لنعترف أن إدارة العمل الثقافي تحيط بها اليوم تحديات كثيرة وتناقضات متعددة في ظل اختلافات بين المثقف ووزارة الثقافة من جهة، وبين المثقفين ومجالس إدارات الأندية الأدبية من جهة ثانية، إضافة إلى الاختلافات داخل المجالس الأدبية ذاتها، وكذلك الاختلافات بين المشتغلين بالشأن الثقافي والأدبي، وما أجمل الاختلاف الثقافي الحضاري حين يتكئ على رؤية موضوعية ولا يجنح إلى الذاتية فيصبح ساحة للأهواء التي تحيل المشهد إلى صراعات وسجالات لا تفضي إلى تحقيق أهداف هذه المؤسسات الثقافية، وبالتالي يتعطل دورها الذي يجب أن تمارسه دون معوقات.. ولن أسهب في الحديث في هذا الاتجاه الذي صار مكرورا ويبعث على الملل.. أقول ذلك مسترجعا تاريخ العمل الثقافي وإدارته بمنطقة مثل تبوك، متمثلا بالنادي الأدبي الذي شهد أربعة مجالس أدبية مرت عبر مسيرته منذ العام 1415هـ، حين تأسس النادي ــ آنذاك ــ بعد أن رشح أمير منطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز ستة أعضاء لمجلس الإدارة، يتقدمهم الأستاذ سداد بن محمود الفاخري، وهو أحد أعيان المنطقة، وكان حينها رئيسا لشركة تبوك للتنمية الزراعية (تادكو)، ولم يمض بضعة أيام على ترشيحه حتى ذهب معتذرا لسمو أمير المنطقة، طالبا الاعتذار حتى يمنح أحد الأعضاء رئاسة مجلس الإدارة، وكان رأي الفاخري بأن تخصصه غير مناسب لمثل هذه المؤسسة التي تعنى بالأدب والثقافة والإبداع، لكن رؤية فهد بن سلطان بأن الأستاذ الفاخري وبقدراته الإدارية وحضوره الشخصي المتميز وبخبراته الواسعة سيدير العمل الثقافي حتى وإن كان غير متخصص أو أديب، فثمة من يدير العمل الثقافي وهو غير مثقف وهكذا.. لكنه آثر الاعتذار بكل ثقة ورقي ووعي كبير، وهو بذلك الموقف والذي نتذكره اليوم قبل أكثر ثمانية عشر عاما تقريبا ندرك كم كان الأستاذ الفاخري مؤثرا وهو يحمل الموقف الثقافي الحقيقي.. فما كان من أمير تبوك إلا أن قام بترشيح الشاعر سليمان المطلق ــ يرحمه الله، والذي اعتذر هو الآخر لظروفه الصحية بعدها تم ترشيح الأستاذ الفاضل محمد بن عمر عرفة كأول رئيس لمجلس إدارة نادي تبوك الأدبي، وهو الذي أخذ على عاتقه منذ اللحظة الأولى مهمة التأسيس والبناء، وهي المرحلة الأصعب في انطلاقة أية مؤسسة أو جهة من الجهات كيف لا وهي مؤسسة ثقافية في منطقة كانت بكرا ــ آنذاك.. وكان مجلس الإدارة مكونا حينها من: الأستاذ فهد بن عايش الطيار، والأستاذ الشاعر مسلم بن فريج العطوي، والأستاذ الشاعر عبد الرحمن إسماعيل الشعبان ــ يرحمه الله، والدكتور موسى بن مصطفى العبيدان، والأستاذ ضيف الله بن عيد المضلعاني. وكان هذه المجلس منسجما تتوافق فيه وجهات النظر من أجل خدمة الثقافة والأدب والاهتمام بالمواهب والتواصل مع المشهد الثقافي.. وكان ابن عرفة يمتلك مقومات الإداري الفذ الذي يستطيع خلق التوازنات مدركا لكل ظروف المرحلة، وكان هاجسه الأول هو إنشاء مبنى خاص مستقل بمواصفات جيدة، وقد نجح وتحقق له وللمثقفين هذا الحلم، حيث تم تشييد النادي بحسن إدارته وبجهوده الذاتية مع أعضاء مجلس الإدارة رغم كل التحديات. استمرت إدارة ابن عرفة منذ العام 1415هـ وحتى العام 1427هـ، بعدها قامت وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية إبان فترة الدكتور عبدالعزيز السبيل، والذي عين عشرة أعضاء بأدبي تبوك، ثم استمر ذلك المجلس لمدة خمس سنوات، ثم جاءت بعدها انتخابات الأندية الأدبية.. أقول إن تكريم محمد بن عرفة بتسمية قاعات النادي باسمه بتوجيه من أمير المنطقة وتكريم النادي له في مهرجان تبوك الأول للشعر الخليجي كأول رئيس لأدبي تبوك ما هو إلا جزء يسير للغاية مما قدمه هذا القيادي المثقف، والذي إلى جانب علاقاته المتميزة مع المثقفين على حد سواء كان له دوره الإنساني والاجتماعي الذي يقوم به داخل المنطقة. وأنا على يقين أن وزير الثقافة والإعلام لن ينسى أولئك الرواد الذين شهدوا مرحلة البدايات وواجهوا حالة التأسيس والتحديات، ومن بينهم الأستاذ الفاضل محمد بن عمر عرفه أمده الله بالصحة والعافية.
ورقة أخيرة:
(يظل يهتف فيك الشعر من نغم
ويسبق الشوق فيك الشعر والنغما
وأن فيك احترام الناس كلهم
ما أجمل الشخص حين يكون محترما)
ورقة أخيرة:
(يظل يهتف فيك الشعر من نغم
ويسبق الشوق فيك الشعر والنغما
وأن فيك احترام الناس كلهم
ما أجمل الشخص حين يكون محترما)