-A +A
علي غرسان، منصور نظام الدين (مكة المكرمة)

حذر أمين عام رابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي من الواقع الخطير الذي يمر به العالم الإسلامي، والذي يعيش مرحلة حرجة، ولا سيما مع تنامي المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين، والتي يتسيد الموقف فيها حاليا الجدل الطائفي المدعوم من إيران، الامتداد الخطير من إسرائيل، النشاط الكبير من المؤسسات غير الإسلامية، والمد الشيوعي، ما جعل العالم الإسلامي في حرب ضروس من عدة جهات.

واعتبر الدكتور التركي ما عاشته المنطقة قبل عقود مما عرف حينه بالصحوة الإسلامية أنه لم يكن سوى وهم دفع العالم الإسلامي ضريبته، ووقع المجتمع تحت تأثيرات، ولم تكن سوى مخططات فردية انطلت على البعض.

وكشف الدكتور التركي عن لقائه بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إبان تقلده منصب وزير الداخلية الفرنسي الذي تضجر من وجود مركز الرابطة في فرنسا، وأوضح التركي بأن «ساركوزي» أثناء لقائه به أحضر معه فتوى للشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ حمود العقلاء، في دلالة لسوء تفسير بعض الفتاوى، لكنه خرج باسما من اللقاء بعد توضيح الصورة، وطالبا تدخل الرابطة في توعية المسلمين في دولته.

جاء ذلك في اثنينية الشيخ الدكتور أحمد بن نافع المورعي، مساء أمس الأول، بحضور الدكتور راشد الراجح، والدكتور ناصر بن عبد اللّه الصالح، وعدد من أصحاب الفضيلة، وجمع من الوجهاء ورجال الصحافة والإعلام، والتي تزامنت (الاثنينية) مع ذكرى البيعة الثامنة لخادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله. وبين التركي أن الغرب ليس لديه رؤية واضحة عن الإسلام، وأن حقائق الإسلام الصحيحة غير واضحة عندهم، ولهذا كانوا يحذرون من الوهابيين ومن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ويقولون هؤلاء لديهم تطرف.

وأضاف التركي بأن المراكز الإسلامية التي يرجع إليها الغرب ضعيفة جدا، وهي تحارب الإسلام الصحيح، وكثير من الأخبار لديهم وجدناها مغلوطة ولا تمت للإسلام بصلة. كما كشف أمين عام رابطة الإسلامي عن نفوذ إيران الدولي، وعن توسعها في نشر مذهبها الذي تنتمي إليه، كما أوضح الشيخ التركي بأن رابطة العالم الإسلامي تفتقر للأبحاث المتميزة القادرة على حل مشكلات العالم الإٍسلامي وعلى حل النزاع الحاصل.

وأوضح التركي بأن البعض يسمي مثل هذه اللقاءات بـ«العصف الذهني»، وإن كان التعبير ليس عربيا ولا معتادا، ولكن القصد منه أن تستفيد المؤسسة من الآخرين، وأتمنى أن يكون هذا اللقاء ينطلق من هذا المنطلق، كون لدينا شخصيات كبيرة مثل الشيخ راشد والشيخ الصالح ورجال القضاء والإعلام والتعليم وغير ذلك، ولا شك أن لهم تجربة طويلة ولهم متابعة لأعمال الرابطة وما يتعلق بها.

واعتبر الشيخ عبدالله التركي أحداث 11 سبتمبر واحدة من أبرز أسباب انحسار العمل الدعوي والإسلامي، والتي أثرت على نشاط الرابطة، وقال: «تجددت أحداث بعدها، ما جعل البرامج أو المراكز أو المؤسسات، أو حتى العلاقة مع الدول العربية والإسلامية، وخاصة المملكة، ما أقول تضعف، لكنها تتراجع إلى حدٍ ما عن المؤمل أن تكون عليه، ونجد أن هناك نشاطا كبيرا لمؤسسات غير إسلامية، سواء من أوروبا أو من أمريكا أو حتى من مناطق أخرى، ونجد أيضا امتدادا طائفيا مدعوما من إيران ومن بعض الجهات الأخرى، ونجد أن المسلمين هناك في أمس الحاجة إلى تقوية التواصل معهم، وطبعا هذا النموذج عندما ذهبنا لجنوب شرق آسيا والصين وفي أماكن عديدة في القارة الآسيوية (الجمهوريات الإٍسلامية) نجد امتدادا خطيرا لإسرائيل، والتأثير القوي والتحرك لإيران من أجل إثارة الطائفية، ونجد المنظمات الغربية لها نشاط كبير، وإذا وازنا بينها وبين نشاط المسلمين ونشاط في المملكة ودول الخليج نجد أن الأمر بالفعل بحاجة إلى إعادة نظر ووضع استراتيجيات جديدة لترتيب الأولويات».

ومضى الشيخ التركي في الحديث عن الرحلات والبعثات لأمريكا أو الولايات المتحدة أو الدول الأوربية، وبالذات التي فيها تجمعات كثيرة للمسلمين، فقال: نجد أن هناك إشكالات كبيرة تواجه هؤلاء المسلمين وتتعلق أيضا بسمعة المسلمين وصورة الإسلام أمام الآخرين، ونصادف أيضا بعد ما حصل في البلدان العربية من أحداث ما تسمى بالربيع العربي والتطورات التي حدثت، وأيضا هل هي مرتبطة بالإسلام أو غير مرتبطه به، هل لها نتائج إيجابية؟ هل هي منطلقة من الرؤية الإسلامية الصحيحة في المستقبل، هذه الأحداث كلها تذكرنا بفكرة تأسيس الرابطة التي أنشئت في عام 1381هـ من قادة المملكة، وبخاصة في ذلك الوقت الملك سعود سعود، ثم الملك فيصل والملوك من بعده كان لهم دور كبير، باعتبار العالم الإسلامي في ذلك الوقت يواجه تحديات، سواء المد الشيوعي وآثار الاستعمار في ذلك الوقت، وتفرق المسلمين، فكان لا بد أن توجد مؤسسات تسهم في وحدة الكلمة وجمع المسلمين طبعا، كونها تنطلق من مكة كان لها أثر كبير. هل الأوضاع في ذلك الوقت أفضل من أوضاع المسلمين والرؤية العالمية للإسلام في الوقت الحاضر أولا؟ هذا سؤال دائما يطرح علينا، وكان هناك الكثير من الطموحات والآمال والتطلعات وما يسمى بالصحوة الإسلامية، لكن الأحداث أثبتت أن الرؤية الصحيحة التي ينبغي أن ينطلق منها المسلمون وأن يتعاونوا عليها ويهتموا بها تحتاج إلى مراجعة وإلى بحث ودراسة عميقة، وهذا الموضوع يوجب على المؤسسات الإسلامية عموما، وبخاصة الرابطة، كونها في المملكة، وهي الدولة التي قامت على الإسلام والدول القيادية في العالم الإسلامي، المنظمات التي لها شأن والاهتمام بالناحية الإسلامية أن تعيد دراستها للأحداث، وأن تضع استراتيجية جديدة تنطلق منها، وأن ترتب على أولويات، بحيث يكون هناك ترتيب لأوليات معينة.

وفي ختام حديثه، تساءل أمين عام رابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي: أين موقف المسلمين، سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى غير الرسمي. وأضاف: هل الإعلام الآن في البلاد الإٍسلامية، وفي مقدمتها البلاد العربية، منطلق من الإسلام ومن الرؤية التي تتطلبها هذه البلاد، إن كان في الجانب السياسي فيما يتعلق بالتعاون، سواء ما كان بين الدول العربية والإسلامية أو العالمية، هل هي منطلقة من رؤية إسلامية صحيحة.

وفي مداخلة، طالب الدكتور راشد الراجح الرابطة بضرورة وضع رؤية إعلامية يمكن من خلالها تحسين الصورة عن المملكة والإسلام، فأجاب الدكتور التركي: «بلا شك أن الإعلام دوره مؤثر، وخصوصا في الغرب، ونجد أن أغلب الوسائل لديهم تعتمد الإثارة الإعلامية، لكننا نؤمن أن حضورنا في عدة قوات متنوعة خير من تخصيص قناة واحدة، لا بد لنا من نهج قويم في الإعلام ننطلق من خلاله وفق كفاءات شابة قادرة على تحسين هذه الصورة».

ومن جهته، طالب الدكتور عبدالعزيز السرحان في مداخلة ــ بضرورة دعم مكاتب الرابطة في الخارج لتؤدي دورها وفق المأمول منها، فأجاب الدكتور التركي بالقول: «نسعى لدعم هذه المراكز، ولكن ليدرك الجميع أن القضية أكبر من كونها مسؤولية جهة واحدة أو دولة واحدة، المسألة تحتاج إلى رؤية إسلامية كبيرة، حتى ــ مع الأسف ــ الجامعات الإسلامية لم تنفذ اتفاقيات سابقة كانت قد نصت على أن تكون مادة الثقافة الإسلامية ملزمة في كل الجامعات العربية والإسلامية، لكن لم تنفذ هذه الاتفاقية سوى المملكة».

وداخل نواف جوهرجي مطالبا بضرورة توعية العالم الإسلامي بكيفية استخدام الثروات لتنمية مداخيل الشعوب وتعزيز دور البنوك الاسلامية في ذلك، فرد الدكتور التركي بالقول: «لدينا هيئة متخصصة في هذا المجال، وتوجد هيئة عن التمنية البشرية وهيئة في الاقتصاد وهيئة في التعليم، ربما القضية أكبر من هذه الهيئات؛ لأن الثروات العربية الموجودة تفشل أحيانا إذا رجعت لبلادها».

وعن الوضع المأساوي في سوريا، قال الشيخ التركي: «محزنة أوضاع سوريا، وكشفت عن الوهن العربي أمام القوى العالمية، وهذا يقودنا صوب ضرورة إعادة النظر في الواقع، سواء أكانت تحالفات دولية أو حتى تعاملا عربيا إسلاميا، إيران اتجاهاتها باتت واضحة، وحزب الله دخل للقتال في سوريا، وتدخل روسيا والصين لحماية النظام، كلها لها دلالات أن الوضع ليس المقصود به سوريا، بل المنطقة كلها، وحتى التقسيمات داخل سوريا والتعديلات في الأوضاع السياسية».

إحسان طيب طالب في طرح له بضرورة التوسع في المنح الدراسية للطلبة حديثي الإسلام في الخارج، ليكونوا في الجامعات السعودية، مع ضرورة إعادة سلم أولويات الدعوة، ليرد الدكتور التركي بالقول: «أتفق معك فيما ذهبت إليه، فسلم الأولويات لا بد من أعادة النظر فيه وفق الضرورات الواقعية».