-A +A
بدر الغانمي (قرية كلية)
حال 6000 مواطن من سكان قرية كلية هذه الأيام كالمستجير من الرمضاء بالنار، ففي الوقت الذي عانى فيه الأهالي من أدخنة المصانع الثلاثة القادمة مع الريح السائدة على القرية من الجهة الشمالية الغربية على بعد 35 كيلو مترا لمصنع اسمنت رابغ وشركة بترو رابغ والمحطة البخارية التي يعتقد أنها تسببت في إصابة 64 مواطنا بأمراض صدرية مسجلة رسميا في المركز الصحي، فإذا بهم يصدمون بإعلان هيئة المدن الصناعية إقامة مدينة صناعية على مساحة 75 مليون مترمربع تحوي ثلاثة آلاف مصنع تبعد عن قريتهم مسافة 300 متر فقط ليصبح هاجسهم الدائم وسؤالهم الذي لا ينفك: كيف حدث هذا؟ ومن أعطى التصريح لهيئة المدن بهذا الموقع؟ وهل أصبحت التنمية كما يقول حامد الفارسي نائب مدير مركز أحياء كلية: تقوم على أن جلب المصالح أولى من درء المفاسد أم العكس.
لم أجد لدى كل من قابلتهم من السكان سوى الفزع والخوف في عيونهم.. يحدثونك بألم الصدمة والخوف من المستقبل، وقد يدفعهم لمغادرة أرض الآباء والأجداد الى مكان مجهول لم تتضح رؤيته بعد. رئيس مركز القظيمة عابد السيد الذي تتبع له قريتهم بدا محرجا من الرد على سؤالي، قال: القرار لدى رئيس بلدية رابغ السابق والمحافظ ولا تسألني عن المزيد.



الطريف أن أحد السكان قال لي: فعلا لا تحرج رئيس المركز فهو مثلنا ما زال متفاجئا؟.
يقول السكان.. ذهبنا للمحافظ فقال لنا: المدينة الصناعية من كوبري الجمال وشماله فكيف ذهبت الى هناك.. سألت المحافظ شخصيا، فأحالني الى رئيس البلدية الجديد الذي يقول إنه قرار الرئيس الذي سبقه في المسؤولية!!
والحقيقة أن الموقع الأول المقترح لهذه المدينة كان شمال مركز مستورة في أرض تأتي عكس اتجاه الريح السائدة وكان يمكن الأخذ به، لكن ممثلي الأهالي الذين التقيتهم يلقون باللائمة على رئيس البلدية السابق لاقتراحه الموقع.. حاولت الاتصال به أكثر من مرة لأستوضح وجهة نظره فلم يرد.. أرسلت له رسالة فلم يعرني اهتماما.
يقول المواطن: ما زالت فينا حياة وما زال صوتنا مرتفعا دفاعا عن حقنا في الحياة وحق أبنائنا وأسرنا، ولكي تعلم حجم المشكلة عليك أن تعلم أننا عانينا الأمرين من الأدخنة المتصاعدة من المصانع الثلاثة السابقة الذكر في رابغ وطالبنا في برقيات كثيرة رفعناها لإمارة منطقة مكة المكرمة بضرورة أن تقوم المصانع الثلاثة باتخاذ الاحتياطات البيئية المناسبة لحماية الإنسان وقد تقرر تشكيل لجنة منذ ثلاث سنوات من المحافظة والإمارة وحماية البيئة ووعدونا بإحضار مختبر دائم لقياس نقاوة الهواء وما زلنا ننتظر وعودهم التي لم تتم منذ ذلك الوقت وقد عاودنا الاتصال بهم قبل شهرين فوعدونا بإرساله فورا ولم نر جديدا.
وهنا تداخل المواطن بكر السفري منوها لنقطة غاية في الأهمية بقوله:
من المؤسف والمحبط في نفس الوقت أن يتم انتخاب وتعيين ثمانية أعضاء في المجلس البلدي بمحافظة رابغ وكلهم من سكان مدينة رابغ وكان بالامكان أن تكون هناك عدالة في التوزيع تراعي مصالح هذه المراكز بتعيين أربعة ممثلين من مراكز المحافظة لينقلوا صوت المواطنين الى المجلس والاكتفاء بالأربعة المنتخبين من مدينة رابغ.
ويضيف: أعتقد أنه لو كان لنا ممثل في المجلس البلدي لعلمنا تفاصيل هذا القرار ولتعاملنا معه في فترة مبكرة.
سألت رئيس المجلس البلدي في محافظة رابغ حامد الجهني عن السبب في تغييب المراكز من عضوية المجلس.
فقال: لا تحرجني.. اسأل المحافظ؟. وجهت سؤالي الى محافظ رابغ طه عمر بن مبيريك الغانمي، فقال لي: اسأل رئيس البلدية المهندس مدني الجهني؟.. وهكذا ظلت الإجابة ومصالح المواطنين تدور في حلقة أو حلقات مفرغة.. ولا تعليق!
لا أخفي عليكم: بدأت أصدق ما قاله لي أحد مواطني كلية: بعض الموظفين في بلدية رابغ شعروا بالمأزق الذي وضعناهم فيه لكثرة تساؤلاتنا حول الموضوع فقالوا محاولين إحباطنا وكأن الأمر فرض واقعا علينا: «لا تتعبوا أنفسكم ترى الموضوع منتهي!!».
حاولت أن أخرجهم من دائرة الموضوع الواحد بحثا عن ملامح أمل لهذه القرية الزراعية الضاربة في التاريخ فقلت لهم: ما أعرفه أن الثلاثة آلاف مصنع التي سيتم إنشاؤها ستكون بلا عوادم، فوجدتهم أسرى لهذا الهاجس الجديد.
قلت لهم: ألا يمكن أن تكون هذه المدينة الصناعية التي تعتبرونها شرا لكم هي خير لكم، وقد تكون نقلة تاريخية لسكان القرية إذا تم احتواؤكم وإسكانكم فيها مع العاملين والموظفين بشكل حضاري يراعي ظروف معيشتكم وتكون خيرا على أبنائكم مستقبلا.