-A +A
احمد عائل فقيهي
جاء تأسيس الأندية الأدبية قبل أكثر من ثلاثين عاما تدشينا لمرحلة دخلت فيها الثقافة السعودية ــ فيما بعد ــ في العمل المؤسساتي، وقاد هذه المؤسسات الثقافية والأدبية والفنية من أندية أدبية وجمعيات ثقافة وفنون رواد وأسماء كبيرة من محمد حسن عواد وعزيز ضياء إلى محمد أحمد عيسى العقيلي ومحمد علي السنوسي وآخرين، وشكل تأسيس هذه المؤسسات فعلا معرفيا وإبداعيا لافتا، من خلال دور بعض الأندية الأدبية وليس كلها. بالرغم من التحفظ على كثير من مطبوعات هذه الأندية.
اليوم، نشاهد ونقرأ ونسمع ما يحدث داخل بعض هذه المؤسسات الثقافية، والذي لا يمثل حوارا ثقافيا وفكريا ومعرفيا راقيا وحضاريا يتجه إلى بناء وعي ثقافي وفكري ومعرفي عام يساهم في صياغة وصناعة ما يسمى اليوم بـ«مجتمع المعرفة»، وهو ما ينبغي أن تلعبه وتقوم به المؤسسات الثقافية، إضافة إلى الجامعات والمراكز العلمية، ذلك أن الثقافة مفهوم عام وشامل، وليست مجرد كتابة قصيدة شعرية وقصة قصيرة ورواية، إنها أكبر من ذلك بكثير.

نعم ما نشاهده ونقرؤه ونسمعه ليس حوارا راقيا وعاليا في تناولاته ومعالجاته، وليس فهما حقيقيا لما ينبغي أن يكون عليه العمل الثقافي، ولكنه مضاربات ومشاحنات وتصفيات لحسابات شخصية، أي أن ما هو شخصي طغى على ما هو معرفي وثقافي، وبالتالي تشخصن العمل الثقافي في هذه المؤسسات الثقافية، وذلك بحثا عن مكتسبات مالية، وبالرغم من إيماني المطلق بأن أغلبية من ينتمون إلى الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون ومجمل المؤسسات الثقافية لا علاقة لهم بالأدب والإبداع والثقافة بالمفهوم الحقيقي والمضيء لهذه المفردات، بل تحولت الأندية الأدبية ــ تحديدا ــ إلى بحث عن وجاهة اجتماعية أكثر منها مواجهة لجيوش الأمية والجهل والفكر التقليدي المعادي لكل أسس التقدم والحداثة والتنوير، بل هناك من هم تقليديون ومتخلفون فكريا ومعرفيا.
اليوم، نرى قضايا ترفع إلى المحاكم وديوان المظالم للفصل بين المتخاصمين، وتحولت الأندية الأدبية إلى ساحات عراك شخصي، وليس ساحات حراك فكري وثقافي وخلق وإبداع.
هناك اليوم ــ أيضا ــ داخل الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية متخندقون ومتحزبون، هذا ضد ذاك، وذاك ضد هذا، وأصبحت هناك فوضى داخل بعض الأندية الأدبية، ومن وساطات أمراء مناطق لحل مشاكل بعض الأندية الأدبية، إلى توسط مديرين عامين للأندية الأدبية، وأصبح المشهد الثقافي في واحد من أبرز تجلياته مضحكا ومقززا.. ومقرفا.. أيضا.
هل هذه مؤسسات ثقافية يمكن أن نتباهى ونفاخر بها.. لا بد من الخروج من شخصنة الحوار الثقافي والعمل الثقافي.. من أجل التأسيس لثقافة حقيقية وأدب حقيقي وإبداع مضيء وخلاق، لا إدخال الثقافة في المحاكم وسجنها واغتيالها أيضا.
a_faqehi@hotmail.com