-A +A
عبدالله عويقل السلمي
حينما حاول القدماء معالجة الضعف اللغوي أدركوا شيئا كبيرا مما يهدفون إليه، وتحقق لهم قدر كبير مما يرومونه؛ لأنهم لم يكرسوا مفردة (مشكلة) في معالجاتهم، وإنما تحددت عندهم معالم القصور وطرئق الحل، ولم تغب عنهم الرؤية التربوية، ولم يخلقوا تشويشا أوعدم ثقة لدى الجيل في اللغة، ولم يكن بينهم خصومة تذكر حول موضوع التيسير كما هو حادث اليوم. أما المعاصرون فعلى كثرة محاولاتهم مازال نتاج جهودهم أقل، وانعكاس محاولاتهم التصحيحية على المتلقين ضعيفا إن لم يكن معدوما. أما لماذا؟ وهل هو نتاج نقص في قدرة المتأخرين وضعف تحصيلهم وتأهيلهم وبراعة عند المتقدمين؟ فلا أظن شيئا من ذلك، فالعقل هو العقل متطور مبتكر متفاعل مع ما حوله بحسب مقتضى الحال. وفي تصوري أن تجنب ضخ القضية كمشكلة هو سر نجاح أولئك وفشل هؤلاء؛ لأن المعاصرين كرسوا في أذهان أجيالنا أن اللغة العربية تعاني من مشكلة تستدعي عقد مؤتمرات وندوات ومراكز بحثية لتحديدها وتشخيصها ومعالجتها، ومع ذلك لم يألوا على شيء. فكل واحد منهم يقدم حلا يراه ناجعا، فيدافع عنه، ويجمع حوله الأنصار، ويطرح ما عداه، فضاع الجيل في خضم هذه المعارك التي تعددت فيها الطروحات وتشعبت المعالجات، وظل الداء يسرح ويمرح في المتلقين. صحيح أن ثمة فرقا بين القديم والحديث من حيث إن السياسة قديما كانت مع العلماء في الاعتزاز بالعربية وصونها، أو لم تكن ضدهم في أسوأ الأحوال. وكانت المذاهب تتفق على قداسة العربية، وكان التباين في مناهج التدريس وطرائقه، كل على حسب بيئته وواقعها العلمي، أما حديثا فربما تدخلت السياسة معادية للعربية والتعريب عداء صريحا، أو وقفت موقفا محايدا في العلن، أو وقفت موقفا يدل على عدم الاكتراث بالقضية؛ لأنها لا تعي أبعادها، فانبرى من نصبوا أنفسهم غيرى على العربية مع اختلاف مشاربهم وأفكارهم وغاياتهم ومصالحهم يطرح كل منهم ما يقتضيه توجهه، فكان التخالف والتصارع يعطلان كل مشروع جاد. ساعد ذلك واقع التعليم المزري في البلاد العربية، والتكوين النفسي والثقافي للأمة كما (يتبين في حديث قادم). والخلاصة أن ثمة فرقا جليا بين القدماء والمحدثين في معالجة الضعف، فالسابقون كان لهم منهجهم ووسائلهم، وساندهم واقعهم حتى أفضت محاولاتهم إلى نتائج إيجابية. أما المحدثون فخللهم يتجلى أولا في ضخ ثقافة (المشكلة المتوهمة) الذي أدى إلى وجودها حقيقة، ثم تحلقهم حولها وتصارعهم وتسابقهم حينا وتناديهم أحيانا أخرى لمعالجتها، مع اختلاف طروحاتهم وتنوع توجهاتهم. ولم يسألوا أنفسهم: لماذا لا نتفق على تحديد هذه المشكلة إن سلمنا بها؟ ثم هل هي مشكلة في مضمون اللغة أو في منهج تعليمها أو في الهوة بينها وبين لغة الشارع؟ من هنا ازداد الضعف وبدأت فعلا تتشكل معالم مشكلة بفعل اللغويين أنفسهم، إذ إن بعض الميسرين ومدعي (خدمة اللغة) يتحدث عن مشكلة دفعته لطرح رؤاه التيسيرية، وينتهي إلى نتيجة في قضية أخرى، ومشكلة أخرى لا علاقة لها بدوافعه. وفي اللقاء القادم نتبين أن لا مشكلة في اللغة ولا معها. وألقاكم.

تويتر aanzs1417 @