-A +A
عبدالله عويقل السلمي
مازال حديثي يتجه إلى نقد ما تخيلناه وهما (مشكلة اللغة) متجاهلين أننا نحن المشكلة وليست اللغة التي إن كانت تشكو مشكلة فهي فيمن خلقوا منها هذه المشكلة ليجتمعوا حولها مباهاة واسترزاقا ويأتمروا ويعقدوا اللقاءات والورش والمنتديات دون جدوى. على كل حال مما تفتقت به أذهان هؤلاء (الغيارى) على اللغة أو من رأوا أنفسهم خدما لها (وهي أقوى منهم قطعا) أنهم أخضعوا اللغة ومحاولات تيسيرها بوضعية المتلقي (الطالب)، وجعلوا العلة في تردي مستوى الطلاب عائدة إلى اللغة ذاتها، وهذا حتم عليهم حذف بعض الأبواب أو تغيير بعض مصطلحاتها. فأصبح تناول اللغة وقواعدها يسير تنازليا؛ لأنه يستجيب للمتلقي ويساير مستواه على حساب المستوى اللغوي، ومادام الطالب في حالة ضعف وانحدار فلن يقف الحذف عند حد، وبالتالي أصبح التأليف والتمثيل والتبويب يتدنى، ومع مرور الزمن تبعد المسافة عن اللغة الأم وبطبيعة الطموح التيسيري لا نستبعد أن يأتي بعد عقود من يجدد المجدد وييسر الميسر، ونصل باللغة إلى مرحلة لا يرجوها أحد من علمائها ولا من تمسحوا بخدمتها لا من المحافظين ولا من الميسرين المتجهين إلى إطلاقها من كهوف الماضي تمهيدا لطلاقها. ولذا أرى ضرورة اتخاذ قرار جماعي تتبناه مؤسسات رسمية وعلمية وأكاديمية وبحثية تحدد للباحثين والمؤلفين الحد الأدنى الذي ينبغي الوقوف عنده وعدم تجاوزه. نعم يبقى السؤال: هل نضمن بهذا الحل زوال مشكلة التدني؟ الجواب: لا بالتأكيد؛ لأن المشكلة ليست في اللغة؛ بل يجب ألا نكرس في أذهان أبنائنا أن لغتهم مشكلة، فهذا الصنيع هو المشكلة الحقيقية ذاتها. وإذا كانت المشكلة ملازمة لنا أساسا، فلتكن معالجتنا لها حيث نحن من غير استجابة أو توقع لما هو أسوأ. وأرى أن على المختص في اللغة ألا يجر لغته الفصيحة إلى منزلة أقل، أو مكانة أضعف. بل شأنه ومسؤوليته تنحصر في قدرته على الارتقاء بمستوى ضعف المتلقي إلى مستوى أعلى، وهو اللغة الفصيحة. وهذا القول لا يعني أنني لا أميز بين نوعين من النحـو: النحو العلمي النظري (Grammairescientifiqueanalytique) والنـحو التـعليـمي (Grammairepeolagogique) فالأول يقوم على نظرية لغوية تنشد الدقة وتنحو نحو العمق، في حين يقوم الثاني على المهمة الوظيفية الأولية، وهي تقويم اللسان وسلامة الخطاب. ولكن يبدو لي أن المعالجات والمحاولات التيسيرية أضحت الآن محصورة في مشكلة النحو التعليمي، ولم ترتق الهمم إلى النظر في النحو العلمي وتقديمه للدارسين بطرائق جديدة، دون أن يمس جوهره. إن استحضار عدم الانسياق وراء مطالب التيسير، ووعي العلماء الخلص بخطورة ذلك سيكون في مصلحة اللغة في قابل أيامها؛ لأن مشكلة اللغة العربية ليست في ذاتها كنظام لغوي بقدر ما هو في المجتمع المستعمل لها وفيما لها من علاقة بالعملية التعليمية وأساليبها وقناعة المتلقين بها. وليس من الإنصاف أن يسقط الإنسان تقصيره على غيره حينما يضعف عن إيجاد وسيلة للنجاح. وللأسف هذا ما بتنا نراه حيث بدأ ضعف الأمة يسقط على لغتها؛ لأن اللغة هدف يسهل النيل منه أكثر من غيره، وفي هذا الإسقاط خلط بين اللغة وأهلها. وألقاكم.

تويتر @aanzs1417