-A +A
د.طلال صالح بنان
هناك تصعيد متبادل بين الولايات المتحدة وإيران عبر ضفتي الخليج العربي. تصعيد إن لم يُتمكن من احتوائه، فإن المنطقة بأسرها مقبلة على مواجهة عسكرية كبيرة، تزيد من حدة التوتر فيها.. وتضير أمن الدول العربية الأعضاء في مجلس التعاون، والأمن القومي العربي، بصورة عامة. الحل لن يكون تحيز دول مجلس التعاون لهذا الطرف أو ذاك، في مواجهة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. ولا يكون أيضاً، من خلال تطور سلبي تجاه ما يحدث دون أن يكون لدول المجلس دورٌ على المستوى الدبلوماسي والسياسي، بل وحتى الاستراتيجي، لبعث رسائل إلى الأطراف المتصارعة، فوق مياه الخليج العربي، بأن أمن منطقة الخليج العربي، لا يمكن لدول مجلس التعاون، وكذا لدول الجامعة العربية، تركه تحت رحمة أطراف إقليمية أو دولية.
الحل، بعبارة أخرى: لن يكون بالمشاركة في أي مجهود عسكري (إقليمي أو دولي) لزيادة التوتر في منطقة الخليج العربي، بقدر ما يكون بالعمل (العربي) الإيجابي على احتواء إمكانات الصراع حتى لا تجد لها متنفسًا عنيفًا فتُضِرّ بأمن العرب القومي في أخطر منطقة استراتيجية بالنسبة لسلام العالم وأمنه.

من هنا: فإن نفس الرفض الذي قُوبلت به المناورات التي قادتها الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي مؤخراً، لابد أن يوجه -ذلك الرفض ايضا- لدعوة وزير الدفاع الإيراني لعقد اتفاقية دفاعية من دول منطقة الخليج العربي، من أجل إقامة منظومة دفاع إقليمية في المنطقة تتكفل بضمان أمنها. المشكلة في دعوة وزير الدفاع الإيراني الجنرال مصطفى محمد نجار، لعقد معاهدة دفاع مشترك بين دول الخليج العربي، في توقيتها، وليس فقط في فكرتها. هذه الدعوة تأتي في وقت تشهد منطقة الخليج العربي بوادر مواجهة قادمة بين الولايات المتحدة وإيران، وكما هو شأن الموقف من المناورات التي قادتها الولايات المتحدة، فإن إية استجابة من قبل أية دولة من دول المجلس لدعوة وزير الدفاع الإيراني، سوف تفسر من قبل واشنطن، بأنها موقف عدائي تجاهها، بينما مصلحة دول مجلس التعاون والدول العربية في تقليص احتمال أية مواجهة بين إيران والولايات المتحدة لأدنى درجة ممكنة، حتى يمكن إبعاد المنطقة عن شبح مواجهة عسكرية قادمة، تعصف باستقرار المنطقة وأمنها.
في الأحوال العادية، يمكن النظر في المبادرة الإيرانية بعقد معاهدة دفاع مشترك بين الدول المطلة على الخليج العربي تتشكل بموجبها منظومة دفاع إقليمية عن المنطقة، بعد التأكد من النوايا الإيرانية الحقيقية، من مثل هكذا مبادرة. تاريخياً: لا يمكن تجاهل تطلعات طهران. شاه إيران، كان يعتبر نفسه شرطي الخليج العربي، وبالتالي: المسؤول عن أمن المنطقة، بعيداً عن أية نظرة ندية من إمكانية المشاركة الجماعية، مع الدول العربية المطلة على الخليج العربي، في المساهمة المشتركة في مسؤولية أمن المنطقة.
في عهد الثورة الإسلامية، تجددت طموحات طهران في تفعيل فكرة تصدير الثورة ، التي قادت إلى حرب الخليج الأولى مع العراق التي استمرت لثماني سنوات. كذلك ما نراه من تغلغل إيراني واضح في العراق، هذه الأيام، الذي يُعد من أهم التداعيات السلبية للغزو الأنجلوسكسوني للعراق. ثم كيف يمكن تصور التوصل إلى معاهدة للدفاع المشترك مع الدول العربية على الخليج العربي، ولم تسوَّ بعد، قضايا إقليمية حدودية بين إيران وجيرانها العرب. هناك احتلال إيران لجزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى الأماراتية وقضايا ترسيم الجرف القاري مع عددٍ من دول مجلس التعاون. أخيراً وليس آخراً: إذا ما أصرت طهران على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي، من البداية ستكون هناك خلافات في عنوان أية معاهدة أمنية بين إيران والدول العربية المطلة على الخليج العربي، قبل تناول التفاصيل الأخرى.
استراتيجياً: لا يمكن فصل أمن منطقة الخليج العربي، عن منظومة الأمن القومي العربي. أي ترتيبات أمنية إقليمية أو دولية في منطقة الخليج العربي يجب ألا تخرج عن متطلبات الأمن القومي العربي.. وتعتمد أساساً، على تطوير قوة ردع عربية تجد في نصوص اتفاقية الدفاع العربي المشترك والاتفاقية الأمنية لدول الخليج العربية، الأساس القانوني والسياسي والاستراتيجي لها.