، إضافة إلى التعاون في مجال أمن المعلومات، والحرب الالكترونية، والاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات الحديثة والمتطورة في تقنية المعلومات، كما تمتلك اليابان امكانيات متطورة في مجال كسح الألغام وتطهير المياه منها ويمكن الاستفادة من ذلك في تنقية مياه الخليج من الألغام بشكل مستمر، خاصة أن اليابان مقبولة لجميع الأطراف المطلة على الخليج أو تلك التي يهمها تأمين هذه المنطقة الحيوية والمهمة من العالم، إضافة إلى خبرات اليابان في تأمين سواحلها الطويلة جداً باعتبارها أرخبيلا من الجزر ومع ذلك تستطيع تأمين هذه السواحل الشاسعة عبر المراقبة الالكترونية كما يمكن أن تكون اليابان شريكا مهما في أمن الخليج والممرات المائية المهمة في المنطقة ومنها مضيق هرمز، حيث تعد هي والمملكة من الدول التي لها علاقات متميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية وباعتبار أن واشنطن تولي أمن منطقتي الخليج والباسفيك أهمية كبيرة وهذا الدور يمكن أن تساهم فيه اليابان بفاعلية كبيرة مع المملكة خاصة أنها دولة مقبولة وليست لها أطماع خارج حدودها وتربطها علاقات جيدة مع كافة الأطراف.
وعلى الصعيد الاقتصادي، من الضروري الإسراع في إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين اليابان ودول الخليج، وزيادة دور القطاع الخاص في تطوير العلاقات السعودية ـ اليابانية من خلال تفعيل دور مجلس الأعمال السعودي ـ الياباني والعمل على إيجاد أرضية صلبة مشتركة بين القطاع الخاص في الدولتين، وإنشاء مكتب لتسهيل التجارة والاستثمار بين البلدين، وإنشاء صندوق استثماري مشترك والتوسع في إقامة المشروعات المشتركة بين البلدين وتبادل الخبرات.

هذا ما نتمناه كنتيجة لزيارة رئيس الوزراء إلى المملكة، وبما يرقى إلى اهتمام القيادة في البلدين وتطلعاتها إلى شراكة فاعلة تم وضع أسسها وانطلقت في القرن العشرين وجاء وقت تفعيلها وجني ثمارها لصالح شعب البلدين واستقرار المنطقة.
* رئيس مركز الخليج للأبحاث
sager@grc.net